سقطرى ليست إماراتية

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/06 الساعة 14:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/06 الساعة 17:32 بتوقيت غرينتش

في أواخر أبريل/نيسان 2018، وصل إلى سقطرى وفد حكومي برئاسة رئيس الوزراء أحمد بن دغر، وخلال وجود الوفد، خرج سكان سقطرى بمظاهرة كبيرة، عبَّروا خلالها عن تأييدهم للحكومة الشرعية، وهتفوا لليمن الموحد؛ وهو ما تسبب في رد فعل غير متوقع من قِبل أبوظبي، عند إرسالها قوة عسكرية وعتاداً عسكرياً للجزيرة، وبسطِ سيطرتها على ميناء ومطار سقطرى، بعد طرد القوات اليمنية من هاتين المنشأتين، وهو ما يعد احتلالاً عسكرياً مباشراً بعد أن كان متوارياً خلف ستار المشاريع والمساعدات الإنسانية.

ولطالما بقيت محافظة أرخبيل سقطرى بعيدة عن الحرب وتداعياتها، منذ بداية الحرب في اليمن، إلا أن القوة العسكرية الإماراتية، كانت بمثابة خطوة لتحويل الجزيرة إلى ساحة صراع، وهو ما أثار غضب مواطني الجزيرة، الذين خرجوا بمظاهرات كبيرة رافضة للوجود الإماراتي ومطالبة برحيله.

التحشيد العسكري الإماراتي في سقطرى لا يمكن توصيفه سوى بالاحتلال، ولا يوجد مبرر لوجود قوات عسكرية غير يمنية في المنطقة؛ لكونها بعيدة عن مناطق الحرب والصراع نحو 1000 كيلومتر، ولم تشهد تطورات تستدعي تدخُّلاً عسكرياً خارجياً، كما أن الوجود حدث خارج إطار السلطة الشرعية؛ ومن ثم تنعدم مبررات الوجود العسكري للإمارات في سقطرى.

ممارسات الإمارات في سقطرى لم تكن أمراً جديداً على اليمنيين، لكن ما يميزه هذه المرة، هو استخدام جنود إماراتيين بشكل علني، وليس عبر وكلاء محليين كما يحدث في كل مرة، إضافة إلى أن تزامن مع زيارة وفد الحكومة الشرعية للجزيرة، وما صاحبه من تمادٍ عبر وسائل الإعلام الإماراتية.

التدخل العسكري الإماراتي في الجزيرة لا يمكن تبريره كما أسلفت، لكن يمكن تفسيره، من خلال ربطه بالاحتلال العسكري الإيراني لـ3 جزر إماراتية، ووفقاً لذلك يمكن فهم طريقة تفكيرالإماراتيين  وتبريرهم هذا التدخل في الجزيرة اليمنية، وطريقة التفكير هذه يمكن إجمالها في نص مضمونه: "سقطرى ليست يمنية، ولن تكون، لكنها حتى الآن ليست إماراتية، ويمكن أن تصبح كذلك. في عام 1971، احتلت إيران 3 جزر إماراتية بالقوة، وضمَّتها إلى أرضها، وأصبحت هذه الجزر إيرانية بقوة السلاح، وما دمنا عاجزين عن استرجاع الجزر الثلاث من إيران، يجب علينا على الأقل، الاستفادة من البلطجة الإيرانية ونطبق التجربة الإيرانية لضم جزر غير إماراتية إلى الإمارات، مثلما ضمت إيران جزراً غير إيرانية إلى إيران، ولنبدأ بجزيرة سقطرى اليمنية، خاصة أن البلاد تعيش حالة حرب، يسهل معها تطبيق مثل هذه التجربة".

إذاً، هناك إمكانية لأن تصبح سقطرى إمارة ثامنة للإمارات خارج حدودها، وفقاً لطريقة التفكير الإماراتية، تقول باحثة إماراتية بشكل أوضح، إنه ليس من حق رئيس الوزراء اليمني زيارة سقطرى، لافتتاح مشاريع فيها؛ إذ إن الإمارات هي من يمتلك الحق في تنفيذ هذه المشاريع، وكان بإمكان هذه الباحثة أن تكون أكثر وضوحاً كمستشار ولي عهد أبوظبي، الذي أعلن أن موضوع سقطرى قد حُسم، وعزا ذلك إلى استيقاظ اليمنيين المتأخر!

يعتقد حكام أبو ظبي أن تقديمهم المساعدات الإنسانية وتتفيذ المشاريع التنموية في جزيرة سقطرى، يبيحان لهم احتلال الجزيرة والسيطرة عليها، ومن هنا يمكن فهم مسألة المساعدات والمشاريع الإماراتية؛ لكونها لم تكن لهدف إنساني، وإنما قدَّمتها الإمارات باعتبار سقطرى أرضاً إماراتية، وليست يمنية، وأمام هذه المقاربة يسقط الهدف الإنساني، وينكشف الهدف الحقيقي لهذه المساعدات، التي ركز عليها الإعلام الإماراتي بشكل بارز، كما لو أنها تقام في إحدى الإمارات السبع.

وعلى ذكر المساعدات، فهناك دول خليجية أخرى أسهمت في تقديم المساعدات وإقامة المشاريع التنموية والإنسانية في اليمن منذ بدء الحرب، وقدَّمت أضعاف ما قدمته حكومة أبوظبي، لكنها آثرت العمل بصمت، بعيداً عن الضجيج، ما دام الهدف إنسانياً بحتاً، كانت الكويت في طليعة هذه الدول، وتركت بصماتها الإنسانية في أكثر من محافظة يمنية، تحدثت أفعالها عنها، ولم تحتج للطبل كي تضج العالم بمشاريعها، وتجرح مشاعر البسطاء وكرامتهم من خلال تصوير المساعدات المتواضعة التي تُقدَّم لهم بطريقة مثيرة للشفقة والسخرية في آن واحد، كما يفعل إعلام أبوظبي.

مسألة المساعدات والمشاريع الإماراتية كانت حاضرةً بقوة خلال أزمة سقطرى؛ إذ عمدت بعض وسائل الإعلام الإماراتي إلى تذكير اليمنيين، ومنهم أبناء سقطرى، بالمشاريع والمساعدات الإماراتية التي قُدِّمت خلال السنوات الماضية، لتبرير الوجود العسكري في الجزيرة، كما لجأ الإعلام الإماراتي إلى إقحام جماعة الإخوان وقطر في هذه المسألة لتمييعها، واصفاً اليمنيين الرافضين لبلطجتها في سقطرى بالعمالة لقطر والتبعية لـ"الإخوان"، مع أن أصل المسألة واضح جداً، وهو احتلال الإمارات أرضاً يمنية، لا تتبع قطر ولا جماعة الإخوان.

إنني لا أستغرب من العبث الإماراتي في سقطرى، قدر استغرابي من وجود أبواق يمنية محسوبة على بعض الدكاكين السياسية، تبرر هذا العبث، وتتسق مع التبريرات الإماراتية، نكاية بحزب أو جماعة معينة، أو طلباً للمال والحظوة والتقرب لحكام الإمارات، وهؤلاء أشبه ما يكونون بالأحذية التي تُستبدل باستمرار وفقاً لمتطلبات الزمن.

ستبقى سقطرى يمنية مهما حاول الإماراتيون السيطرة عليها، أو العبث بمقدراتها، وستعود سقطرى لوضعها الطبيعي ضمن الجغرافيا اليمنية، وإن استدعى الموقف مواجهة عسكرية، ولنا ولهم في تاريخ الإنسان اليمني عبرة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
منذر فؤاد
كاتب يمني
تحميل المزيد