"الناس دايماً بتسعى للصعب، محدش بيجري ورا اللي بيقدم تنازلات"
جملة أخبرتني بها صديقتي المُفضلة ندى، أثناء حديثنا عن دور البطولة الذي يعيشه البعض منا في حياته، سعياً منه إلى ما قاله محمد سعد في فيلم عوكل: "عايزين ننول الرضا".. كلمة من خمسة أحرف تنطفئ من أجلها قلوب كثيرة.
في صغري كنت أبحث دائماً عن طريق مختصر حتى أُصبح تلك الابنة التي ترضى عنها كُل العائلة، كنت الابنة التي تبحث عن طريقة تتخلص بها من نقد البعض اللاذع، الذي كان يؤلم قلبي بشدة، لكنني أُخفيه، أخفيه حتى فتَّت قلبي، وجعلني شخصاً قليل المشاركة في الأحاديث، حتى يتجنَّب الوقوع في الخطأ، الذي يعتبره البعض الشماعة التي يعلقون عليها أسباب نقدهم لي ولتصرفاتي وحياتي، وأي كلمة تخرج من فمي.
من ضمن النصائح التي سمعتها في صغري، وقيل لي اجعليها قاعدةً في حياتك: "اتنازلي.. اتنازلي علشان تعرفي تعيشي".
بحثت عن دور البطولة في حياتي، أن أكون بطلةً في عملي، في دراستي، حتى في علاقتي مع أهلي، وعلاقتي مع أصدقائي.
دخلت الدوامة ظناً مني أنني قادرة على تحقيق مرادي، فمن يستطيع أن يرفض شخصاً يهتم به ويحبه، ويتنازل من أجله عن أشياء كثيرة، وعيوب قد تؤذيه؟! لكنني علمت أخيراً أنه حتى العلاقات التي تبدو لنا علاقات سليمة متوازنة، قد تكون في نهاية الأمر علاقاتٍ مؤذية، تحمل في طيَّاتها كثيراً من الألم، وشخصاً يعافر كثيراً حتى يصل إلى دور البطولة، ليكتفي به الطرف الآخر.
قرأت للكاتب أحمد مدحت "بوست"، يتحدث فيه عن صديقه الذي قرَّر في مرحلة ما من حياته أن يتوقف عن السعي وراء الآخرين، توقف عن كونه الطرف الذي يسأل ويهتم، وقرَّر عدم مدِّ حبالِ الوُّد مثلما كان يفعل في كُلِّ مرة، ومثلما تعود أصدقاؤه ومَن حوله منه، وكانت النتيجة المؤلمة، والتي كانت بمثابه صفعة له، وإنذار أنَّ كُل العلاقات التي سعى حتّى لا تنتهي لم يبحث أصحابُها عنه، لم يشعر أحدٌ بغيابه، كما لو أنه قطعة بازل، لو حذفتها من الصورة لن تتأثر.
عندما قرأته تأثرت بشدة، لأنه وبطريقةٍ ما يُمثلني أنا وفئة كبيرة، فنحن مَن نسعى وندعم، ونتحمَّل ونتغاضى عن العيوب والتصرفات التي لو دقَّق فيها شخص لَعَرَف أنَّ هذه العلاقة يجب أن ينقطع حبل وُدها الآن. يومها بقيت مستيقظة أفكِّر، لماذا يسعى البعض إلى العلاقات الصعبة؟ في حين أنهم في كل حديث لهم يخبروننا، ولو بشكل غير مباشر، أنهم لو وجدوا مَن ينتشلهم من دائرة الوحدة لتمسَّكوا به للأبد. لكنني أعلم تماماً أنه إذا هبط إليهم وهو يحمل في يده نجمة من السماء فلن ينول رضاهم، ولن يكون في نظرهم بطلاً.
لا أتذكر الوقتَ بالتحديد، لكن في طفولتي كنت أنا من يساعد دائماً زملائي في الفصل، أتنازل وأقوم بالعديد من النشاطات التي يمكن أن يقوم بها شخصٌ آخر، فأنا كما قُلت كنت أبحث عن دور البطولة في كُل شيء، حتى في أبسط الأشياء.
أخبرني أحدُهم وقتَها أنَّ هذه الصفة بالتحديد ستكون سبباً في ألم كبير لقلبي بعد ذلك، والآن وبعد مرور كثير من الأيام والسنوات أُخبِره من خلال هذه الحروف، أنَّه كان على حقٍّ تماماً، في كُل مرة تنازلتُ فيها شعرتُ كما لو أن قطعةً مني تتفتَّت.
مثل الطفل الذي يطيع والده وينتظر أن يحصل منه على قطعة شوكولاتة، أو خروجة لمكانه المفضل كهدية. أو مُعلِّمته التي يذاكر ويجتهد حتى تزيّن له كشكوله بنجمة، كأن هذه النجمة دليل على عدم فشله.
كُنت كالطفل الذي ينتظر أن يُربِّت أحدٌ على رأسه، أو يحتضنه أحدُهم ويخبره أنه طفل جميل، حتى لو كان سيئاً. ربما تكون هذه الكلمة هي القشة التي تُنقذني!
النجمة التي تعطيها المُعلمة للطفل كانت لي بمثابة الكلمة التي أنتظرها مِن بعض الأشخاص حولي، كلمة واحدة تهدم كُل جدران الخوف في قلبي؛ لكنهم بخلوا بها سعياً وراء علاقات مرهقة، لن ينالوا منها أي شيء.
الآن أنا عمري 20 عاماً، وبعد أن أرهقتني دوامة البطولة، واستنزفت كلَّ طاقتي، أُخبركَ أنَّ دور البطولة لو سعيتَ إليه فإنه لن يعطيك أيَّ شيء، لن يجعلكَ تحافظ على بقاء صديقٍ معك، لن ينظر إليك أحدهم كما تنظر لنفسك، لن تجد مَن يحاول من أجلك، ويسعى أن يكون بطلاً مثلك.
البطولة فقط ستُفتِّت قلبك فقط، ستمنحك شعوراً لا تُحبه، ستبكي كثيراً، وتحولك إلى شخص تتمنَّى لو تبتلعه الأرض.
وأخيراً أقدِّم لك نصيحة قرأتها قبل أن أبدأ في كتابة هذا المقال، وأجدها مناسبةً جداً: لا تمنح دور البطولة في حياتك لأناسٍ منحوك دور (الكومبارس) في حياتهم!
وأيضاً لكل من يتعجَّب من التغيير الذي طرأ على شخصيتي، إنها الحياة يا عزيزي، تعلَّمنا بالتجارب أن تكون ممن يقدمون المحاولة والحب والتنازل بالقطارة، فأنا توقَّفت عن كوني الشخص الذي يبذل ما بوسعه من أجل الحفاظ على بقاء الآخرين معه. كنت دائماً أنا مَن يحاول، ولم يحاول أحدٌ من أجلي؛ لهذا أنا تركت دور البطولة، حفاظاً على ما تبقَّى مِن فُتات قلبي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.