7 صفات جعلت زيدان نموذجاً للقيادة الحديثة

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/15 الساعة 07:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/19 الساعة 12:52 بتوقيت غرينتش

بعد مقالي السنة الماضية حول الريمونداتا التاريخية للبارصا على حساب باريس سان جيرمان بعنوان "دروس نفسية من ملحمة البارصا"، جاء دور ريال مدريد للحديث عن ملحمته التاريخية، رفقة الأسطورة زين الدين زيدان، التي حيّرت متخصصي الكوتشينغ الرياضي وتطوير الأداء،  والذي بصم على إنجاز غير مسبوق بإحرازه عصبة الأبطال ثلاث سنوات متتالية، وعزز خزانة النادي الملكي بتسعة ألقاب في سنة ونصف!، حتى جعل البعض يروج أنه "ساحر"، ناهيك عن كلمة "محظوظ" التي تم تداولها بشكل مكثف، خصوصاً في السنة الأولى له، وبعد ذلك بدأت تتلاشى حين تكرر الإنجاز مرات عديدة. صحيح أن زيدان محظوظ لامتلاكه كاريزما قيادية تجمع بين المهارة والشخصية، وفي هذا المقال سأحاول جرد أهم الصفات القيادية لزيزو، حتى نعرف سر نجاحه الباهر والقياسي. والحقيقة أنه لا يوجد سر أو وصفة سحرية، وإنما هي صفات القيادة الحديثة، التي تحتاج لعمل دؤوب ووعي بالإمكانات الشخصية واستغلالها بشكل ذكي.

1- الشغف: تؤكد دراسة لجامعة هارفارد أن مفتاح النجاح يتمثل في الشغف وحب المجال، فهو الذي يدفع الناس للعطاء باستمرار دون كلل، وزيزو تمثل له كرة قدم حياته وعشقه، حتى إن أبناءه الأربعة لاعبو كرة قدم كل في مركزه، وقد سئل مرة عن تركه التدريب، فأجاب: "أنا أستمتع بهذه اللعبة فهي حياتي، ولا أعرف شيئاً آخر وأنا لست في 84 عاماً!". فهو يتنفس اللعبة، ويستمتع بها في التمارين ومع اللاعبين وفي المباريات، ومن خلال المشاهدة…

2- العمل الجاد: عندما سئل ألربت أينشتاين عن أهمية الذكاء في النجاح، أجاب: "1% ذكاء، و99% جهد ومثابرة"، وهذا ما يسمى بقانون الفعل، فعندما نبذل الجهد باستمرار يتضاعف الأداء، وزيدان يتميز بالانضباط والمثابرة منذ أن كان لاعباً، واليوم كمدرب، فهو يطالب الفريق دائماً ببذل الجهد، والاستعداد المبكر؛ مما يجعل الفريق يتعامل مع كل الظروف والاحتمالات. فزيدان يركز على العمل، وكثيراً ما يقول عن الفريق: "أعرف أنهم كلهم يبذلون الجهد!"، وهذه رسائل تواصلية قوية ومؤثرة للاوعي تدفع الجميع للعمل.

3- الواقعية: إضافة للعمل الجاد، فزيدان يتميز بالواقعية؛ مما يوفر له ذكاء استراتجياً يمكنه من استشراف المستقبل، وتحديد الأهداف بدقة، ومن الصعب أن تجمع بين الواقعية والحماس، لكن زيزو يستطيع ذلك، فهو يتميز بالحذر، وفي نفس الوقت بالدافعية والحفز للتحرك عبر رؤية واضحة، وعند خسارة المبارة، فهو يتحمل المسؤولية، ولا يلقي باللوم على أحد، بل يتكلم بصيغة الجمع، مثل: "لقد ارتكبنا أخطاء ولم نكن مركزين، وسنعمل على تصحيح ذلك"، وفي اللقاءات الحاسمة يكرر عبارة: "نعرف أننا سنعاني في هذا النهائي، لكننا مستعدون ونريد الفوز"، فيفوز وهو الذي لم يخسر ولو نهائياً واحداً مع الريال!

4- التعلم المستمر: يتميز زيدان بالرغبة في تعلم المزيد، فهو فهم سر الإنجاز كما ذكره رواد القيادة: "احرص على أن تبقى تلميذاً مدى الحياة"، فحرصه الدائم على النمو يساعده على التطوير الشخصي والمهني، ويحكي زملاؤه في كورس تدريب المدربين المحترفين أنه يسأل باستمرار وينصت ويتفاعل مع الخبراء، ويبدو جلياً ذلك في كلامه عن أداء الفريق؛ حيث يردد: "نحتاج إلى النمو باستمرار"، و"هذا الفريق متجوع للألقاب، فنحن لا نشبع"، فهو بلغة الأداء لا يشعر بالكمال؛ مما يجعله لا يشبع من الإنجازات. فزيزو يسعى للتعلم باستمرار، حتى من أخطائه، فهو عندما يتذكر نطحته الشهيرة لمتراتزي، يقول: "لست فخوراً بما فعلت، بينما عليَّ تقبل ذلك. إنها شخصيتي!".

5- التواصل الفعال: يعتبر التواصل من أهم مهارات الحياة، فهو يمثل أكثر من 85% من أركان النجاح، نسبة للعديد من الدراسات، ومنها مؤسسة  كارنيغي، ومهنة الكوتشينغ الرياضي مبنية على هذا الأساس، فزيدان يمتلك طريقة تواصل مؤثرة مع اللاعبين، ويعرف كيف يتقرب منهم، أما في المؤتمرات الصحفية فهو واضح ومختصر ومؤثر؛ حيث قال عنه المدرب الألماني شوستر: "لم أرَ في حياتي مدرباً يجيد المؤتمرات الصحفية مثل زيدان، فأسلوبه يجب أن يُدرّس"، فهو ينهي دائماً لقاءه بابتسامة؛ مما يعطي الانطباع بالثقة لمن حوله. ولعل حديثه المؤثر أمام اللاعبين يعبر عن قدرات تواصلية جد ملهمة؛ حيث يستعمل لغة ميلتون المعروفة في منهج البرمجة اللغوية العصبية NLP، فهو يبدأ الكلام بأنتم مثل: "أنتم هنا؛ لأنكم بذلتم الكثير من الجهد، ونحن متحمسون للنهائي ..".. إنها رسالة محفزة على مستوى العقل الباطن تدفع الفريق لشحذ العزيمة.

6- المواجدة: في نفس سياق التواصل، يتميز زيدان بمهارة جد مطلوبة في القيادة الحديثة وهي المواجدة، أو ما يسمى بالتقمص العاطفي، فزيزو ينصت بشكل جيد وبلغة جسد مدروسة؛ مما يسهل عليه فهم فكر اللاعبين وتفهم مشاعرهم، إضافة إلى قدرة عالية من ضبط النفس، ولعل المتخصصين لاحظوا ثباته في الظروف الصعبة، والمواقف الحاسمة، وآخرها لقاء بايرن ميونيخ؛ حيث جل مكونات الفريق والجمهور تحتج على الحكم؛ لزيادته الوقت، بينما زيدان جامد ومركز على تفاصيل المباراة.. هذا ما يعطي الارتياح للفريق؛ حيث يؤكد أغلب اللاعبين أنهم يشعرون بالاطمئنان مع زيزو، حتى من يختلفون معه فهو لا ينتقد أبدا أي لاعب على غرار مدربين آخرين، بل يعتذر في الوضعيات المناسبة، كما حدث مع سيبايوس عندما أخرجه مباشرة بعدما أدخله.

7- التواضع: بالرغم من نجاحه الباهر، سواء كلاعب أو كمدرب، فزيدان يتميز بالتواضع المتمثل في احترامه للخصم كيفما كان مركزه ومستواه، بل ويعمد إلى نفي أن فريقه هو المرشح، ويؤكد أن كل الاحتمالات ممكنة، وعندما يقترب للفوز بالبطولة، فهو يمرر رسائل جد مهمة، من قبيل "صحيح أننا في الصدارة، لكننا لم نربح شيئاً لحد الآن"، وذالك لمنع الإحساس بالفوز المسبق، الذي يؤدي إلى تراخي الفريق، بل زيزو يدفع المجموعة للتركيز حتى آخر ثانية، إضافة إلى ذلك، فزيزو نادراً ما يتكلم عن ألقابه ومهاراته، ولا ينسب النجاح أبداً لنفسه بل يؤكد أنه ثمرة عمل الجميع.

لقد دخل زيزو التاريخ من بابه الواسع كأسطورة في عالم كرة القدم، سواء كلاعب أو كمدرب، وأثبت أنه قائد من نوع آخر، يتميز بكاريزما خاصة وذكاء قيادي، يتمثل في القدرة على اتخاذ قرارات شجاعة، وأحيانا مفاجئة، وآخرها استقالته كمدرب للريال، وشخصياً أعتقد أنه "قرار شخصي بعد ما تبين له أنه في الظروف الحالية لا يمكنه مواصلة حصد الألقاب"، وقبلها اتخذ قراراً بعدم انتداب أي لاعب في الانتقالات الشتوية لهذا الموسم للحفاظ على لُحمة الفريق، وكلنا نتذكر قراره بالاعتزال وهو في أوج عطائه.. إنه قائد يملك رؤية استراتيجية مستقبلية، ومدرك تماماً لإمكانياته ووضعيته، وهذا ما يمكنه من الفر والكر في الوقت المناسب.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
ربيع الرحموني
مدرب في مهارات الحياة
تحميل المزيد