على المستوى الشخصي أؤمن تماماً أن العديد من التعليمات الدينية لها حكمة مهمة جداً، يمكن لهذه الحكمة أن تنفذ إلى شخصيتي من الداخل، وتغيّرني تماماً لو أنني آمنت بوجودها.
وعلى رأس هذه التعليمات تأتي مجموعة الكلمات التي تتردد بيننا دائماً، ومن هذه الأمثلة: مبدأ النيّة.
كنت أفكر حول مسألة النيّة، ولماذا -على سبيل المثال لا الحصر- علينا أن ننوي صيام رمضان قبل فجر اليوم الأول، أليس هذا منطقياً في أن يحدث؟ ها قد أتى رمضان شهر الصيام وولّى، ونحن كمسلمين سنصومه، فهو ركن رئيسي من أركان الدين، فلماذا نيّة الصيام ذات أهمية كبيرة؟
ثم في كل ما نقوم به من أعمال، لماذا علينا في بداية كل عمل أن نجدد نيّتنا؟ فنحن اخترنا القيام بهذا العمل.
في النهاية بدأت أفكر في أثر النيّة علينا، وأنّ تجديد النيّة يجعلنا نفكر جيداً في كل فعل قبل أن نقوم به، فهي ليست أفعالاً نؤديها دون شعور، لكننا نحاول دائماً أن نستحضر كونها خالصة لوجه الله، وأنّ نذكّر أنفسنا بأهمية هذه الأعمال.
النيّة ليست كلمات نرددها، قدر كونها معاهدة مع الله على أننا سوف نفعل الأمر بأفضل صورة ممكنة، أن نذكر أنفسنا بأنّ كل عمل هو شيء مستقل بذاته، ومهما ظننا أننا فعلنا الكثير، فلا بد لنا أن ندرك تماماً أنّه ما زال هناك جديد لنفعله، وأنّ تقرّبنا إلى الله لا ينتهي عند مرحلة معينة.
ولذلك أصبحت أؤمن في كل مرة أن تجديد النيّة هو فرصة من الله أن نراجع أنفسنا قبل الإقدام على العمل، مهما كانت بساطته في اعتقادنا، لكن مسألة النيّة وحدها تجعلنا مقبلين عليه بأرواحنا، بعيداً عن مسألة الاعتياد التي تحوّل العمل إلى شيء روتيني نقوم به، فنصلي كأنّها المرة الأولى، ونصوم كأنّه الصيام الأول، وهذا ينطبق على الأعمال كافة.
لعلّك تتساءل حول الرابط بين النيّة وبين عنوان هذا المقال؟ وهذا ما وصلت إليه لاحقاً، وهو أنّ مصطلح مثل الشغف انتشر بيننا في هذه الفترة، على أنّه الشيء الذي نحب فعله كثيراً، ومهما واجهتنا من مشاكل فيه، فإننا نستمر عليه بسبب شعور الحب الموجود بداخلنا ناحية هذا الأمر، سواءً في الكتابة أو الرسم أو أي شيءٍ آخر، فنقول إنّ الشغف هو الدافع الذي يجعلنا نستمر.
في رأيي الشخصي، وهذا لا علاقة له بكون النيّة شيئاً دينياً -فالنية يمكننا أن نجددها قبل أي شيء نفعله في حياتنا- فإنني أرى أنّ الشغف هو المعادل للنيّة، فكما نقول إنّ الشغف هو الذي يجعلنا نتابع فيما نفعله، فإنني أرى أنّ النيّة تجعلنا نبدأ ونستمر ونغيّر ونجدد؛ لأننا في كل مرة نفكّر في الشيء كأنها المرة الأولى لنا.
لا أطلب منك أن تتفق معي في منظوري حول مسألة النيّة، ولا حتى حول ارتباطها بالشغف، لكن صدقني، في ديننا هناك العديد من المفاهيم العظيمة جداً، والتي يمكنها أن تقلب حياتك رأساً على عقب، لو أنّك تعلّمت أن تنظر إليها بصورة عميقة، أن تترك لها الفرصة لتدخل إلى قلبك، وتصنع تغييراً حقيقياً في رؤيتك للحياة، ودعنا نبدأ من نهاية هذه التدوينة.
فكّر في عمل معين تقوم به باستمرار، وجدّد نيّتك ناحيته، بصورة صادقة ومتأملة فعلاً، لا مجرد ترديد لكلمات اعتدت عليها، وستشعر بالفارق، أو هكذا أتمنى لك يا صديقي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.