يحتجز أردوغان قسيساً أميركياً، وترمب لم يهنئه بالفوز.. لكن رغم ذلك لماذا ستظل العلاقات وطيدة بين تركيا وأميركا؟

عدد القراءات
2,157
عربي بوست
تم النشر: 2018/07/04 الساعة 15:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/05 الساعة 09:09 بتوقيت غرينتش

استقبل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التهاني من العديد من البلاد بعد الانتصار الذي حقَّقه في الانتخابات الأخيرة. ولم تكن الولايات المتحدة ضمن هذه البلاد. فقد توتَّرَت العلاقات الأميركية-التركية خلال الأعوام الأخيرة، رغم أنها تنصلح بهدوء بمحاولاتِ ترقيعٍ غير مُحكَمٍ للصدع بين البلدين، الذي سرعان ما ينفتق مرة أخرى، تاركاً كليهما في دورة مستمرة من "عداء الأصدقاء"، وهو مصطلح يُستخدم لوصف العلاقات بين البلدين في القرن الـ21. والحقيقة أن كليهما في حاجة إلى الآخر، لأسباب استراتيجية وجيهة ومن أجل المصالح. وعلى الرغم من هذا، اعترضت العلاقات المتوترة الطريق أمام تسليم الولايات المتحدة مقاتلات إف-35، التي يتجاوز عددها 100 طائرة مقاتلة، اشترتها تركيا (ودفعت ثمنها) من شركة لوكهيد مارتن.

وفي تحرك من جانب الحزبين (الجمهوري والديمقراطي)، يحاول بعض أعضاء الكونغرس الأميركي وقف إتمام عملية تسليم المقاتلات. ولكن، ما هو السبب؟ يعود السبب في الأساس إلى أن تركيا تسجن قساً أميركياً يُدعى أندرو برونسون منذ أكثر من عام، ويزعم البعض في الكونغرس أن تركيا تريد أن تُبقيه رهينة لإتمام صفقة مبادلة مع الولايات المتحدة تقضي بتسليم الداعية الإسلامية التركي فتح الله غولن، الذي يعيش بمنفاه في بنسلفانيا. تريد تركيا ترحيل غولن ليَمْثُل أمام العدالة، بعد اتهامه بالتخطيط لمحاولة الانقلاب في يوليو/تموز 2016 ضد أردوغان. وحتى هذه اللحظة، ترفض الولايات المتحدة ترحيل غولن.

وتوجد أسباب سياسية أخرى وراء مناداة الكونغرس بوقف تسليم مقاتلات "إف-35" لتركيا؛ إذ يُنظر إلى إمكانية وصول روسيا إلى الطائرات التركية "إف-35" أميركية الصنع على أنه تهديد آخر لكشف "أسرار" الأمن القومي التي قد تُكشف لبوتين، الذي تتقارب العلاقات بينه وبين تركيا. خلقت الحرب الأهلية في سوريا شراكات غريبة، فضلاً عن أن تركيا تشتري من روسيا نظام الدفاع الجوي إس-400، الذي يشكل سبباً آخر لقلق الولايات المتحدة.  

وبالعودة إلى ماضٍ أبعد قليلاً، سنجد أن صعود أردوغان وحزبه "العدالة التنمية" ذي الميول الإسلامية بتركيا العلمانية تقليدياً تسبَّب في قلق للغرب. فقد نفَّذ أردوغان مناورات سياسية أمام القوانين والسياسات المحلية لتمكين منصبه وتوسعة سلطاته الرئاسية. وتشبه أفعاله الميول الاستبدادية، التي تشكل بكل وضوحٍ تهديدات للديمقراطية التركية، إضافة إلى أن السياسات الخارجية الإقليمية والعالمية لأردوغان دقَّت ناقوس الخطر لدى الغرب.

غيَّرت آثار الحرب الأهلية الدائرة في سوريا من ترتيبات التحالفات بالمنطقة ومصالح اللاعبين المتنوعين. وتطول بعض هذه الآثار تركيا مباشرة، ومن ضمن ذلك تدفق اللاجئين، وتهريب الأسلحة والأشخاص عبر الحدود، وتصاعد الهجمات الإرهابية التي ينفذها تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني، والمواجهات العسكرية السورية والروسية، التي أدت في نهاية المطاف إلى انفراج بين تركيا، وروسيا وإيران (المؤيدتين للنظام السوري والمتكفلتين به).

وقفت تركيا أيضاً بجانب قطر وأيَّدتها في الخلاف الداخلي بين الدول العربية بالخليج (أي دول مجلس التعاون الخليجي)؛ مما أدى إلى نبذ قطر وفرض حصار عليها من جانب الدول الأخرى. يُضاف إلى هذا ضيق القوى الغربية بتأييد أردوغان لفلسطين -ولغزة على وجه التحديد- وهو ما تسبَّب في تشوُّش العلاقات التركية-الإسرائيلية. والأكثر من هذا أن تركيا اعتقلت عدداً لا يُحصى من النشطاء والصحفيين؛ إذ تشير منظمة العفو الدولية إلى أن مئات الصحفيين لا يزالون بالسجون التركية منذ محاولة الانقلاب في 2016، وكذلك يستمر مزيد من الممارسات القمعية ضد المؤسسات الصحفية.  

ومع كل ما قيل، تقف أسباب قاهرة وراء استمرار الولايات المتحدة في التمسك بالعلاقات التركية-الأميركية، والعكس كذلك من جانب تركيا. لدى الولايات المتحدة مصالح عسكرية، وقواعد حربية، ومبيعات أسلحة مربحة تتضمن تركيا. وتعتبر عضوية تركيا في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضرورية للمصالح والأجندات الغربية المتعلقة بالشرق الأوسط، والقوقاز، ووسط آسيا، وجنوب آسيا؛ بل وحتى أجزاء من الشرق الأقصى؛ إذ يمكن وصف تركيا على الصعيد الجغرافي حرفياً بأنها بوابة الشرق. سوف يعني فقدان تركيا فقدان القدرة على الوصول إلى الشرق الأوسط وما بعده؛ بل وربما سيعني فقدان آليات النفوذ غير المباشر على هذه المناطق. تشكل هذه مصالح وعوامل استراتيجية مهمة لـ"الناتو" والولايات المتحدة.  

هذا علاوة على أن العلاقات التركية-الأميركية تتضمن أنشطة اقتصادية وتجارية. وفقاً لمكتب الممثل التجارى الأميركى، تحتل تركيا المركز الـ32 من بين أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة؛ "إذ يصل إجمالي حجم التبادل التجاري في السلع (منها وإليها) لعام 2016، إلى 17.4 مليار دولار"، في حين يبلغ إجمالي التبادل التجاري بالخدمات بين البلدين إلى 5 مليارات.

أما من ناحية تركيا، فتشكل الولايات المتحدة أهمية من أجل ترحيل غولن، والتأييد المستمر من جانبها لطموحات تركيا الرامية إلى الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، والعلاقات التجارية والاقتصادية، واستمرار السيطرة على الميليشيات الكردية والعراقية بسوريا والعراق. تقدم عضوية تركيا في "الناتو" أيضاً مصالح لا تقدَّر بثمن لها، ولا سيما رفاهية استدعاء المادة الخامسة ضمن ميثاق الدفاع الجماعي لحلف الناتو، والتي تنص على أن أي هجوم يتعرض له أي بلد عضو في "الناتو" يعد هجوماً على الجميع، وتخوِّل سلطةً لأعضاء "الناتو" بالرد الجماعي على الهجوم. تحتاج تركيا إلى هذا "الزر الأحمر" للأمن القومي؛ لأنها تحيا في محيط قاسٍ وتواجه العديد من تهديدات الأمن القومي.  

قد لا تنجح النداءات التي تطالب بوقف تسليم مقاتلات "إف-35" إلى تركيا، وقد تتنازل الولايات المتحدة وتركيا عن الخلافات؛ بل والمنازعات العلنية جداً، إلا أن إحداهما في حاجة إلى الأخرى من الناحية الاستراتيجية. ولا يدرك أي طرف آخرَ هذه المسألة أكثر من البلدين. يصف الصحفي والأكاديمي ستيفن كينزر العلاقات الأميركية-التركية بقوله: "لعقود من الزمن، كان يُنظر إلى تركيا على نطاق واسع على أنها حليفٌ موثوقٌ في الناتو: أحياناً يكون شائكاً، ولكنه بكل أمانٍ يقف في زاوية أميركا نفسها".

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Hill الأميركية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
حياة ألفي
أستاذة مشاركة بكلية الحرب البحرية الأميركية
تحميل المزيد