تسألينني لماذا البكاء؟ ومتى سأبكي إذا؟ لماذا لا نبكي كلنا؟ كلنا يا ابنتي، مرة واحدة، من أول "غزة" حتى آخرها، لماذا لا نبكي؟ هل يجب علينا أن نزغرد طوال الوقت، لماذا؟ لأن أولادنا شهداء.. ولكنهم أولادنا.. كل يوم، كل ساعة، كل لحظة أنا أنتظر أن يدق أحدهم الباب ويأتيني بالخبر الذي لا أريد سماعه.كل هذا الخوف عليهم، كل هذا الخوف، وفي النهاية يجب أن أزغرد.
أتعرفين لماذا تبكي الأمهات خوفاً على أبنائهن طوال الوقت؟ لأن عليهن أن يزغردن مرة واحدة، واحدة فقط؛ كي لا يخجلن من هذه الزغرودة التي يطالبن العالم بها، تبكي الواحدة منا طوال الوقت؛ لأنها تعرف أن هنالك لحظة آتية، ستكون فيها مضطرة لأن تخون أحزانها، حين يكون عليها أن تزغرد.
ثم هل تعرفين مَن هو الذي يجبرنا على أن نزغرد فعلاً؟ لا ليس أهلنا وأقاربنا وجيراننا، لا ليسوا هم، الذي يجبرنا على أن نزغرد في جنازات شهدائنا هو ذلك الذي قتلهم، نزغرد حتى لا نجعله يحس لحظة أنه هزمنا، وإن عشنا، سأذكرك أننا سنبكي كثيراً بعد أن نتحرر! سنبكي كل أولئك الذين كنا مضطرين أن نزغرد في جنازاتهم، سنبكي كما نشاء، ونفرح كما نشاء، وليس حسب المواعيد التي يحددها هذا الذي يطلق النار عليهم وعلينا الآن. فنحن لسنا أبطالاً، لا، لقد فكرت طويلاً في هذا، وقلت لنفسي: نحن لسنا أبطالاً، ولكننا مضطرون إلى أن نكون كذلك. (أعراس آمنة) "إبراهيم نصر الله".
في مسيرات العودة التي اهتزت لها بقاع العالم سقطت المسعفة رزان النجار (21عاماً) خلال أداء عملها على الحدود الشرقية لمدينة خان يونس، في جمعة "من غزة إلى حيفا" برصاصة واحدة في صدرها، وهي تمارس إنسانيتها في أكثر بقاع الأرض ظلماً وحرباً.
هل تعرفون لماذا نقتل؟
نعم الجنود هناك خلف الحواجز، في الطائرة المروحية في الدبابة، القناصة فوق الأبراج يعرفون السر، ولهذا السبب يصوّبون نيرانهم نحونا، نعم، هذا كل ما في الأمر، لا يصوبون نحونا كي يقتلونا، يصوبون نحونا كي يقتلوا الحرية التي تختبئ فينا، الحرية التي نطاردها طوال عمرنا كي نمسك بها. هل فهمت؟ (أعراس آمنة).
لم نبكِ بعد والله لم نبكِ بعد نمسك قلوبنا بأضلعنا لولا الضلوع لظننت في بعض الأحيان أن قلبي سيسقط منّي، أعلم جيداً كل صباح أن ثوب الرفاق هو ملطخ بالدم، أكاد أشتكي للثوب حتى يوصل الدم إلى قلبي لعل الثوب يسمعني، لعل الثوب يفهمني، لعل الثوب يدثر ما تبقى..
غضبي يرابط في ممر ضيق..
فرحي يرابط في ممر ضيق..
حزني يرابط في ممر ضيق..
يا ضلوعي رابطي على قلبي حتى لا يسقط منا،
سأخبر الله بكل شيء..
سأخبر الله بالليالي الطويلة..
سأخبر الله بأننا فقدنا وافتقدنا أن الألم والعجز يعمل عمل الجرافات في قلوبنا يقتلع منا أغلى ما نملك، يا الله، يا الله.. عند موت النساء أشعر أن الرئة تعجز بشكل صعب عن التنفس، وكأن الألم والعجز يعلنان رفض الشهيق والزفير لمن لم يتحرك لنصرة النساء رغم أنها من النساء لم تتراجع رغم صغر سنها، رغم أنها تسعف المرضى، نحن نعلن أننا مرضى العجز، وروح رزان تسعف الكرامة في العقول والقلوب لعلنا نستفيق.
مسيرات العودة
حنظلة (طفل ناجي العلي)
محمد الدرة
رزان النجار
مسيرات العودة
مفتاح العودة هي رموز لفلسطين تعلن حق العودة كما قال غسان كنفاني: "تسقط الأجساد لا الفكرة".
وقد فتشوا صدره فلم يجدوا إلا قلبه.
وقد فتشوا قلبه فلم يجدوا غير شعبه.
وقد فتشوا صوته فلم يجدوا غير حزنه.
وفتشوا حزنه فلم يجدوا غير سجنه.
وقد فتشوا سجنه فلم يجدوا إلا أنفسهم في القيود. (محمود درويش)
وقد فتشوا قبره فلم يجدوا إلا حياتهم.
وقد فتشوا فلسطين فلم يجدوا إلا مسيرات العودة.
وفي النهاية.. يجب أن أزغرد.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.