ترتدي العروس فستانها الأبيض مُحملةً بسعادة وأمل وطموح كبير، لبيت سعيد مستقر، دون أن تعلم أن زيجتها تلك مهددة بنسبة تُقارب النصفَ بالطلاق! وبأن قصة زواجها قد تصبح حديثاً مغلقاً في غرفة طبيب نفسي.
من المفزع أن تكشف تقاريرُ محكمة الأسرة أن نِسب الطلاق من 7% إلى 40% خلال نصف القرن الماضي، وبأن مصر أصبحت الأولى عالمياً في نِسب الطلاق؛ حيث تحدث حالة طلاق كل 4 دقائق!
لماذا كثُرت حالات الطلاق بمصر بهذا الشكل المرعب؟ بالطبع الأسباب كثيرة جداً لا يتّسع لذكرها مقال واحد.
نحن نعيش الآن بزمن مختلف تماماً عن زمن آبائنا وأمهاتنا؛ لذا فأغلب قوانينهم وأعرافهم في الزواج باتت لا تكفي لإنجاح أسرة، أصبح الزواج أكثر تعقيداً، وتغيَّرت طموحات وهويات ومخاوف الشباب، لم تعد المرأة كما كانت كذلك الرجل.
إن كنتِ من الفتيات اللاتي يحلُمن بالزواج من أشخاص يشبهن آباءهن فتلك الأمنية أصبحت شبه مستحيلة، كان أبي كأغلب رجال جيله من الموظفين المصريين، يعود من عمله، يرتاح قليلاً، ثم يستيقظ ليحفِّظنا القرآنَ، ويذاكر معنا دروسَنا. ما زلتُ أذكر فرحتي وأخي بجهاز البلاي ستيشن الذي أحضره لنا.
كان الأب قريباً من الأبناء، ومن الزوجة، الآن بعض الآباء لا يرون أبناءهم سوى في المناسبات، يدور في رحى العمل الحكومي والخاص؛ كي يستطيع أن يوفر حياةً شبه كريمة لأسرته.
يبذل مجهوداً بدنياً ونفسياً فوق طاقة البشر؛ كي يستطيع دفع قسط السيارة، والمدرسة الخاصة بعد انهيار التعليم الحكومي، ويوفر بعض بنود الرفاهية لأسرته التي اتَّسعت بشكل مخيف، لتشمل النادي، والقرى السياحية المختلفة، ومدن الملاهي باهظة التكاليف.
وجود السوشيال ميديا أيضاً له دور كبير في تغيير نظرة الرجل والمرأة عن الزواج. فالرجل يرى نجمات الغناء والسينما العربية والغربية، ويقارن زوجته بهنَّ، وهي مقارنة غير عادلة بالطبع، على الأقل من حيث الظروف الاجتماعية والإمكانات المادية. وفي عملي أستمع لبعض الشكاوى تدور حول تلك المقارنات، التي رَفعت سقف طموحات الرجل في جمال زوجته، وبعض النساء أصابهن هوس التجميل والموضة؛ كي ترى نفسها في القالب المتعارف عليه للجمال.
وكثيراً ما يحدث أيضاً أن يقارن الرجل زوجتَه بالزوجات السوريات والمغربيات، وهي أيضاً مقارنة غير عادلة، فتكاليف الزواج وأعرافه تختلف كثيراً، فقلَّما تجد زوجة عربية تُعيل أسرتها، بينما يكثُر هذا بمصر بشكل جزئي أو كلي.
المرأة في مصر الآن تبذل جهداً يقارب جهد الرجل أو يتفوق عليه، بعضهن تعمل أكثر من وظيفة؛ كي تساعد زوجها في تكاليف الحياة، خلاف عملها داخل المنزل ورعايتها لأبنائها، ممَّا يؤثر بشكل قوي على دورها كأم وزوجة، وهذا بالطبع ضد فطرة المرأة.
إيقاع الحياة سريع، وتكاليف الحياة كثيرة، الوضع الاقتصادى مؤسف، حتى الشوارع ووسائل المواصلات سيئة، الناس في مصر كثيراً ما يصيبهم الإحباط، والإحباط هو المولِّد القوي للعنف السلبي والإيجابي.
وكل هذه الضغوطات تضع الشخصَ في حالة دائمة من التوتر المُزمن، وتأثير التوتر على الإنسان كبير جداً، بدايةً من الأمراض النفسية كالاكتئاب واضطرابات القلق وحتى الإصابة بالسرطان! وكذلك يتأثر جهاز المناعة بشكل قوي بالتوتر المزمن.
والحقيقة أننا نعيش في بلد غني بأسباب التوتر؛ أسباب اقتصادية وبيئية، وطرق مزدحمة، وتلوث، نحن نعيش على حافة التكنولوجيا بشكل يضر أكثر مما ينفع؛ حيث صار نجاح الزواج في تلك الظروف أمراً صعباً جداً، والزواج الناجح ليس فقط بعدم الطلاق، فكثير من الزيجات مستمرة فقط لأسباب اجتماعية أو نفسية، لكنها ليست زيجات صحية وفعالة.
أخبرتني صديقتي التي تزوَّجت بعد قصة حب طويلة، أنها كي تنجح في زواجها خفَّضت سقف طموحها كثيراً.
والواقع الآن، وكما أرى كثيراً في غرفة العلاج النفسي، وبين أصدقائي وأقاربي، أنَّ التوقعات العالية أحد أهم أسباب الطلاق، والسوشيال ميديا بالطبع تلعب دوراً قوياً في رفع توقعات الشباب.
نظرة فلان لزوجته، وهدية علان، والمطعم المفضل الذي افتقدته فلانة، فأهداها زوجها فرعاً قريباً من منزلها! ومن يحبك لن يستطيع أن يفعل كذا، ولا تتزوجي سوى رجل يفعل كذا! قوالب فرضتها الميديا على الشباب، بعيدة عن الواقع وعن ظروف أغلب الشباب.
أعتقد أننا نحتاج بشدة إلى الرحمة، والتماس الأعذار، ومحاولة تخفيف التوتر عن بعضنا البعض؛ كي لا يصبح البيتُ أداةً توتر تضاف لباقي الأدوات في اليوم، بينما شَرَع الله الزواجَ ليتعامل الزوجان معاً بمودة ورحمة.
بالطبع ليس التوتر وحده سبباً للطلاق، لكني أراه سبباً قوياً، فهناك عوامل كثيرة تَرجع للتربية من البداية، والطبيعة النفسية والأخلاقية للشباب.. ربما نتطرَّق إليها في أجزاء أخرى.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.