يدفعونكِ لتكوني “فيمنيست”، ثم يقولون: هذه أنتِ!

عدد القراءات
705
عربي بوست
تم النشر: 2018/07/01 الساعة 07:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/29 الساعة 18:22 بتوقيت غرينتش
Studio portrait of an attractive young businesswoman posing against a gray background

"لماذا أهل بلدتنا؟

يمزقهم تناقضهم

ففي ساعات يقظتهم

يسبون الضفائر والتنانيرا

وحين الليل يطويهم

يضمون التصاويرا"..

أبيات لـ"نزار قبانى"، ألقاها في قصيدة "يوميات امرأة"، تصف تناقض وازدواجية المجتمع العربي تجاه المرأة، ولكن هل كان يعلم أنها (الأبيات) ستظل حية رغم مرور 50 عاماً على كتابتها. فما زالت النبرة المليئة بالنقد والاستنكار تجاه أي حديث عن حقوق المرأة هي المسيطرة على رجل الشارع رغم الخطاب الرسمي الداعم لحقوق المرأة ومطالبها، والتغير الذي حدث فقط هو ظهور طريقة جديدة في التعامل مع قضايا المرأة بتحويلها إلى إيفيهات كوميدية، ونِكات ساخرة، على الأخص مصطلحات مثل "أسترونج إندبندنت ومان" و"فيمنيست".

ففي يوم المرأة العالمي، امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بكلمات ساخرة مقصودة ضد المرأة، فطالبها البعض بأن تتعلم فتح "برطمان الصلصة" وإصلاح "كاوتش العربية"، وأن تخفي خوفها من الكلاب قبل أن تطالب بحقوقها، أو أن تصبح "إندبندنت ومان"، ولم تظهر أي كلمات تقدير أو عرفان للمرأة، سواء كانت زوجة أو أماً أو ابنة، في مفارقة مثيرة للتعجب.

لكن، هل يعرف البعض أن فكرة "الأسترونج إندبندنت ومان" أو "المرأة الفيمنيست" التي تتمسك بها الكثيرات، ليست رفاهية تختارها المرأة وهي تضع "رِجلاً فوق رجل"؟ بل أحياناً تضطر إليها اضطراراً؛ بسبب المواقف التي تمر بها وهي وحيدة دون وجود سند، أو الظروف التي تُدفع إليها من دون اختيار وعليها الدفاع عن حقوقها، وأحياناً حقوق أسرتها، دون أن يستضعفها أحد!

المواقف التي كنت فيها أو إحدى الصديقات طرفاً واضطررنا إلى لعب دور "الفيمنيست" أو "الأسترونج إندبندنت ومان" غصباً وليس اختياراً لا تًحصى، منها عندما سألت زملاء في العمل شرح أحد المواقف السياسية العالمية من أجل كتابة موضوع صحفي، وتطوَّع أحدهم بالنصيحة الذهبية؛ وهي ضرورة ترك السياسة للرجال والاهتمام بأساسيات البيت، قائلاً بالنص: "ألم تتزوجي؟ خليكي بقى في الطبخ والغسيل والنشير، وفكَّري هتعملي إيه على الغدا النهارده وسيبك من السياسة وأفكارها وخلِّيها لناسها، مش فاهم أنا الستات عايزة إيه وبيتدخلوا في كل حاجة ليه؟!".

هكذا قرر زميلنا فجأةً أن دور المرأة بمجرد الزواج هو الطهي والتنظيف فقط، وعليها أن تمسح الاهتمامات الأخرى كافة من حياتها؛ بل بالأحرى عليها أن تمسح عقلها نفسه من أجل أن تصبح زوجة عاقلة! ثم يعلن اندهاشه بعد ذلك من تبني الكثيرات فكرة "الأسترونج إندبندنت ومان" في محيطه بكثرة.

وموقف آخر حدث عندما كنا في جلسة غذاء مع الأقارب، وقام أحد الحضور من الرجال بإلقاء محاضرة عن أن المرأة الحقيقية "الشاطرة" هي التي تستطيع طهي الأصناف الدسمة والثقيلة كافة وأي صنف يُطلب منها، وهو يشير بطرف خفي إلى عدم رضائه عن الطعام الذي قدمته؛ لأنه سهل الصنع ولم يحتج إلى وقت -بحسب وجهة نظره- رغم استحياء الجميع من كلامه، وضمنهم زوجته، التي حاولت إيقافه، إلا أنه استمر قائلاً: "هيفيد بإيه العلام الكتير ولو متعلمتيش أكل العزومات التقيل.. آه، بتطبخي كويس، بس الست لازم تعرف تطبخ أي صنف يتطلب منها حتى لو غريب، غير كده مالوش لازمة أي حاجة تانية تتعلمها".

ما زلت أتذكر محاولة السيطرة على انفعالات وجهي بكل قوة ممكنة على وجه الأرض، بينما أفكِّر "ها هو شخص آخر" انضم إلى القائمة التي تختصر سبب وجود المرأة في الحياة بـ"طبخ الوجبات الثقيلة" فقط، وغير ذلك لا فائدة لها من وجهة نظره، وأن ذلك يدفع نون النسوة أكثر وأكثر إلى أن تتمسك بمفاهيم قاسية على طبيعتها الرقيقة؛ فقط من أجل حماية نفسها وحقوقها البسيطة. وهو بالفعل ما فعلته صديقتي، حيث اضطرت إلى تبنِّي مفهوم "الفيمنيست" رغم عدم إيمانها به مطلقاً، بعد ترقيتها إلى منصب نائب رئيس قسمٍ، كل أعضائه من الرجال، وهم ضد توليها ذلك المنصب؛ فقط لأنها فتاة وأصغر منهم في السن، وفعلته صديقة أخرى اعتبرت أن ذلك سيكون منقذاً لها في بيئة العمل، بعد أن حاول أحدهم التحرش بها وآخَر الاعتداء عليها لفظياً.

لا يعرف الرجال كل ذلك، فقط هم يعرفون السخرية منها، فيطلبون من المرأة أن تكف عن "البكاء في الحمام" قبل أن تفكر في المطالبة بحقوقها، وأن تقضي على خوفها من الكلاب قبل أن تعلن أنها قوية مستقلة، وأن تفتح "برطمان الصلصة" ثم تقرر مواجهة الحياة وحدها، في استغلال لنقاط ضعفها، وكأنها ليست بشراً ولها مشاعر ينبغي لها أن تعبر عنها! وكأن الرجال لا يبكون أبداً، أو أنهم لا يمرون بأوقات ضعف وحزن وانكسار!

نعم، المرأة تحزن وتبكي ولديها نقاط ضعف، ولا تدَّعي أبداً أنها تستطيع فعل كل شيء، ولكنها مرغمة في كثير من الأحيان على تقمُّص أدوار "المرأة القوية المستقلة"، وتبنِّي مفاهيم "الجندر، والفيمنيست" يوماً بعد يوم؛ لأن المجتمع نفسه يدفعها لذلك عندما يحصرها في أدوار معينة خاصة بالتنظيف والطهي، عندما يعاملها كمواطن من الدرجة الثانية فيحرمها من الميراث أو التعليم أو اختيار شريك حياتها، عندما يمنحها أجوراً أقل من الرجال على الرغم أنهما في المستوى الوظيفي نفسه، وعندما يمنعها من الوصول إلى مناصب معينة بحجة أنها امرأة فقط!

في النهاية.. نعم، بكيت عندما أخبرني ذلك الرجل بأنني يجب أن أطهو "الوجبات الثقيلة" وإلا فإنني لست ذات فائدة، لا أخجل من ذلك، ولكنني أخبرته: "صحيحٌ أنا لا أطهو ما يُشتهى، لكن لأن أبي لم يعلمني أن المرأة دورها في الحياة هو الطهي أو التنظيف أو الحياكة أوالمكواة فقط؛ بل علمني أن أفكر وأختار، وأن يكون لي دور حقيقي مؤثر في الحياة، وعلمني أهم شيء: أن المرأة أبداً ليست أقل من الرجال!".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
إنجي الطوخي
صحفية مصرية
كاتبة صحفية، تعمل حالياً بجريدة الوطن المصرية، وسابقاً في الشروق المصرية، حاصلة على بكالوريوس الإعلام من جامعة القاهرة. درست في الجامعة اللبنانية الأمريكية (دراسات إعلامية)، حصلت على العديد من الدورات التدريبية في رويترز، ومعهد جوته الألماني، والجامعة الأمريكية بالقاهرة. عملت في مؤسسة سمير قصير لحرية الصحافة خلال عام 2015، متخصصة في كتابة القصص الإنسانية، أؤمن بأن لبعض الكلمات تأثيراً يفوق الرصاص.
تحميل المزيد