زوجة الأب شريرة دائماً وكل شيء يدور حول الأمير والزواج.. كيف استخفَّت قصة “السندريلا” بعقولنا سنين طويلة؟

عدد القراءات
2,831
عربي بوست
تم النشر: 2018/06/18 الساعة 15:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/19 الساعة 16:10 بتوقيت غرينتش

في محل لبيع ملابس الأطفال، تنتظر الأم مع طفلتيها الصغيرتين، يعود البائع معتذراً: عفواً مدام لم يتبق من الفستان مقاس 5 سنوات!. تنفجر الطفلة الصغرى باكية: أريد مثل أختي سارة أريد فستان "سندريللا" ماذا سأرتدي في حفلة عيد الميلاد؟، هنا تقع الأم في ورطة لا تدري كيف ترضي الابنة الصغرى، ولا كيف ستقنع الأخت الكبرى لكي تتنازل عن الفستان الذي طابق مقاسها.. مشهد تكرر أمامي بسيناريوهات مختلفة، لكنها جميعاً تدور حول تعلّق مهووس من الفتيات الصغيرات بتلك الشخصية الأسطورية "سندريللا".

"سندريللا" قصة شعبية عالمية اختلفت الروايات عن أصلها ونشأتها ومدى واقعيتها، إلا أن تداولها عبر السنين منذ أصدرت شركة "ديزني" في خمسينيات القرن الماضي الفيلم الأول الكرتوني، الذي لاقى انتشاراً واسعاً وتمت دبلجته لعدد من اللغات، ثم إعادة تمثيل القصة ذاتها في فيلم درامي حديثاً يتصدّر قائمة إيرادات دور السينما خلال 3 أيام فقط، يعد مؤشراً واضحاً على أنها ثقافة حيّة نشأت عليها أجيال من الفتيات وربما الفتيان أيضاً، وجذبت الكبار قبل الصغار. وما زالت تتناقلها الألسن العربية من الجدات والأمهات وتحكيها للصغار.

فما الهدف الذي تطرحه هذه الأسطورة؟ وما القيمة الجوهرية التي تضيفها لشخصية الفتاة؟ ولمفهوم المجتمع ككل. تساؤلات كثيراً ما طرحتها على الأمهات، ووضعتها على طاولة الحوار أمام التربويات، وفي كل مرة كانت الحيرة والصمت هما الجواب.

لنلق نظرة تحليلية على شخصيات القصة لنرى ما المفاهيم التي يشاهدها أطفالنا في هذه الأدوار:

تُصوّر القصة شخصية (زوجة الأب) بأنها شريرة ظالمة متسلطة، وهذه هي الصورة النمطية المتكررة أيضاً في أكثر القصص الشعبية المتداولة، والتي غذّت قناعاتنا العربية الراسخة بأنها الصورة الوحيدة لأي زوجة أب ستحل محل الأم. فماذا عن مشاعر الأطفال الذين شاءت أقدارهم أن يعيشوا في كنف زوجة أب؟ ألا توجد صورة يمكن أن نقدمها لهم تزيد من اطمئنانهم وتقبلهم لواقعهم الجديد؟ وتكون حافزاً أيضاً لكل زوجة أب كي تقدم نموذجاً إيجابياً في رعايتها لأبناء زوجها؟

كما تطرح القصة في شخصية (الأُختين) غير الشقيقتين لسندريللا، مفهوماً مشوهاً لطبيعة العلاقة بين الأخوات القائمة على الغيرة والتنافسية في كل شيء، من مقومات الجمال، لبس أجمل الثياب، المجوهرات حتى تمتد لتصل إلى حرب طاحنة بينهن للظفر بالعريس الأمير!

وهنا نتساءل: ماذا عن شخصية (الأب) المهمشة تماماً في القصة؟، بعض الروايات تحدثت عنه أنه شديد الانشغال وكثير السفر للدرجة التي تجعل ابنته مترددة من إطلاعه على ما يجري في غيابه عند عودته، أما الروايات الأخرى الأقل منطقية ذكرت أنه متوفى، وكان من الأدعى في هذه الحالة لزوجته الشريرة أن ترمي بسندريللا في الشارع وتتخلى عنها.

ثم فجأة تظهر في القصة شخصية (العرافة الساحرة) السيدة الطيبة الحنون جداً القادرة على صنع كل شيء سيحقق السعادة لسندريللا، وهذه نقطة في غاية الخطورة؛ إذ تبرر للطفل من أنه لا مانع إذا ما تعرضنا لبعض الظروف القاسية أن نلجأ للسحرة العطوفين!، وكأننا نبرر أيضاً أن تلك الظروف لا تتغير سوى بمعجزات أو بالاستسلام في انتظار صولجان سحري يلوّح بالهواء ليغيّر أقدارنا.

أما عن الشخصية البطلة (سندريللا) التي حظيت بتعاطف سائر الكون؛ لأنها تلك الفتاة الضحية المظلومة المستضعفة شديدة السلبية وكثيرة الحسرة، ذات قلب منكسر تحلم فقط بالزواج من الأمير، وتعتقد بأن ارتداءها لفستان أنيق فقط هو ما يجعلها تستحق التواجد في المجتمع ويحقق لها السعادة الأبدية. وحتى حين تحقق لها ذلك بمعجزة لم تحاول أن تفعل شيئاً يغير من واقعها بل فضلت الهروب والعودة له مرة أخرى. فماذا لو كانت شخصيتها أكثر قوة وإيجابية وحوّلت معجزة حضورها الحفل الملكي واستحواذها على إعجاب الأمير لفرصة تكشف معاناتها أمام الحفل الجماهيري بدلاً من الهروب في منتصف الليل؟. أعلم أن ذلك سيغير سياق القصة تماماً.

ثم ذاك (الأمير)، كان جاهزاً لاستقبال الفتيات الحاضرات في الحفل الذي أُعد خصيصاً ليختار الزوجة المناسبة له، ومع ذلك نسي -هو وأهله- حين وجد فتاة أحلامه أن يسألها عن اسمها مثلما سأل باقي الفتيات!، لكن ذلك لم يكن عائقاً من أن يرقص معها، ثم يصول ويجول المدينة حين اختفت باحثاً عنها من فردة حذائها!

قد يقول قائل: إنها مجرد قصص للتسلية ولا يجب تحميلها كل ما سبق، وأقول: صحيح هي قصص لكنها أداة للكلمة الشفهية المنطوقة التي تتناقلها الألسن وتتعدى حدود معرفة القراءة والكتابة فترسخ في الذاكرة وتساهم في تشكيل العقل الجمعي للمجتمعات، وتعزز مدى انتشار القيم وتعميمها. ولا أدعي أن مؤلف القصة كان متآمراً علينا؛ لأنني على يقين أنه كتبها لمجتمع ينتمي إليه هو وفقاً لخلفيته القيمية التي تقدّس قيمة الجسد والجمال. أما نحن فنستورد فقط دون أن نضع الأفكار في ميزان قيمنا ومبادئنا.

موروثاتنا باتت بحاجة إلى غربلة دقيقة جادة، فكفى استخفافاً بعقول أطفالنا، فتياتنا الصغيرات يستحققن مستقبلاً لا يُبنى فقط على فستان زفاف يرتدينه، وربما لا يرتدينه. هن قادرات على المساهمة في نهضة مجتمعهن وأوطانهن بوعيهن وعلمهن وثقافتهن. ولدينا نماذج مشرّفة منهن يستحققن أن تخلد ذكراهن وتتعطر الألسن بسيرتهن فيكنّ قدوة يُحتذى بهن.

عزيزتي الأم، قبل أن تلبسي ابنتك فستان سندريللا وتاجها وحذاءها، وقبل أن تحكي لها القصة كل ليلة كي تنام متلحفة بلحافٍ وردي، اسألي نفسك سؤالاً: لو طرق بابكم خاطبٌ يوماً ما قائلاً: يسعدني ويشرفني أن أتقدم بطلب قدم ابنتكم المصون فقط لو ناسب مقاسها هذا الحذاء.. فهل ستقبلين؟

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أوفى نحاس
باحثة تربوية وكاتبة قصص أطفال
تحميل المزيد