أعلنت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية والتي لم تختلف كثيراً عن النتائج الأولية. ومع أداء النواب الجدد القسم يوم السبت ثم أداء أردوغان اليمين رئيساً يوم الإثنين 9 يوليو/تموز، يكون النظام الرئاسي قد بدأ تطبيقه رسمياً في البلاد ما يعني دخول تركيا مرحلة جديدة ومختلفة كلياً.
ورغم البروباغاندا التي صاحبت الاستفتاء على النظام الرئاسي العام الفائت والانتخابات الأخيرة، إلا أن النظام الرئاسي ليس حلاً سحرياً لكافة مشاكل تركيا وأزماتها، وإنما هو أسلوب مختلف للحكم والإدارة وبنية النظام السياسي والعلاقة بين مؤسساته. وبالتالي، ورغم صفات النظام التي تشمل الحكومات المستقرة وتسريع عملية اتخاذ القرار وتنفيذه، إلا أن النظام الرئاسي بحد ذاته لن يغير من الواقع كثيراً إلا بمقدار استثماره بالشكل الأمثل لمواجهة تحديات وأولويات المرحلة القادمة، وأهمها:
أولاً، النظام الرئاسي نفسه، وما تتطلبه المرحلة من إعادة تشكيل البنى والهيئات والمؤسسات لتناسب النظام الجديد، بما في ذلك إعلان أسماء وزراء الحكومة المقبلة ونواب الرئيس، ورؤساء المكاتب والهيئات التي سبق لأردوغان أن أعلن عن نيته إنشاءها، فضلاً عن التعديلات القانونية والدستورية التي ينبغي أن تواكب انتقال النظام من البرلماني إلى الرئاسي تحت عنوان "قوانين المواءمة".
ولا شك أن تطبيق النظام الرئاسي سيكون تجربة جديدة، ستكشف الممارسة العملية لها عن تعديلات واستدراكات مطلوبة بناء على ما يستجد من احتياجات أو ثغرات معينة، لحين استتباب النظام واستقراره.
ثانياً، الاقتصاد، الذي يعتبر البصمة الأهم لتجربة أردوغان والعدالة والتنمية في الحكم رغم ما عانته بعض مؤشراته مؤخراً من تذبذب، وقد قدّرت بعض التحليلات أن ذلك كان من ضمن أسباب تبكير الانتخابات الأخيرة.
تظهر تصريحات القيادات التركية أن ملف الاقتصاد سيكون في مقدمة أولويات المرحلة المقبلة وبشكل سريع، بهدف إجراء إصلاحات وتطويرات جذرية في بنية الاقتصاد التركي. ولعل من أهم الإشارات على ذلك دمج الوزارات المتعلقة به وخفض عددها من ست إلى ثلاث ورفع وتيرة التنسيق بينها، فضلاً عن التوقعات – غير المؤكدة حتى الآن – بعودة صانع النهضة الاقتصادية التركية علي باباجان ليقود دفة الاقتصاد.
ثالثاً، السياسة الخارجية والأمن القومي، حيث خطت تركيا في السنوات الثلاث الأخيرة تحديداً خطوات هامة على هذا الصعيد ووجهت ضربات قاسية للمنظمات الانفصالية والمصنفة على قوائم الإرهاب، في الداخل بالقضاء على الإدارات الذاتية وإنهاء حرب المدن، وفي الخارج من خلال عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون وصولاً لجبال قنديل شمال العراق المعقل الرئيس للعمال الكردستاني.
وتعوّل أنقرة على نتيجة الانتخابات، التي تخدم معنيي الاستقرار والاستمرار إضافة لتحكم أكبر ببوصلة ومسار مؤسسات الدولة وفي مقدمتها وزارة الخارجية، أن تمنح سياستها الخارجية قوة وزخماً يدفعان الأطراف الأخرى لتفهم أكبر لدوافعها ومصالحها وندية أكثر في التعامل والتعاون معها. ولعله بالإمكان تصنيف الإشارات الأميركية الإيجابية قبيل الانتخابات، ومن ضمنها اتفاق منبج وتعيين سفير في أنقرة، ضمن هذا السياق.
رابعاً، الصف الداخلي. فقد أظهرت نتائج استفتاء النظام الرئاسي والانتخابات الأخيرة أن هناك تياراً معترضاً أو متحفظاً داخل العدالة والتنمية إضافة لعزوف بعض الأطياف من خارجه عن التصويت له. وهما رسالتان واضحتا الدلالة ينبغي على أردوغان والحزب وضعهما على رأس أولوياتهما أيضاً.
وقد أشار أردوغان لذلك في خطابه ليلة الفوز بالانتخابات، حين قال بوضوح إن "رسالة الناخبين قد وصلت لحزبنا، وسنعمل بمقتضاها"، ما يعني استمرار وتفعيل عملية التغيير والتجديد داخل الحزب وفي الأطر التنفيذية بشكل يرضي قواعد الحزب وناخبيه وأنصاره.
وبهذا المعنى، ستكون خيارات الرئيس بخصوص وزراء الحكومة ونوابه الذين ستعلن أسماؤهم يوم الإثنين أولى إشارات التفاعل مع رسالة الناخبين، وستكون بالتأكيد تحت المجهر. سيتبع ذلك أسماء المستشارين ورؤساء المكاتب والهيئات المختلفة التابعة للرئاسة.
بيد أن المحطة الأهم ستكون المؤتمر العام الدوري للحزب في 18 أغسطس/آب المقبل وما سينتج عنه من متغيرات في أطره القيادية. وبناء على كل ذلك، ستكون الانتخابات المحلية/البلدية المقبلة والمزمع إجراؤها في مارس/آذار المقبل أولى المناسبات التي ستوضّح ردة فعل الشارع التركي وتقبله لكل تلك الخطوات ولتجاوب أردوغان والحزب لرسائله المتضمنة في نتائج الانتخابات.
تبدو هذه الملفات الأربعة ذات أولوية واضحة في المرحلة المقبلة من زاويتي الأهمية والوقت، بينما لا تفقد ملفات وقضايا أخرى أهميتها على المدى البعيد ومن ضمنها صياغة دستور جديد للبلاد وإعادة الاهتمام بالملف الكردي الداخلي، فضلاً عن استمرار مسارات العمل الأخرى.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.