في خطوةٍ نادرة بكل المقاييس، وصل ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يوم الجمعة أول أيام عيد الفطر المبارك، يرافقه وفد إماراتي كبير في زيارة مفاجئة تستمر يومين، التقى خلالها برئيس الوزراء آبي أحمد علي، كما يتوقع أن يعقد لقاءً آخر مع رئيس الجمهورية مولاتو تيشومي.
الزيارة غير المسبوقة تثير استفهامات عدة في هذا التوقيت، فمن النادر جدًا أن يقوم ولي عهد أبوظبي ـــ الحاكم الفعلي لدولة الإمارات ــ بزيارة إلى دولة إفريقية؛ إذ من المعتاد أن يتجول في دول العالم الأول مثل أميركا وأوروبا أو في دولٍ إقليميةٍ حليفة لبلاده مثل مصر التي لا يغيب عنها لأشهر حتى يعاود زيارتها أو يستدعي رئيسها عبدالفتاح السيسي إلى أبوظبي، نسبة للتحالف الوثيق الذي يجمع بين البلدين.
3 مليارات دولار حزمة مساعدات واستثمارات إماراتية
وعن مخرجات الزيارة، قال المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية أحمد شيدي: إن دولة الإمارات تعهدت بتقديم ثلاثة مليارات دولار مساعدات واستثمارات إلى إثيوبيا، في إظهار لدعم كبير لرئيس الوزراء الجديد آبي أحمد.
وأوضح شيدي لوكالة رويترز أن الإمارات ستودع مليار دولار في البنك المركزي الإثيوبي لتخفيف نقص حاد في العملة الأجنبية. فيما ذكر مسؤول بوزارة الخارجية الإثيوبية أن الملياري دولار الآخرين من أبوظبي سيُستثمران في قطاعات السياحة والطاقة المتجددة والزراعة
وفي مؤشر على تغير المواقف الإثيوبية، علّقت الوكالة في تقريرها بأن الإمارات وحلفاءها الخليجيين، خصوصاً السعودية، دأبوا على تقديم مبالغ ضخمة لحكومات "متعاونة" في المنطقة، مشيرةً إلى أن آبي أحمد زار مصر الأسبوع الماضي، مبدياً لهجة تصالحية جديدة في نزاع طويل ومرير بشأن سد تبنيه إثيوبيا على النيل، وتخشى مصر أن يهدد إمداداتها المائية.
آبي أحمد كان قد زار العاصمة الإماراتية أيضاً قبل أقل من شهر، وعلّق رئيس الوزراء الإثيوبي حينها بأن العلاقة بين البلدين (الإمارات وإثيوبيا) علاقة قوية، وأنه واثق من تعزيز هذه العلاقة أكثر من أي وقت مضى، مشيراً إلى أن العلاقات تشمل كلاً من المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.
مصادر دبلوماسية كانت قد كشفت لصحيفة العربي الجديد عن تحالفٍ سعودي إماراتي لإنقاذ عبدالفتاح السيسي من ورطة سد النهضة الإثيوبي، لافتة إلى أن "هناك تعويلاً مصرياً كبيراً على ذلك التحرك لإنقاذ الموقف".
وأشارت المصادر إلى أن "القاهرة حصلت على وعود سعودية ــ إماراتية بالتدخل الحاسم، لتجاوز الأزمة، عبر تقديم إغراءات اقتصادية للحكومة الجديدة في إثيوبيا تجعلها تستجيب للمطالب المصرية"، مؤكدة أن "التحركات السعودية الإماراتية ستكون عبْر حزمة استثمارية ومساعدات اقتصادية على مراحل عدة، لتعوّض أديس أبابا عن أي تأخير متعلق بخطتها الرسمية لتشغيل السد" ولذلك، نعتقد أن الهدف الأول من زيارة ولي عهد أبوظبي لأديس أبابا سيكون إنقاذ الحليف المصري من ورطته الوشيكة؛ حيث أنهت إثيوبيا حتى الآن أكثر من 67% من مراحل إنشاء السد، بل وبدأت تركيب التوربينات الخاصة بتوليد الكهرباء؛ إذ يتوقع أن ينتج سد النهضة نحو 6250 ميجاواط من الكهرباء تكفي الاستهلاك المحلي ويُصدر الباقي إلى دول الجوار مثل السودان وجيبوتي وكينيا.
ويؤكد صحة ما ذهبت إليه المصادر، أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد استقبل الأسبوع الماضي، أحمد قطان وزير الدولة السعودي للشؤون الإفريقية، حاملاً رسالة خطية من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لم تكشف وكالة الأنباء الرسمية الإثيوبية عن مضمونها، مكتفيةً بالقول إن الجانبين بحثا القضايا ذات الاهتمام المشترك ومسار العلاقات الثنائية
ربما تحمل زيارة محمد بن زايد لأديس أبابا إغراءات أخرى لحمل إثيوبيا على اتخاذ موقف مناهض من قطر وتركيا، وقد ظهرت مؤشرات هذا الاتجاه خلال التغطية الإعلامية التي قامت بها وسائل إعلام إماراتية ومصرية لزيارة آبي أحمد الأسبوع الماضي إلى مصر التي التقى فيها السيسي، محاولاً بث تطمينات "شفهية" للجانب المصري مفادها عدم تضرر القاهرة من سد النهضة.
حيث اعتبرت تلك الصحف والمواقع أن التنسيق الإثيوبي مع مصر يفشل محاولات ما سمّوه "محور الشر" لضرب العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا. ولعب كُتَّاب مصريون على وتر إخضاع القيادة الإثيوبية الجديدة، واصفين حكومة هايلي مريام ديسالين السابقة بأنها "متعنتة" وذات علاقات "مشبوهة" مع تركيا والسودان وقطر .
نشير إلى أن الحكومة الإثيوبية السابقة كانت قد عززت علاقاتها مع قطر وتركيا؛ حيث تبادل كل من الأمير تميم بن حمد آل ثاني وهايلي ديسالين الزيارات في فترة زمنية قصيرة لم تتعدَّ 7 أشهر، كما منحت سلطات أديس أبابا رخصةً لقناة الجزيرة كأول قناة فضائية عالمية تعمل من داخل إثيوبيا في خطوةٍ مؤكد أنها أثارت انزعاجاً كبيراً لدى محور الرياض ـ أبوظبي الذي كان يطالب بإغلاق القناة كليةً ضمن شروطه لإعادة العلاقات مع قطر.
زيادة على ذلك، رفضت إثيوبيا ــ الدولة المحورية في القارة السمراء ــ الاستجابة إلى ضغوط وإغراءات لقطع العلاقات مع الدوحة خلال مشاركة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في فعاليات القمة الإفريقية العام الماضي التي انعقدت بعد حوالي شهر من اندلاع الأزمة الخليجية
أمر آخر ربما يكون ضمن أجندة زيارة بن زايد، هو ملف المصالحة الإثيوبية ـ الإريترية حيث حملت الأنباء خلال الأيام الماضية أن الائتلاف الحاكم في إثيوبيا قد وافق على اتفاق الجزائر لترسيم الحدود بين إثيوبيا وإريتريا من أجل حل الخلاف بين الدولتين.
هنا نلفت إلى العلاقات الوثيقة التي تربط بين ولي عهد أبوظبي والرئيس الإريتري أسياس أفورقي، لذا نعتقد أنه من الوارد جداً أن يبحث الأول مع المسؤولين الإثيوبيين إمكانية دفع الوساطة بين البلدين أو القيام بدورٍ في هذا الصدد لتحسين صورة بلاده السيئة في المنطقة (التفاصيل لاحقاً في هذه المقالة).
علاقات اقتصادية جيّدة
ترتبط دولة الإمارات بعلاقاتٍ اقتصادية مع جمهورية إثيوبيا؛ إذ تستثمر أبوظبي نحو 523 مليون دولار استثمارات مباشرة بحسب محمد شرف، مساعد وزير الخارجية والتعاون الدولي للشؤون الاقتصادية والتجارية الإماراتي
كما تحتضن الإمارات أعداداً كبيرة من العمالة الإثيوبية تساهم بتحويلاتها المالية في إنعاش الوضع الاقتصادي لإثيوبيا التي تعاني من عدد السكان الكبير "100 مليون نسمة" وقلة فرص العمل.
الإمارات تتجه لافتتاح مكاتب إعلامية في إثيوبيا
أكدت مصادر أيضاً اتجاه الإمارات للتقدم بطلبات ترخيص لقناة "سكاي نيوز عربية" لافتتاح مكتب في أديس أبابا، وربما مكتب آخر لوكالة الأنباء الإماراتية (وام)، يكون هدفهما تحسين الصورة الذهنية لأبوظبي بعد الهزائم القاسية التي مُنيت بها أخيراً في منطقة القرن الإفريقي (الصومال وجيبوتي) وقد يكون الهدف غير المعلن من ذلك هو تغيير لهجة الإعلام الإثيوبي تجاه مصر أو تحييده على الأقل ليتوقف عن اتخاذ مواقف مناهِضة للقاهرة، ولدعم الرؤية المصرية في سد النهضة ضمن استراتيجية تهدف لتغيير قناعات الرأي العام الإثيوبي ودول المنطقة.
كيف ستتعامل أديس أبابا مع أجندة بن زايد وسمعة أبوظبي في المنطقة؟
بدايةً نقول إن هناك تغيرات متسارعة تشهدها إثيوبيا في عهد آبي أحمد، يتمثل أبرزها في إطلاق سراح آلاف السجناء السياسيين واحتواء المعارضين الذين كانوا مقيمين بالخارج، بالإضافة إلى سعي الحكومة لتحسين العلاقات مع الجارة العدو اللدود "إريتريا"، واتخاذ قرارات اقتصادية جريئة بخصخصة الشركات الحكومية.
وبنظرة سريعة، يبدو أن المخطط الإماراتي ليس سهلاً بدليل الزيارة المفاجئة لابن زايد والوفد الكبير الذي رافقه، لذلك فإن الحكومة الإثيوبية الجديدة وائتلاف "الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية" الحاكم سيكونان أمام تحد حقيقي تحمله أجندات زيارة محمد بن زايد غير المسبوقة التي تستمر يومين؛ إذ إنه من الواضح أن أبوظبي والقاهرة والرياض يراهنون على ضم إثيوبيا للحلف الإماراتي السعودي المصري ولعزلها عن السودان ودول الجوار التي ساءت علاقاتها مع أبوظبي "الصومال وجيبوتي".
ومن غير المحتمل أن تستجيب أديس أبابا لضغوط أخرى تحملها على تغيير موقفها من الأزمة الخليجية، وقيامها بقطع العلاقات مع قطر فذلك سيضر كثيراً بسمعة إثيوبيا وزعامتها للقارة الإفريقية، ولا نعتقد كذلك أن يكون لدى إثيوبيا مانع من افتتاح مكتب لقناة "سكاي نيوز عربية" أو غيرها طالما سمحت لقناة الجزيرة بالعمل من داخل البلاد.
صحيح أن إثيوبيا تسعى لجذب الاستثمارات الخارجية لإنعاش اقتصادها، ولكننا نرى أن رئيس الدبلوماسية الإثيوبية المخضرم "ورقينيه قيبيو" سيلفت قيادة بلاده إلى الاستفهامات الكبيرة التي توجه للدور الإماراتي في المنطقة وخلفيات طردها من جيبوتي ثم الصومال البلدين الجارين لإثيوبيا واللغط الكبير الذي يدور حول سياستها في اليمن وجزيرة "سقطرى" على وجه الخصوص.
كما أن المبلغ الذي قدمته أبوظبي "3 مليارات دولار" ليس كبيراً ولن يكفي لحل أزمات أديس أبابا حتى تتخذ لأجله قرارات مصيرية يصعب التراجع عنها مستقبلاً.
انزعاج شعبي إثيوبي من الزيارة
فور وصول محمد بن زايد عبّر نشطاء إثيوبيون عن مخاوفهم من الزيارة الإماراتية ودلالاتها.
بينما أشارت حسابات أمنية إماراتية بصريح العبارة إلى أن الدعم الإماراتي لإثيوبيا جاء لصالح مصر، وتخوفت "خلايا أبوظبي" من إمكانية إجهاض قطر لمخططات بن زايد إذا تحركت الدوحة بصورة عاجلة.
كيف ستواجه قطر ما يفعله بن زايد؟
إلى وقتٍ قريب، كانت الدوحة وإثيوبيا في حُكم الحليفين نسبة للزيارات المتبادلة بين أمير قطر ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق، ووقع البلدان على اتفاقيات يفوق عددها الاتفاقيات التي وقعها بن زايد مع القيادة الحالية وتتضمن تلك المعاهدات رفع الاستثمارات القطرية في إثيوبيا إلى 8 مليارات دولار، بالإضافة إلى إبرام معاهدة تعاون عسكري وصلت مرحلة جيدة من التنسيق بلقاءات لرئيس الأركان القطري مع القيادات الإثيوبية
ولكن يبدو أن الدوحة انشغلت مع ملف الأزمة الخليجية التي تقاتل فيها لوحدها بمواجهة تحالف شرس من 4 دول، وفي ظل التحركات الأخيرة لغريمتها "أبوظبي"، فإن قطر مُطالبة بتسريع ما تم الاتفاق عليه مع أديس أبابا خاصة فيما يتعلق بالجوانب الاستثمارية. والعلاقات لا تزال جيدة بين قطر وإثيوبيا فقد بعث آبي أحمد وزير خارجيته ورقينيه قيبيو إلى الدوحة للقاء الشيخ تميم بن حمد الشهر الماضي
ولذلك يُعتقد أن التحركات القطرية سيكون من شأنها إبقاء أديس أبابا على الحياد، وإفشال محاولات أبوظبي لتحقيق نصرٍ في القرن الإفريقي بعد الهزائم التي لحقتها في المنطقة.
تأثير التنازل الإثيوبي لمصر داخلياً وخارجياً
إذا عدنا إلى ملف العلاقات الإثيوبية ــ المصرية وما رشح عن تنازلات "غير مؤكدة" قدمتها أديس أبابا استجابة للضغوط الإماراتية، فإن الشعب الإثيوبي ــ الذي موّل السد وينتظر اكتماله بفارغ الصبر ــ ربما لن يقبل بتأخر تشغيله جراء الاستجابة لمطالب مصر التي تتضمن إطالة فترة ملء بحيرة السد لتكون 7 سنوات بدلاً عن 3 سنوات التي اقترحتها أديس أبابا وظلت متصلبة ورافضة التفاوض حولها طيلة الفترة الماضية.
كما يتخوف مواطنون إثيوبيون من سياسة التنازلات والمرونة غير المسبوقة التي أبدتها الحكومة الجديدة بقيادة آبي أحمد مع إريتريا ومصر.
خارجياً، ستفقد إثيوبيا حليفها السودان الذي ظلّ مخلصاً وداعماً لأديس أبابا في ملف سد النهضة رغم الضغوط التي مارسها السيسي على الخرطوم ورغم تقلب مواقف الحكومة السودانية فإنها ظلت وفيةً لإثيوبيا حتى لدرجة المشاركة في تأمين السد بقوةٍ مشتركة وتنسيق أمني وسياسي رفيع المستوى.
وإذا أردنا أن نقدم قراءة نهائية للزيارة غير المسبوقة لولي عهد أبوظبي إلى أديس أبابا وتقديمه للـ3 مليارات دولار فإننا نقول إن الرجل يُعوّل على كسب ود إثيوبيا المؤثرة إفريقيًا وضمها إلى صف أبوظبي أو تحييدها على الأقل من علاقاتها المتنامية مع أنقرة والدوحة؛ حيث ذكرنا من قبل أن إثيوبيا في عهد ديسالين كانت أقرب إلى محور "تركيا، قطر، السودان" في مواجهة محور "السعودية، الإمارات، القاهرة، إريتريا" وربما تحمل الزيارة مكايدات ورسائل لدول جوار إثيوبيا التي توترت علاقاتها مع أبوظبي "الصومال وجيبوتي".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.