ليست مجرد عبارة ساخرة.. لهذه الأسباب لا تطلب الاهتمام

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/12 الساعة 11:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/12 الساعة 11:44 بتوقيت غرينتش
A high school girl sits alone by her locker, her head hung low in sadness, as a group of three friends in the background interact happily together.

السّعادة هي غاية الإنسان من وراء كل فعل يقوم به، سواءٌ أكان ذلك الأمر ظاهراً أم ضمنياً. فالجميع يصبو إلى تحقيقها على اختلاف تلاوينها.

ولطالما ارتبطت السعادة -في الغالب- بتوافر طرف خارجي، يحقق لك "السعادة" في شكل اهتمام يوليه لك، فيهتم لأمرك وتسعد معه.

وبحسب هرم ماسلو للاحتياجات، يمكن اعتبار "الحاجة للاهتمام" ضمن الاحتياجات الاجتماعية التي تأتي بعد الاحتياجات الفسيولوجية وحاجات الأمان.

فالاهتمام مطلب فطري لكل إنسان، إذ في طفولته يحتاج إلى الاهتمام من أمه وأبيه، ثم عندما يكبر وينضج يبحث عن اهتمام آخر من الأهل والأصدقاء، وفي مرحلة معينة يبحث عن اهتمام من الطرف الذي ينوي شقّ طريقه معه لآخر العمر.

هكذا يظل الإنسان باحثاً عن الاهتمام والمبالاة والتقدير من الآخر، وذلك منذ أن اضطر للاجتماع "العقد الاجتماعي" بدلاً عن "حالة الطبيعة"، فالإنسان "كائن اجتماعي" اضطراراً لا اختياراً.

لكن قد ينقلب الأمر من كونه مصدراً للسعادة إلى منبعٍ للحزن والبؤس، وذلك حينما نجعل من الشعور بالاهتمام أقصى درجات السعادة.

ففي خضمّ حلقات الحياة التي نعيشها ونحاول التعايش معها، نجد أنفسنا مجبرين على ترقب آراء الآخر، وانتظار وجهة نظره، باعتباره الكائن الوحيد "الواعي" القادر على التفاعل مع ما نقوم به، وذلك من أجل التقاط مؤشر يدل على اهتمامه بكينونتنا،  فيُصبح بذلك هذا الاهتمام هو الميزان الضابط لمدى رضانا عن أنفسنا، معلقين بذلك السعادة على مقدار الاهتمام الذي نتلقاه من الغير.

من هنا قد يتكون ذلك الاهتمام الذي يأتي مِن جانبكَ فقط، والذي يجعل منك عبئاً على الآخر، متسولاً له دائم الاحتياج إليه، ودائم التطلع لرؤية انعكاس صورتك على واجهته، فتبادر بالسؤال وفتح الأبواب، لتلفِت انتباهه في انتظار تفاعله معك، والذي قد يأتي في شكل إجابة قاسية مثل عبارة: "أنا لا أهتم لأمرك"، أو "لا أكترث لوجودك".

وما دام الأمر لا يتعلق في الحقيقة بوجود ثنائية "أنا-الآخر"، فالآخر هو "الأنا" بالنسبة له، وأنا بالنسبة له هو "الآخر"، يمكن عكس مسألة "البحث عن الاهتمام" بين الطرفين دون حدوث فوارق كبيرة. فهذا الآخر الذي أمطرتَه اهتماماً قد لا يجد في هذا الأمر سوى فضول وتضييق ومراقبة من شخص ساذج لا يعرف قواعد الإتيكيت، ولا حظ له من الذكاء الاجتماعي.

فالمبادرة دوماً بالسؤال قد تكون بالنسبة له سلوكاً أهوج، كما أن الاهتمام المفاجئ قد يكون منفذاً من أجل نيل مصلحة ما، أو بغية معرفة التفاصيل الشخصية.

لذلك قد يعمد إلى صدّ الأبواب وإغلاق النوافذ، حتى لو اقتضى الأمر إحداث القطيعة النهائية، ورمي كل ذكريات الماضي -إن وُجدت- جانبا ودون التفات.

ولتجنب كل ما قد سلف، سواءً أكنت ممن يُبادر ويطرق دائماً الباب (عن حُسن نية أو عن غيرها)، أو ذلك الطرف الذي سئم كثرة الاتصال المفروض عليه فكفر بكل علاقة اجتماعية، وجب سلك منهج وسطي، لا ضرر فيه للنفس ولا ضرار فيه للغير.

فأولاً ينبغي تضييق دائرة المعارف، ليصبح الاهتمام -بكل ما يحمل من معنى- خاصاً بالمقربين من حولنا، أو ممن نودّ أن يكونوا ضمن تلك الدائرة. ثم يأتي خارج الدائرة الآخرون، الذين هم كذلك لهم دوائر خاصة بهم لسنا ضمنها، والوجود خارج الدائرة هنا لا يعني التصنيف ضمن الأعداء، وإنما من أجل ترتيب الأولويات وتوضيح الأمور، وخلق عالم خاص بعيداً عن الزحام المُغري-الخادع.

ثم ينبغي داخل هذه الدائرة -وعلى دقتها- أن تحكمها قواعد معينة، فالعطاء يجب أن يكون متبادلاً، والاهتمام كذلك، ولا مجال للطوباوية التي تفتقر للأسس الواقعية الصلبة.

لا ينبغي انتظار الاهتمام من أحد، فالاهتمام لا يُطلب، اهتم ولا تكن في حاجة للاهتمام، وامتلك كبرياءً يغنيك عن البحث عمن تستند إليه دوماً، ولا ضير من الإبقاء على المشاعر هاجعة في الأعماق دون إفصاح.

اهرب من اللقاء الذي لن تجد فيه ذاتك، وتمنَّ أن تكون مجرد عابر، ومجرد خيالٍ لا يُرى لمن لا فائدة (متبادلة) تُرجى منهم. فالعزلة أمر مرغوب فيه، تلك التي لا تُلغي وجود الآخر تماماً، بل تُعمّق من النظر إليه عن بُعد.

لا تُكثر من القيل والقال، فالحوار إذا طال فإنه يُنهي المضامين المفيدة، ولا يُبقي بعد ذلك سوى الخُشار.

لا تعتد على الشعور بالسعادة من أحد، وتترك داخلك، ولا تُعول دائماً على رأي الآخرين في تقييم شخصك، بل قدّر نفسك واعمل بقاعدة "اثنان زائد اثنان يساوي خمسة" (الواردة في رواية الإنسان الصرصار لدوستويفسكي)، أي أن تكون لك الإرادة الحرة في اختيار ما يلائمك، بغضّ النظر عن كونه "منطقياً" أم لا.

يقال إن الاهتمام نصف السعادة، لكن متى كان ذلك متبادلاً دون استجداء ولا طلب، ودون إجهاز على الكبرياء والكرامة.

قد تفرض علينا يوتوبيانا أن نكون بين أمرين: عاطفة تدعوك للإيثار والتحمّل والتجاوز والصبر على الأذى، وعقل يدعوك للحزم والصرامة حتى لا تبدو ساذجاً، وحتى لا تُهضم حقوقك وتسير في طريق إرضاء الغير على حساب إرضاء النفس.

يقول الكاتب الفلسطيني أدهم شرقاوي: "اللهُمَّ التَّجاوز.. التَّخطِّي.. المُرور.. العُبور.. كلّ شيءٍ إلا الوُقُوف في المُنتصف".      

فكلّ شيء إلا أن تكون دائم الانتظار لاهتمام تجعل منه سبباً أساسياً لسعادتك، ودرجة أولى في سُلّم السعادة الخاص بك، فيتحول بذلك الأمر إلى ترنح يومي مبنيّ على تفاعل الآخر، لن يؤدي في الأخير سوى لمأساة، هي نقيض ما كنت عنه تبحث وتطلب.

يا ليتنا عشنا الحاضر ثانية بثانية، واجتنبنا الاسترجاع المتكرر لشريط الماضي، أو التطلع الدائم للغد، وانتظار ذلك الذي قد يأتي أو لا يأتي.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
حاتم البوعناني
طالب باحث
تحميل المزيد