يبدو أنه ليس محمد بن سلمان! هؤلاء هم الأشخاص الحقيقيون وراء قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/20 الساعة 10:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/20 الساعة 10:54 بتوقيت غرينتش

لماذا يصر وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، الوريث الواضح للنظام الملكي المُطلَق الذي ساد منذ 1932 دولةً سُمِّيَت على اسم بطريركها، على قطع الاتصال لمدة أسابيع عن لجين الهذلول، طالبة الدراسات العليا التي تبلغ 28 عاماً؟

وبعد أن أشاد به برنامج 60 Minutes الذي يُعرض على قناة CBS؛ لأنه "حرَّر النساء" عشية زيارته إلى أميركا في مارس/آذار الماضي، لماذا أرسل قوات في مايو/أيَّار لإلقاء القبض على 17 ناشطة مدافعة عن حقوق المرأة، من بينهن لجين الهذلول وعائشة المانع، البالغة من العمر 70 عاماً، وهي مديرة مستشفياتٍ وكليةٍ للعلوم الصحية أُصيبَت بسكتةٍ دماغية العام الماضي 2017؟

ما هو التهديد الذي تُشكِّله أستاذةٌ متقاعدةٌ تبلغ 60 عاماً، وهي عزيزة اليوسف، الأم لخمسة أبناء والجدة لثمانية أحفاد التي اعتُقِلَت هي الأخرى، ويستحق أن تضع صورتها صحيفة موالية للحكومة على الصفحة الأولى تحت عنوان "فشلتِ أنت وخطة خيانتك"؟

وما هو الهدف من أن صفحةً كاملةً في صحيفة تطبع كلمة "خائنة" باللون الأحمر على صور لـ17 ناشطة في مجال حقوق المرأة جرى تحريرها لتشبه الصور الشخصية الملتقطة للمجرمين في مايو/أيَّار؟ من بينهم إيمان النفجان، وهي أستاذة لغويات وأم لأربعة أطفال بينهم طفلٌ يحبو.

 الإجابة عن هذه الأسئلة بسيطة: يبدو أن السلطات العليا السعودية ترغب في التصريح بأن الوقفة الشجاعة لتلك النسويات ليست هي ما أدت إلى تلك اللحظة التي أوشكت فيها المملكة على رفع الحظر عن قيادة النساء أخيراً، وإنما يعود الأمر إلى فضيلة وليّ العهد الذي يُدشِّن مراجعاتٍ ضارية.

إن السماح للنساء بالاحتفال بما يُعد، في جميع الأحوال، تتويجاً لسنواتٍ من النشاط من شأنه تغذية فكرة أن النشاط ذو جدوى، وهو ما يُعد حقيقةً بديهية يكرهها رجال السلطة السلطويون.

 ويفسر ذلك ما حدث في شهر مايو/أيَّار الماضي، إذ أُلقِيَ القبض على لجين الهذلول وعائشة المانع وعزيزة اليوسف وإيمان النفجان، اللاتي يُمثِّلن ثلاثة أجيال من الناشطات في مجال حقوق النساء، إلى جانب حظر العشرات من السفر إلى الخارج، حتى أثناء استعدادات السعودية ليوم 24 يونيو/حزيران؛ إذ حُدِّد أخيراً لرفع الحظر الوحيد في العالم على قيادة النساء.

 اتُّهِمَت الناشطات في مجال حقوق المرأة بالتواصل مع منظماتٍ مُعارِضة للحكومة. وفي 3 يونيو/حزيران، أفرجت المملكة العربية السعودية مؤقتاً عن 8 من الـ17 المعتقلات. وفي بيانٍ أصدرته وكالة Reuters أفاد بأن المُدَّعي العام صرَّح بأن التسع الذين ما زالوا رهن الاحتجاز "اعترفوا"، ولكن البيان لم يذكر أسماءهم.

 عندما تشاهد مقطع فيديو موالياً للحكومة يجوب الإعلام السعودي مُصوِّراً "لحظةً تذكارية في تاريخ المملكة العربية السعودية" ويعرض ضابط شرطة (ذكر) يمنح سيدةً رخصة قيادة، تذكَّر أن الفضل يعود للناشطات المعتقلات، وليس النظام الملكي المطلق أو رجال الدين اليمينيين شديدي المُحافَظَة الذين يتآمرون من أجل إبقاء المرأة في قبضة النظام الأبوي الخانقة.

 لئلا يكون هناك أيُّ شكٍّ في إخلاص رجال الدين، ذكرت وكالة Reuters في 2 يونيو/حزيران أن رئيس الشرطة الدينية، وهي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، "رحَّبَ ببيان المُدَّعي العام وحَذّرَ من الجماعات والأفراد التي تستهدف أمن الحكومة واستقرارها".

 فيما يتعلَّق بالحلفاء والأصدقاء الغربيين، يسعد الأمير محمد بالترويج لما قالته نورا أودونيل، الإعلامية في برنامج 60 Minutes، عن إصلاحاته "الثورية" ومسايرة ذلك.

في تلك الأثناء، لا يوجد ما يدعو للتراجع عن حملة قصف اليمن التي بدأها منذ ثلاث سنوات والتي أسفرت عن مقتل آلاف من المدنيين. وكان إيريك غارسيتي، عمدة ولاية لوس أنجلوس، واحداً من الأميركيين القليلين الذين التقوا بوليّ العهد وشدَّدوا علناً على قضايا حقوق الإنسان خلال الجولة السعودية عبر المدن الأميركية التي دامت لمدة ثلاثة أسابيع.

 خلال تلك الجولة، توسَّط وليّ العهد في صفقات أسلحة مع الرئيس ترمب وقابل العديد من المشاهير بدءاً من أوبرا وينفري ودوين جونسون وحتى جيف بيزوس وبيل غيتس. ومنذ أن عاد إلى بلاده وبعد أكثر من شهر بقليل، أبدى الأمير محمد، الذي أصر على أن المرأة مساوية "تماماً" للرجل، بكل وضوح أنه هو المسؤول عن منح الحرية وليس الناشطات اللاتي سعين منذ زمن طويل للمساواة.

 اعتُقِلَت عائشة المانع وأخريان في منتصف مايو/أيَّار أثناء حملة القمع التي شُنَّت ضد الناشطات في مجال حقوق المرأة (أُطلِقَ سراح الثلاث منذ ذلك الوقت)، وقد شارك الثلاث في أول مظاهرة أُقيمَت في المملكة عام 1990 ضد حظر القيادة وألقي القبض آنذاك على 47 سيدة.

 وقعت الكثير من الاعتقالات في شهر مايو/أيَّار لقادة الجيل الأقدم من الناشطات النسويات إضافةً إلى الشابات منهن، مثل عزيزة اليوسف وإيمان النفجان ولجين الهذلول، وجميعهن شاركن في كثيرٍ من الاحتجاجات الأخيرة ضد حظر القيادة، وجاءت تلك الخطوة لتضيف المزيد إلى محاولات القضاء على حركة النشاط النسوية عبر الأجيال.

 على مدار سنوات عدة، استهانت العائلة الملكية ورجال الدين شديدو المُحافَظَة، المسؤولون عن منح الشرعية، بالسيدات والحركات النسوية اللاتي تحدَّين ما أُطلِق عليه سياسة التمييز العنصري بين الجنسين واعتبروه أمراً "غربياً" و"دخيلاً".

ولكن هؤلاء الناشطات المعتقلات، اللاتي شوَّهَت وسائل الإعلام الموالية للحكومة سمعتهن، لا ينتمين لأيِّ شيء من هذا القبيل بل هنَّ مواطنات سعوديات صالحات. وفي الواقع، كان من بين السيدات المعتقلات ثلاثة رجال، محامون ونشطاء في مجال حقوق المرأة.

 لطالما تجاهل النظام السعودي لعقودٍ أيَّ محاولات ترمي إلى انتقاد تاريخه السيئ بشأن حقوق المرأة عن طريق زعم الحفاظ على شكلٍ من الاستثنائية، إلى جانب أنه حاصَرَ نفسه بتفسيرٍ مُتطرِّف لتعاليم الإسلام وفَرَضَه على أفراد المجتمع الذين وُصِفوا بأنهم "غير مُهيَّئين"؛ لأن تحصل نساؤهم على مزيدٍ من الحقوق.

 أطاح هؤلاء النساء والرجال المؤيدون لهم الذين اعتقلهم الأمير محمد بتلك الأعذار. وخلال الموجات المتوالية من الاحتجاجات على حظر القيادة، كانت النساء ينشرن عبر حساباتهن  الخاصة مقاطع فيديو لأنفسهن ولغيرهن بينما ينتهكن الحظر، بينما يبدي المؤيدون لهن على الطريق مظاهر الدعم مثل رفع الإبهام. كذلك شاركت النساء قصصاً تنطوي على دعم أقاربهن من الرجال الذين إما رافقوهن أثناء الاحتجاجات أو ذهبوا إلى مراكز الشرطة لاصطحابهن بعد القبض عليهن.

 أشار البعض إلى أن حركة اعتقال الناشطات في الوقت الحالي ما هي إلا سعي من الأمير محمد لاسترضاء الأطراف المحافظة في المملكة السعودية الذين انتابتهم خيبةُ الأملِ إثر "إصلاحاته".

 ولكن ربما التهديد الأكبر الذي يُشكِّله اعتقال الناشطات على الأمير والنظام السعودي يكمن في أن أهداف أعمالهن الشجاعة ترمي إلى ما هو أبعد من إلغاء حظر القيادة، فهي تهدف إلى إلغاء نظام الوصاية، الذي هو تجسيد للنظام الأبوي الذي يحصر المرأة في إطار القاصرات إلى الأبد اللاتي يحتجن إلى الإذن من الوالد أو الأخ أو حتى الابن من أجل السفر أو الدراسة أو الزواج أو الحصول على بعض الخدمات الحكومية.

 عندما بدأ هذا العقد، لم تشهد المملكة العربية أيَّ ثوراتٍ سياسية مثل تلك التي نشبت في تونس ومصر وغيرهما من دول "الربيع العربي"، ولكنها تعاصر الآن ثورةً اجتماعية.

 لا تتمثَّل طليعتها في قيادة وليّ عهدٍ يدَّعي أنه مُتحرِّر فيما يخص المرأة. فالقادة الحقيقيون هنَّ تلك الناشطات اللائي اعتُقِلن ومُنِعن من السفر؛ لأنهن تجرَّأن على المطالبة بحريتهن.

 لهؤلاء الذين استهزأوا من ثورة الناشطات السعوديات لوقتٍ طويل بأنها غير واقعية، تذكَّروا أن النسويات الأيرلنديات أيضاً كان يُقال لهن لوقتٍ طويل إنه من المستحيل الإفلات من قبضة الكنيسة الكاثوليكية في بلادهن.

وفي شهر مايو/أيَّار الماضي، بينما كانت السعودية تلقي القبض على النسويات، كانت أيرلندا تشيد بالناشطات النسويات لهزيمتهن النظام البطريركي المُحافِظ عن طريق إبطال التعديل الدستوري الذي حظر أي عمليات إجهاض وذلك في استفتاء شعبي.

هناك سببٌ وراء خوف السلطات الاستبدادية من النسوية

 هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأميركية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
منى الطحاوي
ناشطة مصرية في مجال حقوق المرأة
تحميل المزيد