لكل فترة من عمر أي شخص ما يميزها؛ فهناك مرحلة الطفولة، والمراهقة، والشباب، وغيرها.
قد تختلف كل مرحلة من شخص لآخر، ولكن هناك الكثير من الأشياء المشتركة التي يتقاسمها الأشخاص في فترات عمرية معينة.
تجاوزت سن الثلاثين بأكثر من عام كامل، مرت السنوات كومضات سريعة؛ طفولة، دراسة، انتقال من بلد إلى آخر، مشاكل عائلية، معاناة، دراسة، عمل، حب، انهيار علاقة، تخبُّط، جنون، فشل، نجاح، لا ثقة، ثقة، إرادة، أحلام، أحلام مؤجلة… إلخ، لكن الحياة ترفض أن تتوقف حتى وصلت إلى يوم عيد ميلادي الـ31.
كنت سعيد الحظّ، فلم يغزُ الشيب شعري بعد، وإن كنت قد ظننت يوماً أنه سيغزوه في بداية العشرينات، على الرغم من ذلك، ما زال لون شعري صامداً وإن بدأ الشعر نفسه في التساقط والاستسلام.
كيف كنت أنظر يوم أمس؟ وكيف أنظر اليوم؟! الفارق كبير جداً، فهذا الشخص الهادئ الخلوق الوطني المتدين "بطبعه" لم يعد هو هذا الشخص، لقد أصبح أكثر تمرداً، وأقل خُلقاً ووطنية وتديناً وهدوءاً -ظاهرياً على الأقل- تغيرت نظرتي وطباعي وصفاتي فأصبحت إنساناً آخر، سأحاول أن أسجّل أبرز ما لاحظته من تغيّرات، فربما تكون هناك بعض التغيرات المشتركة مع أبناء جيلي الذين تخطّوا سِن الثلاثين أيضاً.
* فبعد سن الثلاثين، تغيرت نظرتي للمرأة تماماً، وأصبحت أتعجب كيف اختزل الله الجمال والمشاعر في هذا المخلوق الرائع، فكم كنت غبياً عندما كنت أراها أقل شأناً وقيمةً وذكاءً! لعنة الله على مَن زرعوا هذه الخرافات في عقولنا.
* بعد سن الثلاثين، تغيّرت نظرتي للوطن، أحب الوطن؟! نعم. أكره الآخر؟! لا. سابقاً، كنت أرى انتصار الوطن في سحق الآخرين من حوله، أما اليوم فأنا أرى انتصار الوطن في إصلاحه من الداخل، لم أعُد أكره الآخر، لم أعُد أكره أي عِرق أو دِين أو جنس مختلف، كلنا سواء، وطني هو الجمال والحق والعدل، فأينما كانوا سأولِّي وجهي نحوهم.
* بعد سن الثلاثين، تغيّرت طريقة حياتي، بتُّ أبحث عن العيش بطريقتي، هي حياتي.. إذاً، فدعوني أصنعها بالطريقة التي أريدها، ربما أفسدها، ولكن أنا فقط مَن يسمح له بإفسادها، فهي ليست حياتكم لتفسدوها، نصائحكم جميلة لكن أرجو ألا تتجاوز حدود النصيحة.
* بعد سن الثلاثين، لم أعُد أبكي لموت أو فراق في أغلب الأحيان، لكنني أبكي لأسباب لا أفهم سبباً للبكاء عليها، لكنني أبكي وهذا شيء جيد.
* بعد سن الثلاثين، ما زلتُ أتمتع بصحة جيدة، ولكن عندما أعود عشر سنوات للوراء، ألاحظ فارقاً ضئيلاً على مستوى المجهود، والقدرة على السهر والتركيز، أحاول أن أقنع نفسي بأن الفارق ليس كبيراً، لكنني أعلم أنه سيتسع يوماً بعد يوم.
* بعد سن الثلاثين، أصبحت أتمنى أن يرزقني الله الإنجاب، لكنني أرفض خوض المغامرة إلا وأنا على يقين بأن الكائن الذي سيهبه الله لي وأهبه أنا للحياة، سأكون قادراً على أن أجعل منه كائناً أفضل منّي، فقد خُلقنا لنعمر الأرض ونرتقي بها نحو الأفضل، وليس العكس.
* بعد سن الثلاثين، لم أعُد أتمنى أن يرزقني الله بولد، ولكنني أصبحت مهووساً بأن يرزقني الله بأنثى، فتاة جميلة أعشقها بعد أن عشقت أمها، أتساءل: لماذا لم يقتصَّ الله ممن وأدوا بناتهم في الجاهلية؟! هل خلق الله أجمل من الأنثى؟! أشك، إذاً فلماذا لم يغضب الله لها؟!
* بعد سن الثلاثين، تتغير علاقتك بمن حولك، تتجنب المشاكل، تعرف من أين تأتي، تتوقف عن معاملة أصدقائك في المناطق الخلافية بينكم، تزداد حكمة، تدلل إخوتك الأصغر منك، وتحترم الأكبر منك، أنت تقف في المنتصف، تعطي فرصة وتدفع مَن هم أصغر منك، فقد كنت مثلهم يوم أمس، وتترفق بمن هم أكبر منك؛ لأنك ستكون مثلهم يوم غد.
* بعد سن الثلاثين، تتوقف عن معاندة والديك، فقد بدأ العد التنازلي للفراق. أنت تعلم وهم يعلمون ولكنكم تتجاهلون أو تتظاهرون بذلك.
* بعد سن الثلاثين، إما أن تندم على اختيار شريك حياتك، وإما أن تقنع بما اخترته وتستكمل الفيلم الذي بدأته بغض النظر عن جودته ومدى استمتاعك معه، أما إن كنت قد تأخرت عن الزواج مثلي، فأنت تعلم ما تريد، ترفض التسرع مهما كان الثمن، خبراتك السابقة هي التي تحركك، حبك القديم يزورك من وقت لآخر، تحاول طرده والبحث عن شخص جديد تتلاشى معه أخطاء الماضي، ربما يملأك بالخوف، ولكنك تتسلح بالنضج أيضاً، تتخلص من فتاة أحلامك النمطية التي كان تركيزك ينصبّ على جمالها، وأصبحت تبحث عن فتاة مختلفة، تبحث عن جوهرها أكثر من مظهرها، فأنت تؤمن بعد أن كنت تعلم أن الجوهر ثابت والجمال متغير، وشتان بين المعرفة والإيمان اليقيني.
* بعد سن الثلاثين، تقف في منتصف العمر، تحاول أن تسابق الزمن لتكمل أحلامك؛ لكي تستمتع بإنجازك في شبابك، تخاف أن تتسرب أحلامك منك، تقارن نفسك بأقرانك أين كانوا وأين وصلوا وأين أنت؟! تعاني مشاعر متفاوتة من الإحباط والقلق والتوتر، ولكنك تحاول، تعلم أنه لم يتبقّ الكثير من الوقت، فسنُّ الثلاثين هو فرصتك الأخيرة لاستدراك ما أهدرته مسبقاً، تحاول الاستفادة من دروس الماضي، لكنك تعلم أن الفرص أمامك لم تعُد كثيرة، فبعد عقد من الزمان لن تكون قادراً على خوض تجارب جديدة واتخاذ قرارات مصيرية تحمل طابع المغامرة بسهولة، فرص التغيير تظل موجودة حتى سن المائة، ولكنها بالتأكيد تتضاءل مع الزمن بشدة؛ لذلك عليك أن تصبح أكثر حذراً، فلكل خطوة حساب وثَمَن، ولم يعد هناك الكثير لتغامر به بعد سن الثلاثين.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.