في ذكرى 30 يونيو: هذا ما حصده السيسي لمصر في خمس سنوات

تم النشر: 2018/06/21 الساعة 10:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/21 الساعة 11:09 بتوقيت غرينتش

ونحن على أعتاب ذكرى مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، يدرك الجميع أنه لم يكن في حسبان مَن خرجوا في ذلك اليوم، ولا من انتحبوا فيه، أن مآل أحلام شباب الثورة سيكون حطاماً ؛ فمنذ اللحظات الأولى للانقلاب، وطلب التفويض السيسي من شعبه، الذي لا يتضمن من خالفوه، ومصر تئن مُرّ عويل أبنائها ليل نهار، فمنهم الثكلى لشاب يانع قتلته يد الغدر باسم التفويض، ومنهم المحزون لآخر أودع  السجن لرأي حر معلن، ومنهم المغبون لغير ذنب، ومنهم من هلل لبزة عسكرية فما رأى غير ذلة وانكسار في بلده كما في خارجها.

المهم أن جميعهم –مَن هلل ومَن خالف– ذاقوا من سم السيسي وغباء سياسته اقتصادياً و سياسياً: أكان ذلك داخل مصر أم حسرة عليها من خارجها، الجميع دفع ثمن الانقسام من حريته ودمه ودخله ومستوى معيشته.

فعلى مستوى الحريات، لم تشهد مصر من أيام جمال عبدالناصر قمعاً وسجناً وتنكيلاً بالمعارضين على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي كما شهدت مصر منذ انقلاب 2013؛ فقد تم سجن أكثر من 65000  معارض وناشط سياسي في سجون اكتظت بساكنيها، لدرجة أن بعض السجون وصل عدد المسجونين السياسيين بها إلى أكثر من 3 أضعاف العدد الذي صُممت من أجله تلك السجون.

ولم تشهد مصر عدداً من أحكام القتل كما شهدت تحت إمرة السيسي وحكومته؛ فقد بلغ مجموع أحكام الإعدام السياسية في مصر (طبقاً لإحصاءات التنسيقية المصرية للحقوق والحريات لسنة 2017) قرابة الـ3000 حكم، تم تنفيذ عدد كبير منها، في حين ينتظر الكثير من هؤلاء المحكومين ساعة الحسم.

ولم تشهد مصر عدداً من مشاريع السجون الجديدة في تاريخها كما شهدته في عهد السيسي؛ فقد بلغ عدد السجون في مصر – طبقاً لتقارير مؤسسات حقوقية كمؤسسة عدالة ومؤسسة الشهاب- حتى يناير/كانون الثاني 2011 ثلاثة وأربعين سجناً، بالإضافة إلى 382 مقر احتجاز داخل أقسام الشرطة، وفي الفترة من 2011 وحتى يونيو 2013 تم إنشاء عدد اثنين من السجون.

وفي خلال أربع سنوات بدءاً من يوليو/تموز 2013 وحتى يوليو 2017 صدرت قرارات بإنشاء سجون بلغت واحداً وعشرين سجناً جديداً ليصل عدد السجون إلى 66 سجناً، وذلك في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة تكدس السكان ومشكلات اقتصادية واجتماعية وتعليمية.. وفوق ذلك، فهي تعاني أيضاً من أزمة تكدس داخل السجون.

ولا عجب بالطبع من أن نشهد كل حين وآخر هجمة للعسكر ومعاونيهم على رموز المجتمع المدني في ناشطيه السياسيين، كما حدث في منتصف مايو/أيار 2018 من هجمة تم القبض فيها على الناشط الليبرالي وائل عباس؛ لحقها القبض على الناشط حازم عبدالعظيم بعد ذلك بأيام، يصحب تلك الهجمات والتجاوزات دائماً تشويه متعمد من الإعلام لهؤلاء الرموز وإلصاق تهم بالعمالة وتلقّي معونات من الخارج  بهم، وفي كثير من الأحيان يتم اتهامهم بالانتماء لجماعات محظورة  أو بمحاولة قلب نظام الحكم.. أليست من السخرية أن يتهم ناشط بقلب نظام حكم هو في الأصل نظام انقلابي؟!

كما لم تشهد نساء مصر تنكيلاً كما شهدت تحت حكم السيسي، بدءاً من التهميش المتعمد لقضايا هامة كختان الإناث، وانتهاء بأعداد غير مسبوقة من المختفيات قسرياً والمغتصبات والثكالى اللاتي فقدن الأب والأخ والزوج والولد.

وحسب تقرير أصدرته مؤسسة "توسون رويترز" في نهاية 2013 فقد تم تصنيف مصر على أنها الدولة الأسوأ عربياً من ناحية احترام حقوق المرأة، يليها – ويا لَلعجب – العراق والسعودية وسوريا ثم اليمن؛ حيث جاء في التقرير أن 99.3% من سيدات وفتيات مصر يتعرضن للتحرش الجنسي وخضعت 27.2 مليون فتاة وامرأة للختان، أي ما يعادل 91% من المصريات تعرضن للختان، في نفس الوقت الذي لا يلمّ بالقراءة والكتابة منهن إلا 37% من العدد السابق ذكره.

وفي خلال الأربع سنوات السابقة تم قتل ما يزيد على 100 امرأة، ورصد أكثر من 15 حالة اختفاء قسري، فضلاً عن اعتقال ما يزيد عن 2000 امرأة وفتاة في نفس الفترة، وما زلن رهن الاعتقال.

ولم تتوقف الانتهاكات عند الرجال والنساء، بل تعدت لتشمل الأطفال كذلك، فمن حالة الحكم على طفل لم يبلغ الأربع سنوات بالإعدام لاعتقال المئات، يظل الطفل المصري حبيس نظام تعليم طبقي عنصري، ومناخ تربوي مظلم، وصحة نفسية مشوشة، وإدراك حقوقي لا يرقى للمكانة الآدمية.

ولا عجب أن نرى تقارير من الأمم المتحدة والتنسيقية المصرية للحقوق والحريات توثق اعتقال ما يزيد عن 3002 طفل خلال الأربع سنوات السابقة، معظمهم تعرض للتعذيب والضرب المبرح داخل مقار الاحتجاز، وليس أدل على الظلم والعشوائية والقهر أكثر من الحكم على طفل لم يبلغ الأربع سنوات بعد بالمؤبد لإدانته – كما يدعونه – بارتكاب جرائم قتل بحق 4 مواطنين، والشروع في قتل 8 مواطنين آخرين.

أما على المستوى الاقتصادي، فلم تشهد مصر في تاريخها تدهوراً في قيمة العملة وازدياداً في التضخم، وانفلاتاً للأسعار كما شهدت في هذا الوقت؛ فمن دولار يساوي 7 جنيهات مصرية  في 2012 إلى دولار يساوي 18 جنيهاً، يزامنها ازدياد وتضخم غير مسبوق في أسعار السلع والمحروقات ومواد البناء والمركبات، وزيادة في الضرائب وجبايات على المرتبات والمشروعات الصغيرة، ولعلنا في مصر لم نشهد تهديداً لبقاء الطبقة الوسطى واتساعاً للرقع بين الطبقة الوسطى والفقيرة من ناحية وبين طبقة الأغنياء وذوي السلطة كما شهدنا مؤخراً تحت حكم السيسي ووزراؤه.

والمتأمل في الأرقام والتقارير هنا لا يرى إلا سواداً وظلمة، لكن الظلمة لا تكتمل بغير تقرير عن أرقام قمع حرية الرأي ومنع التجمعات السلمية وغلق القنوات التلفزيونية المعارضة، ومصادرة الأموال، وغلق الجرائد، وحجب مواقع الإنترنت المعارضة، وسجن المدونين المعارضين، وغيرها.. لكن لهذا مقال منفصل يتسع فيه المقال لحجم الانتهاكات بحق المقام.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عبدالباسط هريدي
مترجم و باحث حقوقي
تحميل المزيد