متى يتحرر الفن من القيود الدينية والسياسية؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/25 الساعة 11:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/25 الساعة 11:08 بتوقيت غرينتش
Ballerina performing on dark stage

لطالما ردد الكثير من الناس: الفن هو الحرية والانطلاق، ولكن عندما نأتي إلى الواقع ننصدم، ونرى أن الفن تعرض للاضطهاد الكبير، ولا سيما تدخل الدين والسلطات السياسية؛ فعندما نرى كيف تحول الفن في أوروبا من فن مقيد إلى فن حُر معاصر لا يلتزم بالتعاليم، بدءاً من السلطات الكنسية والبابوات التي فرضت على الفنان اتباع قيود الدين في أوائل عصر النهضة في أوروبا؛ حيث كان الفنان مجرد شخص حرفي يدفع له المال مقابل الجهد الذي يبذله، والذي يطلب منه تنفيذه حسب التعليمات والقواعد، وعليه عدم اختراق القوانين الكنسية، فكانت السلطة تتدخل حتى في الألوان واستخدامها في اللوحات، أي أن الفنان لم يرسم من ذاته أو أفكاره التي تجول في باله، إنما حسب ما يطلب منهُ.

ولكن انعطف الفن واتجه إلى ضفة أخرى بعد مجيء الثورة الفرنسية؛ تخلص الفنانون من القيود الكنسية، فأطلق الفنان العنان لنفسه، وبدأ بالتعبير عن أفكاره وليس مجرد حِرفي يعمل ما يطلب منه، إنما يرسم ما يحلو له.

ولكن جاء تغيير آخر وانتكاسة للحرية مرة أخرى، ولا سيما بحلول 1922 بمجيء "ستالين" وثورة الاشتراكية، فتغير أسلوب الفن، وأصبح الفنان لا يستطيع التعبير، فهو محكوم بقواعد "ستالين"؛ لأنه كان يرى الفن هو الخطورة والتهديد للسلطة، فتم تقييد فن الرسم؛ أي لا يتم رسم ما يحلو للفنان، وإنما فقط رسم معبّر عن طبقة العمال، وتمجيد ستالين، وتم تحديد الألوان التي يستخدمها الفنان؛ أي لا ترسم لوحة إذا لم يوجد فيها اللون الأحمر، تعبيراً عن الحركة الشيوعية والفكر الاشتراكي.

وكذلك تم خنق باقي الفنون من المسرح والموسيقى، فلا يوجد أي عمل حر يعبر عما يريده الفنان أو وجهة نظره وأفكاره، فقط الدعاية للحزب والفكر الاشتراكي، وإذا  جاء عكس ذلك تتم محاسبة الفنان وقتله، أو حبسه؛ لذلك اضطر كثير من الفنانين للهجرة مثل "سترافينسكي".

  فالتقييد في الفن موجود في جميع العالم وليس حصراً على أوروبا، فتم إلغاء فن وعروض الباليه في إيران عام 1979م، بسبب تحول الحكم إلى ديني؛ فالدين هنا قيَّد ووضع شروطاً تعجيزية للفن، وكذلك بالنسبة للبلدان العربية، مثل العراق عندما نشاهد قبل مجيء حزب البعث وسلطته على الحكومة، كان الفن في التسعينات جميلاً وحراً، والكثير من العروض في بغداد مثل الباليه والغناء والمسرح، ولكن بعد مجيء "صدام حسين" تم تحويل الفن إلى بوق يعكس آراء الحزب ومعتقداته، مثل ما فعل ستالين في فترة حكمه، بتحديد الفن.

ولكن بعد رحيل صدام، تم انفتاح العراق على العالم الخارجي، ودخول الإنترنت الذي سمح بتطوّر النظرة الفنية والحرية للعراقيين، ولكن الأسوأ هو وجود الخطوط الحمراء من مجاميع سياسية وحزبية ودينية وليس جهة واحدة، فإذا تم المساس بجهة معينة عن طريق الفن تتم محاسبة الفنان عليه، إما تهديده أو قتله أو ترحيله عن البلد، فعليه أن يبتعد عن الانتقاد او تقديم رأيه تجاه هذه الجهات، ولكن يسمح له بالتعبير عن الحب والحزن وغيرهما من الأشياء البعيدة عن السلطة والدين.

أما في السعودية فالمرأة بعيدة عن المسرح، ولا يحق لها الظهور إلا بالحجاب، فهي الضحية الأكبر بسبب الدين أيضاً وسلطة الولاية التي تجبر المرأة عن التنازل عن حقها بالحياة والفن، ولكن السؤال الأهم: متى يتحرر الفن من القيود؟

الفن وُلد من رحم الحرية، وعليه أن يكون حراً دائماً.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
فاطمة قباني
رسامة ومصورة عراقية
تحميل المزيد