“حبيبي داعشيٌّ” و”في قلبي أنثى عبرية”.. لماذ يُقبل الشباب العربي على قراءة مثل هذه الروايات تحديداً؟

عدد القراءات
571
عربي بوست
تم النشر: 2018/07/08 الساعة 07:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/08 الساعة 09:53 بتوقيت غرينتش

يتعاطى القارئُ العربي الشاب مع الروايات ذات الطابع الدرامي، بدراما أكبر منها، وبعاطفةٍ جياشة وبمشاعر تصلُح لإنتاج فيلمٍ رومانسي ممل، تجدْه يتعاطف مع روايات تحكي قصص حبٍ شبه خيالية كأنما يبحثُ عن حياةٍ افتقدها في الواقع ووجد نسخة منها داخل تلك الرواية.

لا أعلم مدى سبب انتشار رواياتٍ من مثل: "في قلبي أنثى عبرية"، و"حبيبي داعشي"، و"كنْ خائناً تكنْ أجمل"، و"فلتغفري"، و"أحببتك أكثر مما ينبغي"!

والغريبُ في الأمر أنك وعند انضمامك إلى أي مجموعةٍ أدبيةٍ هادفة، تدعو للقراءة وتحثُّ على المطالعة، تجد أن أكثر المنضمين إلى تلك المجموعات هم شبابٌ ليس في جعبتهم الأدبية سوى بضع روايات، قاموا بقراءتها واكتشفوا أنها الأفضل والأروع، مما ساهم في جعلها تتصدر "الكتب الأكثر قراءة"، ومما ساهم أيضاً في دفعي للهرب من تلك المجموعات، وكأنما أُبعدُ عن نفسي شبهةً تفوح منها رائحةُ جريمةٍ مُنكرة.

سأتناولُ في تدوينتي هذه، الروايات التي حصلت على عدد أكبر من القراء والمعجبين والمتعاطفين الذين أضافوا لمنشوراتهم عبارة:

"راقتْ لي، ومن أجمل ما قرأت"، مُرفقاً بعنوان الرواية الذي لا يستحق كل هذا المدح وهذه الشهرة.

وكأنما هذا القارئ الرومانسي قد قرأ كل روايات الكُتاب العرب والعالميين، وأثرى مخيلته وعقله بكتب المفكرين والباحثين، فوجد بعد جردٍ لكل ما قرأه أن هذه الروايات هي الأجمل والأروع حقاً. ولن أتطرق إلى شرح تفصيلي أو لمحة عن الرواية؛ بل سأكتفي ببعض الملاحظات التي يسمح لي المجال بالتحدث عنها.

رواية "في قلبي أنثى عبرية"

الرواية التي حصلتْ على الدرجة الأولى في استفتاء "أكثر الكتب قراءةً" من قِبل الشباب العربي الرومانسي، والتي يُستشهدُ بها عند سؤاله: "ماذا قرأت لهذا العام؟" أو "اقترح علينا كتاباً لنقرأْه".

والمضحكُ في الأمر أن هذه الرواية أصبحتْ تُهدى في المناسبات "كعيد الحب مثلاً". هي رواية أقرب ما يمكن أن يُقال عنها إنها رواية إسلامية، مغلفة بفقاعة "التسامح الديني"، اختارتْ مؤلفتها خولة حمدي عنواناً مثيراً للفضول، ولكونها قصةً واقعية، بحسب قولها، تهافت عليها القراء وأُعجبوا بتلك الرواية التي تحكي قصص المقاومة والحب والتضحيات.

لم أشعرْ بأن في قلبها أنثى عبرية أبداً، بدتْ الرواية بالنسبة لي وكأنها رواية إسلامية أي أشبه بدعوة إلى الإسلام، أغلبُ أبطال الرواية أسلموا في حبكةٍ مُبالغ فيها نوعاً ما، وكأن الكاتبة تعبّر عن وجهة نظرها الشخصية فقط. بالتأكيد، لا يُفهم من كلامي هذا أنني ضد الروايات ذات الطابع الديني، ولكن العنوان كان لجذب القارئ ليس إلا، وبعيداً كل البعد عن مضمون الرواية، وبغض النظر عن أن لغة الرواية وأسلوبها كانا جيدين، إلا أنها وقعتْ في فخ الاستطراد الذي لا ضرورة له، وخاصةً في أثناء تطرُّقها إلى الأحكام الشرعية والأحاديث النبوية وكأننا أمام خُطبة أو درس ديني.

الرواية لا بأس بها، وكمية الأحداث التي تناولتها الكاتبة تدفعُ القارئ لإنهائها ربما في يومٍ واحد، في محاولةٍ منه لمعرفة النهاية، إلا أنها لا ترقى لمستوى الرواية الأفضل أو الأكثر قراءة ومبيعاً، مع احترامي لكل المُعجبين بها.

رواية "حبيبي داعشيٌّ"

أكادُ أجزم بأن كل من تسابق لقراءة هذه الرواية، إنما هو بسبب عنوانها الذي يتماشى مع ظهور "داعش" وتصدره الأحداث السياسية في السنوات الأربع الأخيرة.

هذه الرواية بالإضافة إلى عنوانها الغريب، تمتاز بلغة عربية ركيكة، وأخطاء نحْوية لا تُغتفر، وكأن كاتب الرواية طالبٌ في الثانوية العامة، فضلاً عن الحبكة الضعيفة والأقرب للخيال. لم لا؟ ومؤلفتها هاجر عبد الصمد تقول إنها كتبتْ تلك الرواية في مدةٍ زمنيةٍ لا تتجاوز الشهر، حيث كانت تستعد للمشاركة في مسابقة خاصة بكتابة الرواية.

اختيار موضوع "داعش" للتحدث عنه في الروايات لا يعني بالضرورة أنْ يسرد علينا الكاتب قصصاً لا تحدث إلا في المسلسلات، بعيدة حتى عن الواقع الذي ظهر فيه "داعش"، ولا يغفرُ له أيضاً أن يُشعرنا بالملل ونحن نقرأُ قصة حب تفوحُ منها رائحة الكذب، فالعزف على وتر المشاعر المزيفة، أصبح "موضة أدبية" حتى في الروايات.

"كُن خائناً تكُنْ أجمل"!

لكاتبها عبد الرحمن حمدان، الذي ينصح قراء روايته من المتزوجين أو المقبلين على الزواج بعدم الاقتراب من الرواية؛ لأنها قد تهدد زواجهم.

الرواية قد تُوصف بأنها "مضيعة للوقت" ليس أكثر، أسلوبها بسيط وساذج، ولغتها رديئة وقريبة للعامية، وكأنك تقرأ قصة في أحد منتديات الترفيه.

يقول عبد الرحمن حمدان: "هل هي جميلة جداً لأنها كانت سعيدة معي وبي، كما يقول المثل: كن سعيداً تكن أجمل، أَم هي جميلة؛ لأنها كانت سعيدة لأنني لا أعلمُ شيئاً عن خيانتها فيصبح المثل الأصح هو: كن خائناً تكن أجمل".

لا يُلام كُتاب مثل هذه الروايات بقدر ما يُلام قارئُها، وأعني هنا تحديداً ذاك الذي يرفعُ من مستوى مدحه للرواية التي أعجبته إلى درجة أن يضعها في مصاف الكتب العظيمة التي تستحق الإشادة بحق، فيقتادك فضولك لقراءتها وتكتشف بعدها أنك قد أضعت الكثير من الوقت الثمين في قراءة ما لا يصلح للقراءة.

نعم، قد تختلفُ أذواقُ البشر حتى في اختيارهم لكُتابهم ورواياتهم المفضلة، ولكنْ أن تنساق شريحة كبيرة من المجتمع -وتحديداً من شبابها القارئ- إلى مثل هذه الروايات.

فتجد شاباً يكتب منشوراً يصفُ فيه تأثره ودموعه التي انهمرتْ في أثناء قراءته لرواية "كن خائناً تكن أجمل"، وأخرى تتمنى لو عاشت أحداث رواية "حبيبي داعشي"، وآخر يطلب من أصدقائه أن يرشدوه إلى أقرب مكتبة تبيع رواية "في قلبي أنثى عبرية"؛ لأنه يرغب في إهدائها لحبيبته في "عيد الحب"!

هنا فقط تكتشف الطامة الكبرى والمستوى الذي وصل إليه شبابنا، الذي لم يقرأ يوماً للرافعي ولم يتعمق في فلسفته، ولم يقرأ لنجيب محفوظ والطيب صالح وعبد الرحمن منيف والماغوط ورضوى عاشور وغيرهم الكثير، والذي لم يعرف من الأدب سوى فن الرواية، الذي يراه الكاتب ماريو فارغاس يوسا هو الأفضل لجعل الناس يفهمون أن الواقع مصنوع بطريقة رديئة، وأنه غير كافٍ لإشباع والأحلام الإنسانية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
خولة شنوف
كاتبة ومدونة جزائرية
تحميل المزيد