غالباً ما تأتي التنازلات في مضمار حقوق المرأة بالسعودية في أوقات الاضطرابات أو المراحل الانتقالية.
- في صحوة هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2017، حين كان التحقيق يجري في صِلات السعودية بالمسلحين الإسلاميين، قرَّرَت المملكة السماح بتعيين النساء في مناصب استشارية بمجلس الشورى الملكي. وبدأت الحكومة في تقديم مِنحٍ للنساء من أجل الدراسة بالخارج، يرافقهن الولي الذكر، وسمحت بانتخابهن في غرف التجارة المحلية.
وفي أعقاب انتفاضات الربيع العربي، حين دارت أحاديث هامسة حول إمكانية وصول المد الثوري إلى السعودية، منح العاهل السعودي، الملك عبد الله آنذاك، عدداً من النساء عضويةً كاملة بمجلس الشورى، وأصدر مرسوماً بالسماح بتعيين النساء في المحال التجارية، وسمح لهن بالمشاركة في انتخابات المجالس البلدية، ودورات الألعاب الأولمبية.
لكن في عهد ولي العهد محمد بن سلمان، الذي ما يزال يرسِّخ سلطته، صعد هذا التكتيك إلى آفاق جديدة. أذهل النظام السعودي العالم في سبتمبر/أيلول 2017، حين أعلن رفع الحظر عن قيادة النساء للسيارة هذا الصيف، وسيُسمَح للنساء بالجلوس خلف المقود بدءاً من يوم الأحد 24 يونيو/حزيران 2018. لكن الأشهر السابقة على إعلان رفع الحظر والتي تلته شهدت تياراً منتظماً من الإصلاحات الإضافية صغيرة النطاق وإنجازات كبرى: تعيين أول رئيسة للبورصة السعودية "تداول"، وتعيين امرأة في رئاسة أكبر بنوك السعودية. والآن يمكن للنساء حضور الفعاليات الرياضية والترفيهية، والحصول على وظائف أكثر تنوُّعاً.
بعبارة أخرى، سعى الأمير محمد بن سلمان إلى تنفيذ مجموعة إصلاحات تستهدف جعل السعوديات عاملاتٍ جيدات ومستهلِكات للمواد الترفيهية، في حين تترك البنى الجوهرية للسلطة التي تبقيهنَّ مواطنين من الدرجة الثانية دون أن تُمَس. وبذلك عزَّز من تكوين طبقتين من النساء في المجتمع السعودي: طبقة يسمح لها أولياؤها الداعمون من الرجال بالانتفاع من هذه الإصلاحات، وطبقة أخرى تتشكَّل حيوات نسائها وتتقرَّر على يد عائلاتهن المحافظة.
النساء في مركز حملة الأمير محمد بن سلمان الترويجية، وأيضاً رؤيته الكبرى لتنويع الاقتصاد وتجريف دولة الرفاه السعودية الضخمة. ومنافع توظيف المزيد من النساء في اقتصاد يسعى إلى الابتعاد عن الاعتماد الزائد على النفط واضحة، فالقطاع الخاص متأخر، يتمحور حول المعمار وتجارة التجزئة، ويعتمد اعتماداً كبيراً على التمويل الحكومي. وفي الوقت نفسه، تقترب مشاركة النساء في القوة العاملة من 21%، مع أن نسبة النساء السعوديات المُتعلِّمات من بين أعلى النسب في المنطقة.
وتأتي التنازلات الصغيرة الواضحة فيما يخص حقوق المرأة بمنافع سياسية أيضاً، فهي تُظهِر أن السعودية تتشارك القيم نفسها مع المستثمرين الأجانب المأمولين، وترسل رسالةً مفادها أن هذا نظام يستحق الانحياز إلى جانبه في مواجهة الإسلاميين، ومن ضمنهم الإيرانيون.
لكن، لم يتغيَّر الكثير فيما يتعلق بالقيود القانونية والاجتماعية المفروضة على النساء في المجتمع السعودي. وعلى الأرجح، لن يتغيَّر الكثير في عهد الأمير.
في السعودية، يُشكِّل وضع النساء في الدرجة الثانية أساسَ شرعيةِ الملكية بصفتها حارسة القيم الدينية والقبلية. ونموذج المواطَنة السعودي، الذي يسيطر فيه الرجال على تحرُّكات النساء وخياراتهن عن طريق نظام ولاية الذكر، هو نظامٌ يُشكِّل فيه الرجال الفئة السياسية الرئيسة، وفيه النساء مواطنات بالوكالة فقط.
لطالما كانت هناك استثناءاتٌ بالطبع. انتفعت نساءٌ قليلات، من عائلات سياسية وتجارية قوية، من التغيُّرات التي شهدتها السعودية على مَرِّ الأعوام. كُنَّ أوائل المشاركات في غرف التجارة بالرياض والدمام وجدة، وحسَّنوا صورة المملكة عن طريق تمثيلها في الوفود والمؤتمرات الخارجية. سيستمتعن -على الأرجح- بمباراة كرة قدم أو مباراتين، وسيقُدن السيارات على الأرجح هذا الصيف، لكن إن تعرَّضن للاحتجاز بسبب مخالفات مرورية، فلا يمكن إطلاق سراحهن إلا في عهدة الولي الذكر.
لكنَّ أغلب السعوديات لسن مثلهن. أغلب السعوديات من عائلات محافظة، مثل آمنة الجويد.
قبل عامين، وكما ذكرت آمنة في مقطع فيديو نشرته على الإنترنت الخريف الماضي، أجبرها والدها المؤذي على توقيع عقد زواج. هربت آمنة من منزلها وطلبت مساعدة النشطاء في إيجاد عمل وإقامة آمنة بمدينة أخرى. وتمكَّنَت من البقاء بعيداً عن الأنظار أشهراً، حتى اضطرت إلى تجديد بطاقة الهوية الوطنية. حينها أوقفتها السلطات بتهمة التغيُّب عن منزل والدها دون إذنه. يُعَد هروب النساء السعوديات، حتى البالغات منهن، جريمةً عقوبتها السجن والجلد، وبعدها تعيد السلطات المرأة إلى الولي الذي هربت منه.
في حوار صحفي هذا الربيع، سُئِل محمد بن سلمان إذا ما كان سيلغي نظام الولاية. وأكَّدَ في ردِّه أن اهتمامات الرجال ما زالت أولوية المملكة، وقال: "إن أجبتُ بـ(نعم) عن هذا السؤال، فسيعني هذا أن أخلق مشاكل للعائلات التي لا ترغب في إعطاء الحرية لِبناتها".
وإن لم يكن هذا كافياً، فأي شكوك متبقية حول نيّات الحكومة تجاه الناس كان يجب أن تتبدَّد مع موجة اعتقالات نشطاء حقوق المرأة في الأسابيع السابقة على نهاية حظر القيادة.
نهج ولي العهد التدريجي العشوائي في التعامل مع الإصلاحات الجنسانية يخدم مصالح فئة بعينها من النساء فقط؛ بل ربما تتسع الفروق الاقتصادية عبر إتاحة فرصٍ للنساء من عائلات داعمة، المنتميات إلى النخبة بالفعل، أكثر من الفرص المتاحة للنساء من عائلات محافظة. وسيكون أسوأ ما في الأمر هو أن تضعف تلك الإصلاحاتُ ضيقةُ النطاق وإسكاتُ الحركة النسوية زخمَ الضغط على النظام السعودي طلباً لتغييرات أجدى.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأميركية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.