قبل عدة أيام دخلت في مناقشة مع عدد من البنات والسيدات حول مشكلة ضرب المرأة، وذلك حينما طلبت إحدى السيدات المشورة فيما فعلته مع زوجها؛ حيث قامت بصفعه رداً على قيامه بضربها إثر خلاف بينهما.
سعدت كثيراً عندما أيَّدت معظم النساء تصرف الزوجة، مشيدين بأنها ثأرت لكرامتها وعلمته درساً سيفكر بعده ألف مرة قبل أن يعاود الكرَّة ويضربها مرة أخرى.
الغريب أن فئة من النساء اعترضن بشدة على موقف الزوجة، بل إن بعضهن اعتبرت ما فعلته الزوجة نوعاً من قلة الأدب والحياء، وأنها لم تتعلم كيف تعامل زوجها.
لم يخلُ الأمر من الاستشهاد بالدين، حيث عبرت إحداهن عن جريمة الزوجة بأن المرأة مأمورة بطاعة زوجها في كل الأحوال طبقاً لحديث: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها".
أخريات اعتقدن أنها أهانت نفسها عندما ردت صفعة زوجها، وتساءلن: كيف ستستطيع أن تعيش معه أو تنظر في وجهه بعد أن تطاولت عليه بالضرب؟!
فيما قدمت إحداهن حلاً بسيطاً؛ حيث كان بإمكان الزوجة الاستعانة برجل من أسرتها ليحاسب الزوج وتنأى بنفسها عن مواجهة زوجها خضوعاً لآداب اللياقة.
طبعاً، هناك مَن طالبنها بالصبر والاحتساب عند الله؛ لأنها مظلومة وعليها الانتظار حتى يعوضها الله.
الحقيقة أن التعامل بالضرب في كل الحالات، سواء من جانب المرأة أو جانب الرجل، مرفوض تماماً؛ لأنه لا يلجأ إلى استخدام القوة إلا الشخص الضعيف الذي لا يستطيع حل المشكلة إلا باللجوء إلى العنف، خوفاً من المواجهة أو من تبعات أن يظهر في صورة المخطئ، غير أن استخدام العنف هو نوع من الحيونة يردنا إلى منطق الغابة الذي لا يصلح للتعامل بين البشر الأسوياء.
غير أن ما أحزنني في هذا الموقف هو قبول المرأة بالإهانة لنفسها، بل وتبرير السلوك الخاطئ العنيف باتجاهها بمبررات أخلاقية ودينية واجتماعية أقرب ما تكون إلى الهزل وانعدام الإحساس بالذات، بل والرضا بالقهر والظلم بلا مبررات من وجهة نظري.
لماذا توصف المرأة بقلة الحياء والأدب إذا قامت برد إهانتها ورفضت الظلم الواقع عليها؟ لماذا لا نصف الرجل بمثل هذه الأوصاف ونعتبر أن لجوءه للعنف حق طبيعي لا يجوز الاعتراض عليه؟ هل مطلوب من المرأة أن تكون هي فقط من تتمتع بالأخلاق الحميدة، أما الرجل ففضل منه أن يتصرف وفقاً لأدنى حدود الاحترام، وأنه غير ملزم به في كل الأحوال؟
لماذا نقصر أكل الحقوق الدينية على الرجل ونمنعها عن المرأة في عنصرية شديدة لا ترقى إلى روح الإسلام؟ تحدث القرآن في أكثر من موضع عن نماذج نسائية رائعة، بل وقد نزلت سورة باسم "النساء"، والقرآن في المجمل يحوي رسائل تخص النساء وترفع من قدرهن وتعطيهن حقوقاً لا يعترف بها البشر في مجتمعاتنا. والرسول الكريم أكد في أكثر من حديث مكانة النساء، وكانت من أهم وصاياه: "استوصوا بالنساء خيراً".
لماذا نعتبر أن المرأة أهانت نفسها إذا ردت الظلم عنها، ونتساءل كيف ستعيش مع زوجها بعد أن ضربته؟! والسؤال الصحيح: كيف ستقبل أن تعيش معه أصلاً بعد أن أهانها وضربها؟ بل وندعوها للصبر والاحتساب وكأن شيئاً لم يكن. لماذا نتعامل مع المرأة على أنها كائن صخري لا يشعر ولا يتأثر ولا يحق له الشكوى؟ لماذا نصر على قهر إرادة المرأة وإحساسها بنفسها وكأنها عبء أو أو كائن يستحق التجاهل، زينة أو ديكور للحياة وليست جزءاً أصيل من الحياة؟
لماذا يجب أن تكون المرأة دائماً كائناً تابعاً بلا إرادة مستقلة، لا بد لها من زوج أو أب أو أخ أو رجل أياً كانت صفته يلجمها بدعوى الحماية أو الخوف؟ المرأة إنسان كامل الأهلية، خلقها الله بإرادة حرة مستقلة، بعقل مساوٍ تماماً لعقل الرجل بلا أدنى فرق، فلماذا نصر على تقييدها ومحو شخصيتها وكأنها لن تكون إلا بوجود "محرم" يسيطر على وجودها وشؤون حياتها؟
للأسف، تربينا في مجتمعاتنا العربية جيلاً بعد جيل على قبول ظلم المرأة، بداية من "اكسر للبنت ضلع"، وحتى "ضل راجل ولا ضل حيطة"، علمناها أنها بلا قيمة من دون رجل، وأن إهانتها وكسر إرادتها ومحو شخصيتها شيء طبيعي، وأنها يجب أن تتلقى القهر والإهانة تلو الأخرى برضا وقبول، بل وامتنان، تحت مبررات أخلاقية واهية.
وللأسف، تورث المرأة ابنتها وبنات أسرتها تلك العادات البغيضة وتزرع فيها قبول الضعف والتأقلم مع القهر باعتبار ذلك أمراً طبيعياً، فتنتقل العادة جيلاً بعد جيل دون أن نتوقف لحظة ونفكر في الخطأ الذي ارتكبناه في حق أنفسنا وبناتنا.
أُحيّي جيلاً من النساء رفضن القهر وقاومن العنف وأثبتن إرادتهن في وجه الظلم وكسر الإرادة.
لا تقبلي بمن يصفعك أو يهينك أو يقيد حريتك؛ لأنك بمنتهى البساطة إنسان كامل العقل، حر الإرادة، وعميق المشاعر.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.