مَن يحكم مَن: أميركا أم الصهيونية؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/05 الساعة 09:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/05 الساعة 09:51 بتوقيت غرينتش

 

يعتقد الكثيرون أن أميركا هي الباسطة ذراعيها على العالم بقواتها وقواعدها العسكرية وأساطيلها الحربية المنتشرة على طول البحار والمحيطات، أكيد، فهذا هو الواقع والظاهر أيضاً، ويعتقدون أيضاً أن الكيان الصهيوني هو صناعة أميركية لخلق التوتر في الشرق الأوسط وردع كل ما من شأنه تهديد إمبراطورية أميركا حول العالم، فهذا الأمر وارد أيضاً، لكن الحقيقة التي لا يمكن أن يجادل فيها شخصان عارفان بخبايا العلوم السياسية والعلاقات الدولية أن اللوبي الصهيوني الموجود بأميركا هو المتحكم في السياسات الأميركية، وخصوصاً السياسة الخارجية.

قبل الخوض في موضوعنا، لا بد من الإشارة إلى أكثر شخصين خَلقا الجدل في الساحة الأميركية خلال السنوات العشر الأخيرة، وتحديداً من سنة 2007، بكتاب تحت عنوان "اللوبي الصهيوني والسياسة الأميركية الخارجية"؛ وهما جون ميرشايمر أستاذ العلوم السياسية، وستيفن والت أستاذ العلاقات الدولية، هذان الأستاذان اللذان يلخصان العلاقات الأميركية-الصهيونية بقولهما: "ينبغي أن تحظى المصلحة القومية الأميركية بالصدارة المطلقة في أولويات السياسة الخارجية الأميركية، إلا أنه وعلى امتداد الفترة الزمنية الماضية، ولا سيما منذ حرب يونيو/حزيران من عام 1967، ظلت علاقة الولايات المتحدة بـ(الكيان الصهيوني) هي حجر الزاوية في سياسة الولايات المتحدة الشرق أوسطية، وأدت المزاوجة بين سياسة الدعم المتواصل وغير المحدود من أميركا لـ(الكيان الصهيوني)، والسعي لنشر الديمقراطية في أرجاء المنطقة، إلى إلهاب مشاعر السخط بأوساط الرأي العام العربي والإسلامي، وهددت أمن الولايات المتحدة".

اللوبي الصهيوني هذا يشمل الكثير من أصحاب الشركات والمصانع العملاقة في أميركا وذات رؤوس الأموال الضخمة، والذي يزيد على 34 منظمة يهودية سياسية في الولايات المتحدة تقوم بجهود منفردة ومشتركة من أجل مصالحها في الولايات المتحدة ومصالح الكيان الصهيوني، ولعل أشهرها على الساحة هي لجنة الشؤون العامة الأميركية-الصهيونية المعروفة اختصاراً بـ"آيباك"، وهي أقوى جمعيات الضغط على أعضاء الكونغرس الأميركي، هدفها تحقيق الدعم الأميركي للكيان الصهيوني.

بخصوص التمويل الذي تقدمه أميركا للكيان الصهيوني، قُدِّر في الحد الأدنى بما يقارب 90 مليار دولار خلال السنوات الخمسين الماضية، والموجَّه أساساً لتقوية الآلة الحربية الصهيونية التي تبيد الفلسطينيين على مرأى ومسمع من العالم ولا أحد يحرك ساكناً، وبناء المستوطنات وتحصينها بأحدث التكنولوجيات الممكنة والمطورة. ولا يكف هذا اللوبي الخطير، المتمثل في جماعات الضغط، عن توجيه السياسات الأميركية، فداخلياً يمول حملات الترشح للكونغرس للعديد من النواب بملايين الدولارات وفي الوقت نفسه هم الذين ينفّدون أجندة اللوبي من خلال التصويت على قرارات تكون في صالحهم وفي صالح الكيان الصهيوني، ويذكر أن أي دولار ينفقه اللوبي للتأثير على نتائج الاقتراع الأميركية، يحصل بموجبه الكيان الصهيوني في المقابل على 50 دولاراً كمعونة لتمويل بناء المستوطنات وتسليحها، إنها صفقة مربحة جداً جداً.

أما خارجياً، فنعطي مثالاً لسيطرة اللوبي على السياسات في أميركا، بخصوص الحرب على العراق، فقد كانت تحت ذريعة توفر صدام على أسلحة دمار شامل، والتي اكتُشف لاحقاً أنها مجرد أكذوبة حاول من خلالها الصهاينة استئصال قوة إقليمية تهدد بقاءها بأيادٍ أميركية، من خلال تصويت أزيد من 85 في المائة مقابل 15 في المائة فقط لصالح قرار خوض الحرب على العراق، فخرجت أميركا بخسائر فادحة تجاوزت 300 مليار دولار وآلاف القتلى في صفوف جنودها، وربح الكيان زوال عدو قوي، والذي استفاد منه كثيراً، وخصوصاً في تشييدِ أنبوبَي نفطي أسهما في خفض فاتورة الكهرباء بنسبة 25 في المائة، ولا يتوانى المسؤولون الأميركيون الموالون للصهيونية عن زيارة الاحتلال الصهيوني لتقديم الولاء والطاعة والتصفيق لجرائمهم اليومية وتزكيتها، فلم يحدث يوماً أن صوَّتت أميركا في مجلس الأمن الدولي على قرار يدين جرائم الكيان الصهيوني؛ بل العكس تكون بالمرصاد بالفيتو ضد أي قرار تأديبي ضده.

أما بخصوص التمويلات والمعونات التي تحصل عليها الدول الفقيرة، وخصوصاً الدول العربية بالتحديد، فالكيان الصهيوني من خلال ذراعه الأميركية -أي اللوبي- يتدخل في تحديد مقاييس المعونات الأميركية المخصصة لهذه البلدان، وهذه المعونات ليست إلا رِشا لإسكات الأنظمة العميلة وإبعادها عن القضايا الحساسة، وحشدها عند الحاجة، خصوصاً في قضايا مرتبطة بالإرهاب ومحاربة التطرف وتشكيل تحالفات تخدم المصلحة التي يريدها الكيان بالدرجة الأولى.

ومن الدلائل أيضاً التي تزكي نظرية تحكُّم اللوبي في مناحي السياسة الأميركية، نعود لما قبل سنة 2001 بقليل، حيث حصلت "فوكس نيوز" على مستندات سرية من محققين فيدراليين والتي كشف عنها كارل كاميرون، تظهر اعتقال 140 جاسوساً صهيونياً بشأن تحقيق سري تناول التجسس الصهيوني بأميركا، والغريب أن هذا الحادث لم ينشر في أي جريدة أو وسيلة إعلام إلكترونية، ولم يتطرق إليه أي نائب بالكونغرس أو حتى الرئيس الأميركي آنذاك، واضح جداً أن اللوبي يسيطر على الإعلام بجميع أنواعه في أميركا ولديه شبكات متفرعة من المدافعين عن السامية من محامين وأطباء وإعلاميين وأكاديميين ونقابيين وفصائل طلابية بمختلف الجامعات الأميركية، فقد تطرقنا في البداية إلى أستاذين بارزين، تم طردهما من منصبيهما كأستاذين جامعيَّين وتبرأت منهما الجامعة ومن كل أعمالهما، فتأثير اللوبي -يا سادة- لا يترك مجالاً إلا وتغلغل فيه، وكل من يعادي السامية يجب عليه أن يدفع الثمن بأي وسيلة كانت.

"سيستغرب قارئ هذا المقال، ويقول إن الكيان الصهيوني لا يحتاج لتمويلات خارجية وهِبات أميركية لتمويل اقتصاده وبناء المستوطنات وتعزيز قدراته الدفاعية؛ بل هو مكتفٍ ذاتياً في مختلف الجوانب ويُعد من القوى الإقليمية حالياً في الشرق الأوسط".

وأنا أقول: إن هذا الكيان الصهيوني غير قابل للحياة، نعم غير قابل للحياة دون تمويلات خارجية ودعم ضخم، ونعود تحديداً إلى شهر يوليو/تموز من سنة 2004 في افتتاحية بيان موجز لدائرة الأبحاث بالكونغرس الأميركي والمعنون بـ"الكيان الصهيوني: المساعدة الخارجية الأميركية": الاحتلال غير مكتفٍ ذاتياً على الصعيد الاقتصادي، ويعتمد على المساعدة الخارجية والاستدانة للحفاظ على اقتصاده"، كل هذه التمويلات تساعد على تشجيع اليهود على الاستيطان في الأراضي المحتلة، وهذه التمويلات الضخمة المستقطبة من الجماعات اليهودية المنتشرة بالعالم جعلتها تحتل مراكز متقدمة في تصنيف حول المعايير الأعلى للحياة.

ولا شك في أن تحركات الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترمب، المؤيد تماماً لسياسة الكيان الصهيوني، تُظهر مدى تحيُّزه إليه، وإعلانه القدس عاصمةً أبدية للكيان ما هو إلا قرار اتُّخذ بعهد أوباما وفُرض على ترمب في عامه الأول، وكان وراءه ذلك اللوبي الصهيوني المؤثر، ولا يتردد في الدفاع عنه بأي مناسبة أُتيحت له بين رؤساء دول العالم، والجدير بالذكر هنا أن فوز ترمب برئاسة أميركا وما شاب ذلك من خروقات والتدخل الروسي المفترض، وكذا توجيه وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير في نتائج التصويت، وأذكر هنا فضيحة موقع فيسبوك الأخيرة، هناك معلومة مهمة وهي أن 60 في المائة من التمويل الذي يحصل عليه الحزب الديمقراطي و35 في المائة للحزب الجمهوري مصدره اليهود الموالون للكيان الصهيوني، فهذا أمر عادي جداً ومُسلّمة للمتتبعين للشأن الدولي من علماء السياسة والمختصين في العلاقات الدولية.

وأدعم تحليلي هذا بحديث الساعة، أي الانسحاب الأميركي من الاتفاق أو الصفقة النووية مع إيران، هذا الانسحاب لم يأتِ من فراغ، ولعل أهم خطوة سرعت بتنفيذه اللقاء الذي ترأسه بنيامين نتنياهو والذي تطرق فيه إلى وثائق مهمة وصور وأشرطة تُظهر وتُثبت -حسب قوله- استمرار النشاطات النووية الإيرانية والسعي لامتلاك رؤوس نووية، ولمَّح نتنياهو إلى ضرورة معاقبة إيران، وهذا يُظهر جلياً أن هناك توجيهاً صريحاً للإدارة الأميركية من طرف الكيان بضرورة الإقدام على خطوة بشأن الاتفاق النووي وتسريع تنفيذها، وهذا ما وقع فعلياً.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
حميد أوعقي
باحث في علم البيانات والعلاقات الدولية
تحميل المزيد