أصبحنا مرضى ومكتئبين.. من يدفع لجيلنا فاتورة الطبيب النفسي؟!

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/03 الساعة 09:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/03 الساعة 09:35 بتوقيت غرينتش
Young woman at home looking through the window

خرجت اليوم مع والدتي؛ لشراء بعض الحاجيات، وأثناء  تجوّلنا بالسوق، صادفنا جارتنا التي انتهزت الفرصة؛ لتتحدث مع والدتي عن قرب إنجاب حفيدها الأول من ابنتها الوحيدة.

كانت السيدة مبتهجة، وكانت أمي مبتهجة أيضاً، أما أنا فشعرت بالضيق، وذلك لأنني تذكّرت ظروف زواجها.

فمنذ عام ونصف استيقظت في منتصف الليل على صراخ حاد أليم لشابة، خرجتُ مذعوراً للشرفة، أحاول معرفة من أين يأتي الصوت، ظللت أسمع صراخاً متواصلاً لدقائق حتى خرج كل قاطني الشارع من الشُّرفات والأبواب، وأطلَّ بعضهم برؤوسهم من النوافذ وعلى وجوههم رعب مما يسمعونه.

ظللنا ما يقرب من خمس عشرة دقيقة كاملة نسمع صراخاً متواصلاً، ولأننا في منتصف الليل، كان الصوت يتردد في كل أرجاء المنطقة، فلم نستطِع أن نحدد من أين يأتي الصراخ، حتى خرجت امرأتان من بناية مجاورة، وأشارت إحداهما لسيدة، صاحبة حانوت مقابل لمنزلي، إشارة ذات مغزى فأومأت. وأعتقد أن جميع مَن بالشارع فهموا إشارة المرأة؛ لأن جميعهم دخلوا منازلهم، بقيت أنا وأسرتي بمفردنا؛ لأننا كنا حديثي عهدٍ بالشارع.

في اليوم التالي، تقابلت والدتي مع صاحبة الحانوت لشراء بعض الحاجيات، فعرفَت منها أن الفتاة الصارخة بالأمس هي شابة عُقدت خطوبتها لشاب أحبَّته، لكن في كل مرة يقترب ميعاد زواجهما تحدث حالة وفاة لدى أقارب العريس أو أقارب العروس، فيتم تأجيل الزواج عاماً، وعاماً يليه الآخر، بدأت الفتاة بالشعور بالضيق نتيجة لذلك، فبدأت حالتها بالتدهور، وبدأت تدخل في نوبات من الصراخ أثناء نومها، وكانت تستيقظ غير واعية بصراخها، حذرنا الأقدمون بالشارع من أن نتطرق معها حول هذا الأمر، وحدث بالفعل أن صادفناها -أختي وأنا- بعد تلك الحادثة بأيام وكانت غير مدركة لأي شيء حول هذا الأمر.

علمنا بعد ذلك أن الأمر احتدم بين الأسرة؛ لأن المتوفّى حالياً هو من أقرباء العروس، وطالبت الفتاة وخطيبها بأن يتم الزواج، ولكن الأم رفضت، بحجة "عاوزين الناس يقولوا علينا إيه!".

كما رفضَت الأم والأب أن تزور الابنة طبيباً نفسياً، خشية أن يظنها الناس "مجنونة"، بعد ذلك بعدة أشهر علمنا بخبر زفافها.. ذهبنا إلى الحفل، كانت مبتهجة، لكن هناك في عينيها ما يشير إلى حزن كبير، ربما هي لا تعرف شيئاً عن وجود هذا الحزن، لكن وجهها يعترف به.

أتذكر أن والدي -رحمه الله- قبل ارتيادي للطبيب النفسي كان يحدثني كثيراً عن الغضب الذي يعتري وجهي، بينما أنا أتعجب من ذلك، فلم أكن أشعر بذلك، لكن مع تصرفاتي العنيفة من دون مبرر وعبوسي المستمر -حينها- اعترفنا بذلك الضغط، أعتقد أن كلاً منا -هي وأنا- كنا نمر بنفس الأزمة.

وأعتقد أنها بالرغم من انتهاء نوبات الصراخ بعد زواجها، فإنني أخشى من وجود بعض المشاكل الأخرى جراء ذلك الضغط.

عندما عدتُ إلى المنزل، بدأت في محادثة صديقة لي فتطرقنا إلى أزمة جيلنا مع العلاقات العاطفية، فحدثتني أن أول علاقة عاطفية لها كانت في المرحلة الثانوية؛ لأنها كانت قبل ذلك ترى في الحب إثماً، موضحة أن ذلك نما لديها في اللاوعي، وعندما علم والدها بعلاقتها العاطفية نهاها عن ذلك، مما عزَّز لديها ارتباط الحب الرومانسي بالإثم. أيّدت حديثها، موضحاً أنني حتى منتصف فترة الثانوية كنت أرى في المشاعر الرومانسية إثماً جسيماً.

حينها سألت نفسي: مَن سيعوض جارتي وصديقتي وأنا عن تلك الأعوام التي مرت من أعمارنا ولن تعود ثانية؟! مَن سيعوضنا عن الألم النفسي النابع من كل ما علّمونا إياه؟! من خشيت منهم والدة جارتنا، هل سيعوضون ابنتها عن كل الألم النفسي الذي تعرضت له بسببهم؟! مَن سيقولون "عيب عليها تتجوز بعد وفاة قريبها" هل سيعوضونها عن الألم والصراخ اللذين انغمست فيهما؟ هل سيدفعون لها فاتورة الطبيب النفسي التي تمتد لسنين وبأسعار قد تكون مرتفعة؟!

والأهم من كل هذا: لماذا لا تتركوننا وشأننا؟!

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
طوني المصري
صحفي مصري
تحميل المزيد