يعيش العالم الآن بين مطرقة التقنيات الحديثة وسندان تحديات البيئة والمناخ، وهو الأمر الذي دفع المختصين في المجالات الحيوية كالزراعة للبحث عن بدائل موضوعية تستفيد من التطورات الخضراء للثورة التكنولوجية وتأخذ في اعتبارها بعين الجد الإنذارات الحمراء للبيئة والمناخ.
ويبدو أن هناك مؤشرات إيجابية تتجمع في الأفق؛ حيث تمت إعادة اكتشاف أشياء قديمة وبسيطة ذات منافع صحية وبيئية واقتصادية متعددة، مثل العودة إلى مخبوزات الشعير بديلاً عن القمح، وكذلك الاتجاه لزراعة محصول الكينوا لتعويض الفراغ الناتج عن تقليص زراعة الأرز؛ لما يسببه من فرط استهلاك للموارد المائية وتأثيرات سلبية على صحة واقتصاد المستهلكين.. ومن هذا المدخل لنا أن نتعرف بعين واسعة على محصول "الكينوا" من خلال النقاط التالية:-
1- الكينوا نبتة من فئة أشباه الحبوب والبذور الزراعية، تتنوع ألوانها بين الأحمر والأسود والأبيض، ومذاقها بين الحلو والمر وأقرب في طعمها إلى حبوب الجوز، انتشرت زراعتها تاريخياً منذ 3000 عام قبل الميلاد في مناطق مختلفة من أميركا الجنوبية خاصة بيرو وبوليفيا وشيلي، ووصفها الباحثون بأنها "الحبوب الذهبية لجبال الأنديز".
2- أصناف الكينوا تبدأ زراعتها بين درجتي حرارة من -4 مئوية حتى درجة 35 درجة مئوية، وتزرع في الشرق الأوسط بداية من شتاء شهر نوفمبر/تشرين الثاني إلى أن يحصد في ربيع شهر مارس/آذار، فهو يحتاج إلى 125 يوماً لحصاد الأصناف المبكرة ونحو 160 يوماً لنضج الأصناف المتأخرة.. كما تستهلك الكينوا تقريباً 33% فقط من مياه الري المخصصة للقمح في الأراضى المروية.
3- تتفوق الكينوا في قيمتها الغذائية على مثيلاتها من الحبوب الزراعية كالأرز والقمح، فنسبة البروتين التي تحتوي عليها الكينوا تصل إلى 18% مقابل 13% للقمح… وعند مقارنة 100 غرام من الوزن الجاف نجد أن الكينوا تمنح حوالي 399 سعراً حرارياً مقابل 372 سعراً حرارياً للأرز و392 سعراً حرارياً للقمح.
وتتفوق أيضا في نسبة الدهون حيث 6.3 غرام لكل 100 غرام كينوا مقابل 2.2 غرام للأرز و2.3 غرام للقمح، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الحديد فيها إلى 13.2 ملي غرام لكل 100 غرام مقارنة بنحو 0.7 ملي غرام للأرز ونحو 3.8 ملي غرام للقمح في نفس الكمية.
4- تباع الكينوا حالياً على شكل حبوب جاهزة للأكل كبديل للأرز والمكرونة، كما يصنع منها دقيق لصناعة الخبز والمقرمشات والمشروبات المختلفة وأغذية الأطفال.. وتستخدم أيضاً كنوع من المكملات الغذائية الفعالة.
وللكينوا العديد من الاستخدامات الأخرى.. الصناعية منها حيث تدخل في صناعة المساحيق والبلاستيك وكذلك ورق النسخ والحلوى.. بالإضافة للاستخدامات الطبية في علاج النزيف الداخلى وتجبير العظام وتخفيف الأورام والتئام الجروح.
5- شهد عام 2005 دخول زراعة الكينوا في مصر كبديل اقتصادي يقلص من استخدامات الأرز والقمح، ويخفف جزء ما أعباء الفواتير الاستيرادية للمحصولين.. وربما مشهد المساحات المزروعة بالكينوا في 20 محافظة مصرية في موسم 2017/2018 والذي وصل إلى ما يفوق 80 ألف فدان، هو خير دليل على نمو زراعة الكينوا في مصر ودخولها كعنصر مشارك بنسبة من 20% إلى 60% من المخبوزات بديلاً عن القمح.
ويبدو أن الكينوا في الطريق لتصبح منافساً أساسياً لمحصول الأرز الذي تراجعت نسب زراعته في مصر من ما يفوق 5 ملايين فدان في 2016 إلى أقل من 725 ألف فدان فقط في 2018 نتيجة التحديات السلبية التي تعاني منها الموارد المائية في مصر.
أخيراً.. تتعدد الأسباب الكاشفة عن عدم انتشار الكينوا بشكل واسع رغم كل مزاياها السالف ذكرها.. بداية من اعتياد المزارعين والمستهلكين لفترة طويلة على كل من الأرز والقمح في تجارتهم الزراعية وعاداتهم الغذائية، مروراً بترتيب مصر كثاني أكبر مستورد للقمح في العالم بنحو 12 مليون طن سنوياً، وما يتبع هذا من تحكم وتمسك جماعات المستوردين باستمرار تفوق وتدفق سلعتهم إلى الأسواق، وصولاً إلى فتح مصر لأبواب استيراد الأرز على مصراعيها في السنوات القادمة؛ ليظل مشهد الكينوا محلياً رهن الأسباب التجارية بنسبة كبيرة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.