لماذا صوّت الشعب التركي لأردوغان ولم يُصوّت للعدالة والتنمية بنفس الحماسة والقوة؟

عدد القراءات
3,464
عربي بوست
تم النشر: 2018/06/26 الساعة 13:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/28 الساعة 14:24 بتوقيت غرينتش

تابع العالم بأسره مؤخراً الانتخابات التركية التي غطَّت على بريق حدث عالمي مثل كأس العالم، وفيما كان الفوز من نصيب الشعب التركي الذي أعلن عن حالة غير مسبوقة من المشاركة في الممارسة الديمقراطية بنسبة 9%؛ فقد فاز الرئيس رجب طيب أردوغان بالرئاسة، فيما فاز تحالف الشعب بالأغلبية البرلمانية، ولكن متابعة نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت في نفس الوقت لأول مرة أظهرت فروقاً بين الأصوات التي حصل عليها الحزب، والأصوات التي حصل عليها مرشح الحزب للبرلمان، وينطبق هذا الأمر بشكل أوضح على محرم إينجه، مرشح حزب الشعب الجمهوري؛ حيث حصل محرم إينجه على 30% بينما حصل  حزبه على 22% .

أما الرئيس أردوغان فقد حصل على 52.5% فيما حصل حزب العدالة والتنمية على 42.5%، أي أن الفارق بين الرئيس أردوغان وحزبه قرابة 10% لصالح أردوغان، ولهذا الأمر عدة أسباب؛ أولها أنه ليس كل من انتخب الرئيس أردوغان ممن انتخب حزب العدالة في المرات السابقة انتخب حزب العدالة والتنمية هذه المرة، وربما يعود ذلك لأسباب اقتصادية.

 والأمر الثاني أن جزءاً من أنصار الحزب الحليف صوَّتوا لأردوغان، وقد حصل حزب الحركة القومية على 11% يعتقد أن 5% منهم جاءت من أشخاص صوَّتوا لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات الماضية، وكون الرئيس أردوغان شخصية تلقى قبولاً من أوساط عدة في تركيا فإنه أخذ أصواتاً أيضاً من المنطقة الكردية، وكونه مرشحاً مشتركاً للحزبين للرئاسة، فإن حصوله على 52% أمر منطقي.

ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه هو: كيف تقدم محرم إينجه على حزبه بنسبة 8% وهو مرشح الحزب فحسب وليس مرشحاً للتحالف؟

لا بدَّ أن نشير في البداية إلى عملية التفكير في مرشحي حزب الشعب الجمهوري للرئاسة؛ حيث كان الحزب يفكر في ترشيح مرشح مشترك للمعارضة كلها، خاصة بعد أن اقتربت نتيجة كتلة الرفض في استفتاء أبريل/نيسان 2017 إلى أقل من 50%، وقد برزت أسماء مثل ميرال أكشينار ثم عبدالله غول، ولكن التفاهمات مع بقية الأحزاب والمشاورات داخل الحزب أعاقت هذا التوجه، وأفرزت التفكير في مرشح من داخل الحزب، كان محرم إينجه، الذي كان منذ فترة بسيطة منافساً شرساً لكليجدار أوغلو على رئاسة الحزب، لكنه لم يستطِع الفوز برئاسة الحزب، وهذا أفرز تساؤلاً: كيف لشخص لم يفُز بانتخابات حزبه أن يفوز بانتخابات الرئاسة؟ ومع هذا تفوق محرم إينجه على أصوات حزبه، لكنَّ تفسير هذا يأتي أولاً بالاطلاع على شروط إجراء انتخابات رئيس الحزب؛ حيث إن محرم إينجه يحظى بقبول أكثر من كليجدار أوغلو داخل صفوف وأنصار الحزب، ولكن داخل أعضاء الجمعية العمومية للحزب التي يصل عددها لنحو 1000 شخص والتي تقرر مَن هو رئيس الحزب، فإن كليجدار أوغلو هو الأكثر سيطرةً وإقناعاً، وبهذا يتضح لنا الأمر الأول قبل إجراء الانتخابات.

أما الأمر الثاني فهو أن الحالة التي تكونت بعد إعلان التوجه للاستفتاء للنظام الرئاسي أفرزت خطاً فاصلاً بين المحافظين وغير المحافظين، وهنا ظهر الانقسام في الحركة القومية، والذي أفرز الحزب الجيد، وهو انقسام كان موجوداً، لكن لم يكن بارزاً بهذا الشكل، وأصبح هناك جزء من الحركة القومية أكثر ميلاً للرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وجزء أكثر ميلاً لحزب الشعب الجمهوري، وقد ترأست ميرال أكشينار الجزء الثاني، بل ورأت في نفسها زعيمة للحالة ككل، معتبرة أن كمال كليجدار أوغلو أضعف من أن يقود هذه الحالة، ولم تكن تعلم أنها سوف تتنافس مع محرم إينجه الذي كان آخر المرشحين الذين دخلوا السباق بعد أن تأخّر حزب الشعب في المشاورات حول مرشحه.

ومن خلال النظر إلى أداء كل من محرم إينجه وميرال أكشينار في الحملة الانتخابية، فقد بدت أكشينار ضعيفة وغير مقنعة مقارنة بمحرم إينجه الذي تحدث في أكثر من 100 حشد جماهيري في 81 مدينة تركية، وكان محافظاً على أداء قوي، وقد حصلت أكشينار على 7% بينما حصل حزبها على 10%، ويمكن أن يتضح لنا أن 3% من أصوات الحزب ذهبت إلى محرم إينجه، وبهذا نكون قد عرفنا أحد أسباب الفرق بين أصوات محرم إينجه وأصوات حزب الشعب الجمهوري.

أما السبب الثاني فهو يتعلق بحزب الشعوب الديمقراطي ذي الأغلبية الكردية، الذي كان حزب الشعب الجمهوري يتمنى أن يدخل في تحالف معه، ولكن ذلك لم يحدث بسبب اعتراض الأحزاب الأخرى في التحالف، ولكن حزب الشعب كان معنياً بدخول حزب الشعوب للبرلمان، وتخطيه عتبة 10%؛ حيث كانت التوقعات بأن يحصل حزب الشعوب على 6% أو 7%، لكنه حصل على 11.7% فيما حصل مرشحه للرئاسة صلاح الدين دميرطاش على 8%، وهنا نجد أن هناك فرقاً بين المرشح والحزب حوالي 3% أيضاً، وهذا يعود لأن حزب الشعب الجمهوري طلب من بعض مؤيديه أن يعطوا حزب الشعوب حتى يتمكن من دخول البرلمان؛ لأن دخول حزب الشعوب للبرلمان يكون على حساب حزب العدالة والتنمية وبهذا فقد حزب الشعب قرابة 3% أخرى من أصواته لحزب الشعوب،  وقد ظهر هذا بشكل واضح في مناطق شيشلي وبشكتاش وبكر كوي في إسطنبول والمعروفة بأغلبية أنصار حزب الشعب الجمهوري، وهذا يفسر السبب الثاني للفرق بين محرم إينجه وحزب الشعب الجمهوري.

أما السبب الثالث الذي يمكن أن نشير له فهو حالة السيولة في عملية التصويت داخل تركيا؛ حيث هناك كتلة من المترددين وكتلة من الذين يغيرون اصطفافاتهم في كل عملية انتخابية، فعلى سبيل المثال يشير المراقبون لإبى أن قرابة 5% من الأصوات التي حصل عليها الحركة القومية جاءت من أفراد صوَّتوا سابقاً لحزب العدالة، وكذلك 5% أخذها الحزب الجيد من أشخاص صوَّتوا سابقاً للحركة القومية، كما أن 3% من أصوات حزب الشعوب جاءت من حزب الشعب.

ستعزز هذه النتائج مكانة الأشخاص الذين حصلوا على أصوات أعلى من أحزابهم، وعلى رأسهم الرئيس أردوغان الذي حقق فوزاً ملموساً بالرئاسة التنفيذية، أما محرم إينجه وبالرغم من خسارته السباق الانتخابي وحرمانه من دخول البرلمان؛ لأن القانون يمنع مرشحي الرئاسة من الترشح للبرلمان، فإنه حصل على مكانة كبيرة داخل حزبه، ومن المتوقع أن يخلق مشاكل لرئيس حزب الشعب كمال كليجدار أوغلو، وستُظهر الأيام القادمة مَن الأقوى فيهما على إدارة التوازنات والقُوى داخل الحزب.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمود الرنتيسي
باحث فلسطيني مختص بالشأن التركي
محمود سمير الرنتيسي باحث فلسطيني يعمل في مركز سيتا للدراسات، مساعد رئيس تحرير مجلة «رؤية تركية» الصادرة عن المركز، وحاصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية، صدر له كتاب «السياسة الخارجية القطرية تجاه بلدان الربيع العربي والقضية الفلسطينية»، وله عدة دراسات منشورة في مركز الجزيرة للدراسات ومجلة السياسة الدولية ومجلة رؤية تركية.
تحميل المزيد