كانت الجماهير تصفق بحرارة لمرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض وهو يتوعد في حملته الانتخابية بإعادة 3 ملايين ونصف سوري و600 ألف عراقي إلى بلدانهم، وإغلاق المعابر التركية.
يقيم السوريون ذوو الخبرات المحدودة بتركيا تحت برنامج الحماية المؤقتة، أما أولئك المؤهَّلون فلدى معظمهم إقامات عمل تمنحهم كثيراً من الامتيازات، وقد حصل ما ينيف على 200 ألف سوري على الجنسية التركية، وأصبحوا مواطنين أتراكاً بصلاحيات كاملة.
لا يمثل حزب العدالة والتنمية التيار الإسلامي، وإن كانت بعض الأنظمة الخارجية تصر على أسلمته، غاضين النظر تماماً عن حزب السعادة الإسلامي و المتحالف مع حزب "الشعب الجمهوري" وحزب "الخير" القومي الليبرالي المعارض.
حزب العدالة حزب محافظ، وكلمة "محافظ" لها بُعد "اجتماعي"، ولا تأتي في أي سياق ديني، أما ظاهرة التدين في بعض أفراده فهو شأن شخصي، وقرار فردي، فأردوغان يقرأ القرآن ويمارسه في حياته الخاصة، لكنه يحكم ويحتكم إلى دستور الدولة العلماني.
في مقابلة سابقة لأردوغان، قال إن العلمانية سمة خاصة بالدولة، أما الفرد فلا يمكن إسقاط العلمانية أو تطبيقها عليه، فهو إما متدين أو محافظ أو منفتح. أما مسألة قبول الآخر، فهي ضرورة حتمية يكتسبها كل الأفراد كقيمة ثقافية واجتماعية وسياسية.
في المجتمع التركي ترى كل المكونات الاجتماعية؛ ترى المتدين والمحافظ والمنفتح والليبرالي والراديكالي، ترى تقريباً كل مكونات الطيف السياسي وكل الأنساق الاجتماعية في كل شارع ومؤسسة وجامعة، ترى الجوامع والكنائس، المحجبة وغير المحجبة، لا أحد يصطدم بالآخر، ولا أحد يعيب على الآخر، أما الدولة فلم تلزم أحداً بتحديد خياراته.
كمواطن يمني، لا أحب أن أتدخل بشكل فضولي في كل ما يحصل بتركيا، لا برأي ولا مشورة، أتذكر أيضاً أنني نهيت اثنين من أصدقائي الأجانب في اليمن، عن الحضور أو "الوجود" في ساحة التغيير، مهما كانت الأسباب، تلك مسألة حساسة، ولا تبدو مناسبة ألبتة، لكنني لا أخفي أن ما يحصل في تركيا وبغير تركيا يشغل بالي، وأتابعه بقلق شديد؛ لإيماني بأن كل دولة أصبحت تتأثر بشكل مباشر بأي حدث إقليمي أو دولي. في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، أتذكر أنني لم أنم حتى الصباح، كان خبر فوز ترمب، الذي أصدر مؤخراً قراراً بحظر اليمنيين من السفر، يقلقني، كل الأحداث في كل العالم تتفاعل فيما بينها، وتحسب كل دولة حساباتها في التأثير والتأثر .
في الحالة التركية، يشغل العربَ فكرةُ إعادة ملايين السوريين قسراً إلى بلدانهم، في الأوضاع التي تعيشها سوريا حالياً؛ لهذا يتابعون كل ما يجري بقلق، وأيديهم على أفئدتهم.
بعيداً عن سرديات الفوز والخسارة، ما يثير الإعجاب على نحو هائل، السلاسةُ في إجراء الانتخابات، واختيار حاكم للبلد، حدث ضخم وفي وقت حساس للغاية، يحضر فيه الناخب بكل هدوء، يصطحب أطفاله معه، وكأنما هو ذاهب لعمل اللقاحات والتطعيمات اللازمة لهم، ليقرر مصير الأمة التركية.
أتذكر أنني وغيري في اليمن كان إذا انتصف النهار في يوم الانتخابات سألنا عن أعداد القتلى والمصابين في الدوائر الانتخابية!
وفي حين يبدو ذلك الحدث الضخم على جلالته أيسر شيء يقوم به الناخب التركي، فإنه أصعب شيء في أوطاننا العربية؛ صعب بحجم دمار سوريا، كارثي بحجم ضياع اليمن.
وهنا تتجلى حالة الضياع بشكل واضح.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.