القوى الضائعة.. لماذا لا يجب أبداً اتهام الشعوب العربية بالتقصير في المطالبة بحقوقها؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/04 الساعة 12:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/04 الساعة 12:48 بتوقيت غرينتش

إذا نظرنا إلى ماكينة من الماكينات، لوجدنا أنها إنما تكون صالحةً وفي حالة جيدة إذا أدَّت الغرضَ منها كاملاً في الزمن المعقول، وبنفقات معقولة.

 فالسيارة مثلاً إنما تكون في حالة جيدة إذا قطعت المسافات المقرَّرة لها بمقدار من البنزين يناسب سرعتها ويناسب حجمها ونحو ذلك، فإذا أنققت بنزيناً كثيراً دلَّ ذلك على فسادها، وأن قوتها لم تؤدِ واجبها، كذلك الشعب تضعُف قوى تحمله وإنتاجه إذا تم إنهاكه في أمواج الأسعار العاتية، بحجة تحسين الوضع؛ فإذا كنتم من دعاة النهضة، وتحسين الاقتصاد، وتريدون التقدم بالبلاد والعباد! والصب في مصلحتهم،  فكيف يكون ذلك بإخفاق قواهم؟! أليس على يديهم تنهض البلاد؟

فأتساءل: إذا كنا نحارب الفساد والرشوة ونريد أن نقضي عليهما، أيكون هذا السبيل للقضاء على هذه الآفات؟ هل أخفقت قوى أصحاب السيادة في إيجاد البدائل؟! بالعكس سنصبح في غابة تكثر فيها الخروقات، حتى يستطيع الإنسان أن يساير الحياة، ويتفادى أمواج الغلاء، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن المواطنين سيتكاسلون في أداء عملهم بقصد، أو من غير قصد، بسبب الجهد الذي يبذلونه في أكثر من عمل، مما يؤدي إلى إخفاقهم في الإنتاج، فيجعل المواطن المال الهدف الأساسي والرئيسي أمامه، ليسعى إلى جلبه بطرق مشروعة أو غير مشروعة، حتى يتسنَّى له العيش بسلام من غير مسألةٍ، أو الوقوع تحت مزلة الدَّيْن، فإذا كنتم تريدون فأرفعوا أيديكم عن جيوب المستضعفين، وفَكِّروا في طرق بديلة، غير النظر إلى ما في أيدي الناس، فهناك العديد من البدائل، فبمثل هذه السياسة سوف نسير في نفق مظلم سؤدي إلى الهلاك المحتوم.

 فإذا ضعُفت قوى الشعب، أو أنتجت إنتاجاً صغيراً ستعمل هذه القوى أعمالاً متعاكسة، يهدم بعضُها بعضاً، أو بعضُها يعوق بعضاً، وهذا إن دل فإنما يدل على تخلف موازين القوة وتأخرها، وانحطاط قراراتها.

 فلو نظرنا نظرةً شاملةً سنجد أننا نسير في طريق مظلم لا تتضح معالمه، فيجب أن تعمل كل القوى متعاونة متناغمة، لتحقيق غايتها في أقرب وقت ممكن، وبأقل جهد، لا يكون منها قوى متألقة أو متعاكسة، أو قرارات مُجحِفة. يجب أن يكون هناك تآلف ومقدار من التعاون أو التجاوب بين الأطراف، فيما يُتَّخذ من قرارات، بحيث لا تتحمل فئةٌ واحدة كلَّ هذه الضغوطات والمشكلات. فلو تم التعامل معها بشكل صحيح، ووُجهت الوجهة الصحيحة لأنتجت إنتاجاً حسناً، مثال:

يروي أحدهم أنه راقب قطع أشجار في شارع من شوارع العاصمة استغرق ثلاثة شهور، وكان يمكن أن يتم هذا العمل في يوم أو يومين، وذلك بسبب عدم الإخلاص في العمل، أو التحامل على العمال بقرارات مجحفة. فيخطئ مَن يظن أن مثل هذه القرارات هي أساس بناء المجتمع ونهضة البلاد، وعودة الاقتصاد، فكيف يكون ذلك وأصحاب البناء يتكبَّدون عناء العديد من المشكلات، من جراء ارتفاع الأسعار.

 ومن القوى الضائعة أيضاً البرلمان، الذي يقوم بدور المراقبة على أعمال الحكومة، والقرارات السياسية، بحيث يكون سنداً للشعب، يتعالى بأصواتهم، ويُحقق رغباتهم، ويَصدُّ عنهم القرارات المجحفة، حتى يتسنَّى للشعب أن يعمل في طريق الإنتاج والعمل، في صفوٍ من غير  تشتيت. فمن المفارقات العجيبة أننا لم نسمع يوماً من الأيام أن هناك برلماناً أسقط حكومةً من الحكومات، سواء كانت مستبدةً أو عادلةً، ولكن دائماً مَن يتقدَّم ويدافع عن حقوقه هو الشعب نفسه.  فالبرلمان الذي هو ممثل للشعب، أصبح  يُساند الجلَّادَ ليضرب بسياطه على أجساد بني عِزّته وكرامته.

ونقل أحمد أمين في "فيض الخاطر ج4″، عن الماوردي في كتاباته "أن الشعب أصناف كالزُّراع والتجار والصناع، لكل صنف منهم تقاليد، يجب مراعاتها، ثم التعامل معهم بإنصاف، ثم عدم تدخل السلطان وحاشيته في مكاسبهم، حتى لو من طريق التجارة؛ لأن هذا وهن في السياسة، وهم إن زاحموا العامة في مكاسبهم أوهنوا الرعية، وعاد وهنها عليهم، وقد قال رسوال الله: إذا اتَّجر الراعي أهملت الرعية".

 فعودوا بالذاكرة إلى الماضي، وتذكروا عندما يُقرِّر الشعبُ صاحب الإرادة أمراً يعملُ على تنفيذه، فهُم أصحابُ القوة الحقيقية الضائعة، التي لا نُحسن استخدامها، فلو أراد الشعب لأراد، فالتحمل أساسه، ولكن لا يجب التحامل عليه، فلا  تتهموه  بالضعف وتزعموا أنه في  هذا الوقت لا يستطيع فعلَ شيءٍ، فلو شَرَدت البعيرُ لن تستطيعوا الإمساك بها، فالقوة لن تُفلح إذاً أبداً.

 فالوضع يحتاج إلى تَوَافق، إلى قلب رحيم، ينظر إلى غيره، لا لنفسه، يخلع نظارته السوداء، يرى الناسَ بوضوح، فهم ينازعون ليكسبوا لقمة عيشهم، وسط زخم الدنيا ومرارتها.

فسياستهم تذكرني برجل آتاه الله سعة في الرزق، وبَسْطَةً في الثقافة، والعلم، لم يذُق يوماً طعمَ الدَّيْن، أو ذُلَّ العيش، تزوَّج فسعِدَ بزواجه كسعادته بماله، رزقه الله ابناً واحداً، وضع فيه كلَّ ماله، ورعايته حتى صار شاباً نافعاً، كأحسن أقرانه من الشباب، فرح به فرحاً شديداً، كان يستنكر على الناس من كثرة شكواهم، ويسخط عليهم، وينفر من سؤالهم وضعفهم في الحياة، حتى جاء اليوم فمرض ابنه الوحيد، وذَبُل جسمُه، وتغيَّر لونُه، فحَزِنَ حزناً شديداً، وجلب الأطباء لينقذوه، ولكن غَلَبَ القدرُ فمات الولدُ فأصبح أكثرَ الناس شكوى، وأكثرَهم ضعفاً، لأنه تجرَّع من كأس قسوة الحياة، وذاق مرارةَ الأيام، بعدما كان ينظر إليهم من نافذته، ويَسخَط عليهم.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أحمد العوابدي
بكالوريوس إعلام جامعة الازهر
تحميل المزيد