خُلقنا لنختلف، ولم نخلق لنتشابه، ومن أسرار جمال هذا الكون أننا مختلفون، عبارة تلخّص حياتنا وإن تعمقنا بها سنفهم عدة أمور تجعلنا نعيش هذه الحياة بكل بساطة وبدون مشاكل.
نحن مختلفون، وهذا أمر جميل جداً، ويزداد جمالاً عندما يدرك كل شخص منا ذلك؛ لأن إدراك هذا الاختلاف داخلياً سيجعله يستنتج أمرين آخرَين مهمَّين هما:
– الأمر الأول: أنه لا يشبه أحداً ولا أحد يشبهه، ولا وجود لتشابه بين البشر حتى وإن كان لهم نفس الوجه أو الشكل أو المظهر الخارجي.
– الأمر الثاني: أنه مختلف عن غيره، أي أنه سيجد في حياته اليومية أشخاصاً لا يفكرون مثله أو لا يؤمنون بمعتقداته أو نظرياته.
بمجرد أن يستنتج عقل الإنسان هذين الاستنتاجين أو يرسخهما في ذهنه كنظريتين مهمتين أو يؤمن بهما داخلياً أنهما تعبران عن الواقع، سيصبح شخصاً واعياً فكرياً وناضجاً داخلياً.
طبعاً لا يستطيع الجميع أن يستنتج هاتين النظريتين مع أنهما من البديهيات، وسبب ذلك نوع التفكير البشري المختلف، فنحن مختلفون أيضاً في نسبة الذكاء والإدراك والثقافة والشخصية وغير ذلك من الأمور التي تجعلنا ندرك أو نفهم أو نؤمن بأمر ما؛ لذا قد نجد أمراً بديهياً لدينا يكون معقَّداً أو غير مفهوم أو وهمْاً عند غيرنا، ومن الخطأ أن ننتظر من شخص نحادثه فهماً لما نريده من الوهلة الأولى؛ لأن عدم فهمه يكون بسبب الاختلاف بيننا، وإن حدث وفهم ذلك بسبب تفكيره الذي أوصله لذلك ليس معناه أنه يشبهنا، فقط عقله أفهمه ذلك، لكن داخله يبقى مختلفاً عن غيره.
إذا فهم الإنسان أنه مختلف ولا يشبه غيره ولا أحد يشبهه سيعيش بكل بساطة في هذه الحياة، وستكون لديه شخصيته الخاصة التي تمثله، وسيكون شخصاً قوياً مقتنعاً بما يملكه، وسيركز أكثر على إثبات تميزه بدل الركض هنا وهناك، قصد محاولة التشبه بغيره؛ لأنه في حقيقة الأمر إن كان الإنسان داخلياً لا يؤمن بأنه مختلف عن غيره سيظن دائماً أن غيره مثله، وهذه النظرية ستجعله يقلد غيره في كل شيء بدون أن يفكر فيما يناسبه، وستجعله أيضاً يتقمص حياة غيره أو يظن في الناس ما يفكر به هو فقط، فتحدث له بعد ذلك عدة مشاكل، منها أن يجد نفسه قد اختار اختيارات لا تناسبه، وأيضاً ستكون شخصيته ضعيفة وغير مرتبطة بفكره، كما أن فكرة أننا متشابهون توقع الإنسان في مشكلة عدم التواصل الصحيح مع غيره من البشر، فإن كان يظن أن تفكير غيره مثله، أو أن الناس تفكر أو تفعل مثلما هو يفكر أو يفعل، سيجد صعوبة في فهم الناس، أو يجد انزعاجهم من أمور يفعلها هي لا ترضيهم، أما هو سيتعب نفسياً ويجد عدة تناقضات ونفور البعض منه، وكل هذا بسبب أنه لا يؤمن بمبدأ أن البشر مختلفون، لكنه لو يؤمن بوجود الاختلاف الفكري خاصة، والثقافي، ولو يدرك أن آراء الناس ونظرتهم للحياة مختلفة عن رأيه ونظراته للحياة، سيكون شخصاً ناجحاً في حياته، وسنجده شخصاً اجتماعياً لبقاً في محادثاته، والجميع يتحاورون معه حتى وإن كانوا يخالفونه الرأي؛ لأنه يؤمن بوجود الاختلاف وبوجود أناس لا يفكرون مثله، فيتقبل أفكارهم أو يناقشهم بأدب.
طبعاً آداب الحوار وتبادل الأفكار نحن نقرأ عنها أو ندرسها في المدارس، ولو نتمعن فيها سنجدها مثل الاستراتيجية التي تنظم التواصل بين الأشخاص؛ لكي لا يقع سوء تفاهم أو شجار بين الأطراف التي لا تحمل نفس الأفكار، فنجد الكتاب أو المدرسين ينصحوننا أن نتكلم بهدوء، وأن نتقبل رأي الآخرين، وأن نحاول تبسيط المفاهيم ليفهم غيرنا؛ لأنه ربما نستعمل كلمات تجعل الكلام بعيداً عن المضمون، وغير ذلك من التوصيات التي تتضمنها آداب الحوار، والتي تبين لنا أننا لو كنا نؤمن بمبدأ الاختلاف، لكنا استنتجناها بمفردنا، وسنجد أنفسنا من ذاتنا نحاول تبسيط المفاهيم؛ لأننا نعلم أن غيرنا مختلف عنا في طريقة فهمه أو تفكيره، وأيضاً سنكون هادئين في حديثنا عندما نجد غيرنا لا يوافقنا الرأي، فنحن نعلم أن اختلافه عنا في عدة أمور جعله لا يشاطرنا نفس الرأي، وسنتَّصف بعدها فطرياً بعدة صفات مؤدبة، ونصل للنضوج الفكري إن كنا نؤمن داخلياً أننا مختلفون عن غيرنا، ولا يوجد مَن يشبه أحداً في هذا الكون.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.