ما تعلمته من النساء الألمانيات في كيفية التعامل مع ضغوط الحياة

عدد القراءات
16,133
عربي بوست
تم النشر: 2018/06/21 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/09 الساعة 10:41 بتوقيت غرينتش
مشكلة أغلب السيدات العربيات هي عدم القدرة على إحداث هذا التوازن في حياتهن، بالتالي نجدها تعاني من متلازمة الضغط النفسي في سن مبكرة.

المرأة وبطبيعتها الفسيولوجية أكثر تأثراً بالضغط النفسي مقارنة بالرجال، وكثيراً ما نسمع جملة منتشرة جداً بين النساء العربيات وبشكل كبير، وخصوصاً في ألمانيا، مثل (حياتي كلها ضغوطات، مضغوطة وتعبانة، أو سأنفجر من الضغط …..).

وبطبيعة الحال جميعنا يواجه أوقاتاً صعبة في حياته وغالباً ما تكون خارجة عن الإرادة، مثل الاغتراب ومشاكل العلاقات الزوجية، أو الصداقات، ومشاكل الأمومة والدراسة والوظيفة التي تؤدي كلها إلى ارتفاع مستوى التوتر والضغط النفسي.

ولا شعورياً تدخل المرأة في دوامات تدهور الصحة، وظهور أعراض يصعب على الأطباء أحياناً تفسيرها، وهناك مَن تلجأ للمسكنات والمهدئات حتى توفر على نفسها زيارة الطبيب، وملل الانتظار، وفي أسوأ الأحوال قد تجد نفسها فريسة لأمراض العصر، مثل: البدانة، أمراض القلب، الشقيقة، السرطان والسكري وغيرها.

ولكن ما هو الضغط النفسي؟ وكيف يؤدي لتدهور صحتنا؟

الضغط النفسي أو ما يعرف عالمياً بـ Stress هي طريقة فسيولوجية يقوم فيها الجسم بالرد على أي مؤثر، وذلك بإفراز الأدرينالين والكورتيزون إلى الدم.

جسم الإنسان في حالته الطبيعية يحتاج إلى كميات قليلة من الكورتيزون للقيام بوظائفه، ولكن زيادة هذا الهرمون عن منسوبه الطبيعي بسبب الضغط الذي يؤدي إلى عواقب وخيمة يكون ثمنها الصحة، والكورتيزون بطبيعة الحال يؤدي إلى نقصان المناعة.

ربما هذا كله معروف لدى الأغلبية، ولكن الأمر المهم الذي يجب أن نعرفه أن الضغط النفسي يتسبب في خراب المادة الوراثية عن طريق تراكم الجذور الحرة في خلايا أجسامنا، وهذا الخراب يورث؛ حيث أثبتت العديد من الدراسات ارتباط إصابة الأطفال بالتوحد وأمراض القلب والبدانة بسبب حالات الضغط النفسي التي عانت منها الأم خلال فترة الحمل.

الأعراض العامة التي تواجه المرأة كثيراً، وتكون مرتبطة بشكل رئيسي بالضغط النفسي والتوتر الذي تواجهه: التعب الدائم، تساقط الشعر، عدم انتظام الدورة الشهرية، ضعف في الخصوبة، زيادة أو نقصان بالوزن، الصداع النصفي، الأرق، الاكتئاب وعدم نقاء البشرة.

والنساء اللاتي يعانين من أحد أو بعض هذه الأعراض قد ترهق نفسها أكثر بزيارات الأطباء بدون فائدة، بينما الحل بسيط جداً، وبإمكان أي امرأة التغلب عليه إن أرادت.

التجربة الألمانية في محاربة الضغط

إذا نظرنا من حولنا وتأملنا طبيعة الشعب الألماني في مجال العمل ستلاحظ أن الألمان لديهم طرق ذكية على عمل توازن في حياته؛ حيث يعمل كالماكينة ولثماني ساعات متتالية، وبعدها ينتهي ليعود إلى البيت، ثم يقوم بممارسة هواية ما، وهذه الطريقة الأمثل لسحب الشحنات السلبية التي يتسبب فيها الضغط النفسي.

صديقتي الألمانية تنهي عملها اليومي ثم تنطلق إلى نادي الفروسية؛ حيث تقوم بممارسة هوايتها المفضلة في ركوب الخيل والتجول بحصانها في الغابة أو البساتين، وحقيقة هذا يحتاج إلى طاقة وجهد للتحكم بالحصان والتركيز على الطريق، فكيف ذلك بعد عناء العمل؟

سألتها ذات مرة: أليس متعباً أن تذهبي مباشرة بعد العمل إلى نادي الفروسية؟ فقالت لي: بالعكس إذا لم أفعل ذلك لن أستطيع النوم من الضغط النفسي؛ حيث سيتسبب لي بالأرق ليلاً، وبالتالي سآتي إلى العمل في اليوم التالي بمزاج سيئ وستقل إنتاجيتي!

لنتفكر قليلاً فيما قالته صديقتي، ولاحظوا معي العلاج الذاتي للضغط النفسي جراء العمل، فهي تفعل ذلك؛ لأنها ستتخلص من الضغط، كيف يكون ذلك؟ ولماذا؟

ممارسة الرياضة بشكل عام سواء بالفروسية أو غيرها تدخل كميات وافرة من الأكسجين إلى الجسم، وبالتالي يساعد على محاربة الجذور الحرة التي إذا تراكمت في خلايانا تعمل على تحطيم البنية الوراثية، كذلك يقلل من إفراز الكورتيزون إلى الدم، وهنا تظهر أهمية النشاط الفيزيائي في محاربة التوتر.

لاحظوا أيضاً عندما قالت: (إن لم تفعل ذلك فإنها ستشعر بالأرق ولن تستطيع النوم)، بالتالي الحركة الجسدية في ممارسة الرياضة، وخصوصاً إن كانت تجلب المتعة سترفع من هرمون السعادة الإكسيتوسين عوضاً عن الكورتيزون، وسيؤدي ذلك إلى التنعم بنوم هادئ، والاستيقاظ بهمة ونشاط في اليوم التالي.

أسرار أخرى للتخلص من الضغط

وقد لاحظت أيضاً أن العديد من السيدات الألمانيات يذهبن بانتظام إلى مراكز اللياقة ليس فقط من أجل المحافظة على القوام والوزن المثالي، بل السبب الأهم هو التخلص من الضغط النفسي، ومنهم من تعود من عملها على الدراجة أو تمارس رياضة الهرولة، أو العديد من الأمور التي تؤدي وتساعد على صفاء الذهن وتخفيف الضغط.

ممارسة الهوايات المحببة تقوم أيضاً على محاربة الضغط النفسي، مثل الرسم ولعب الشطرنج والعزف على آلة موسيقية، والمطالعة، ورحلات الاستكشاف.

مشكلة أغلب السيدات العربيات هي عدم القدرة على إحداث هذا التوازن في حياتهن، بالتالي نجدها تعاني من متلازمة الضغط النفسي وأعراض الأمراض المختلفة في سن مبكرة، بينما تستغرب نشاط سيدة ألمانية تسعينية، وهي تقوم بالعمل في حديقة منزلها بكل سعادة وبدون الشكوى من متلازمة الضغط.

وأحيانا كثيرة قد يفاجئها الطبيب بأن كل ما تعانيه من أمراض وأعراض هو بسبب الضغط النفسي، فتخرج ساخطة على الطبيب الذي فشل في تشخيص مرض ليس فيها.

ومن أسرار التخلص من الضغط أيضاً الأكل الصحي، وخصوصاً ذلك الغني بالخضار الخضراء وقليل الكربوهيدرات والدهون؛ لأن الأكل غير الصحي يتسبب بشكل كبير في تراكم الجذور الحرة وتحطم البنية الوراثية، لذلك جربي أن تستبدلي قطعة الحلوى المليئة بالكريمة بصحن من الفواكه الموسمية مثل التوت البري والخوخيات ويوهانس بيري؛ لأنها غنية بمضادات الأكسدة التي تتخلص من الجذور الحرة المسببة للضغط النفسي.

من الأمور السهلة المتوافرة كذلك الاستمتاع بالطبيعة، وأخذ نفس عميق خلال التمشي، وكذلك محاولة التفكير بأشياء جميلة إيجابية، والابتعاد عن السلبيين وأصحاب الشكاوى والتذمر الدائم.

وأخيراً بالنسبة للمرأة التي تعاني فعلاً من الضغط النفسي المزمن فلا بد لها من مراجعة الطبيب والمطالبة بالذهاب إلى أحد مستشفيات النقاهة Mutter Kind Kur التي تخصص برامج علاجية رائعة لمساعدتها وأطفالها على تخطي المشاكل والضغط النفسي، والتي تكون عادة بسبب مشاكل الحروب، أو العنف الأسري، أو الإجهاد من العمل، والعديد من الأمور التي يحددها الطبيب، وتساعد هذه المراكز على التخلص من الضغط والمشاكل النفسية باستخدام طرق طبيعية بعيداً عن الأدوية الكيميائية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علياء كيوان
باحثة في علم الأحياء الجزيئيّة والسرطان ومقيمة في ألمانيا
أُمٌّ لثلاثة أطفال، باحثة ومديرة مشروع بالمستشفى الجامعي في هايدلبرغ بألمانيا، حاصلة على الدكتوراه في بيولوجيا السرطان الجزيئية من كلية الطب بجامعة هايدلبرغ ومركز السرطان الألماني، حاصلة على الماجستير في العلوم تخصص البيولوجيا الجزيئية من جامعة هايدلبرغ. لها عدة أبحاث منشورة في مجلات محكمة علمياً، كذلك مُحاضِرة ومُدرِّبة على أسس البحث العلمي وعضوة في عديد من المؤسسات العلمية. ناشطة في العمل الاجتماعي النسائي بألمانيا من خلال إدارة جمعية المرأة العربية في ألمانيا ومجلتها، وكاتبة مقالات علمية واجتماعية في عديد من المواقع.
تحميل المزيد