نقرَت على تطبيق إنستغرام وأطلقت العنان لأصبعها يلامس شاشة هاتفها الذكي ويخرج في كل مرة صور فتيات أكل الماكياج ملامحهن وغيّرها، أخريات يرتدين أغلى الماركات ويضعن حلياً وجواهر باهظة الأثمان، حقائب يد من جلد التمساح، وأخرى صنعها كهل فرنسي بيديه، وأخرى مرصعة بأغلى المجوهرات.
نساء تنسدل شعورهن المخملية الملونة بالنحاسي والكستنائي والأصفر الطفولي والقمحي والأسود الفاحم، وأخريات في نفس القالب السالف الذكر لكن يضعن حجاباً. رغم اختلاف ما تلبسهن، فإنهن متشابهات كثيراً، الماكياج جعل منهن نسخات مكررة، نفس الوجه، لون العدسات، تسريحة الشعر، نفس Hollywood Smile، طريقة وضع الحجاب، نفس النظرة إلى الكاميرا، نفس البوزات، نفس الإكسسوار والحقائب والألوان والسراويل والأحذية، نفس الأطباق: فاكهة كيوي وكرزات وعليق وتوت بري وقليل من الحليب، إضافة إلى بعض الحبوب التي تنقص من الوزن.
كتاب "في قلبي أنثى عبرية" أو آخر لـ "باولو كويلو" فوق أريكة مخملية التقطت له صورة عند الظهيرة لتبدو أشعة الشمس أكثر. صورة من الخلف لها وزوجها يمسك بيدها ويصورها أمام جزر المالديف أو مكان من الأمكنة التي رسمتها لنا وسائل الإعلام وجعلت أحلامنا عَبَدة لها.
كلهن متشابهات رغم اعتقادهن العكس، وذلك يكمن في كونهن خضعن لنفس القواعد عن قصد أو عن غير قصد، وانطلت عليهن خدعة المظاهر بثقلها فجعلتهن لا يرين غيرها.. كل ما يلمع ذهب وألماس في نظرهن.
المشكل لا يتجلى هنا في الاعتناء الزائد بالنفس وتدليلها، بل يتجلى في خضوع المرأة لقواعد مجتمعية جديدة أكثر صرامةً وضغطاً في الوقت الذي اعتقدت فيه أنها تحررت من كل الشوائب المجتمعية التي كانت تشل حركتها وتمنعها من الإبداع والخروج عن القطيع، بيد أنها خرجت من قطيع لتنضم إلى قطيع آخر، في شكل وLook آخر، لكنه قطيع يُؤْمِن بنفس الفكرة رغم اختلاف مذاهبه، وتنطلي عليه خدعة الراعي الوهمي.
نظام يفرض عليك دون وعيك أن تصرفي مالك وما عليك لاقتناء أدوات ماكياج باهظة الثمن، أن تغيّري الأحذية حسب لون المعطف، أن تصبغي شعرك كل ثلاثة أشهر، أن يتخذ شعرك شكل قَصّة رغم أنك غير راضية، إلا أنها الموضة Trend ولا شيء يعلو على الموضة، أن تأكلي وتتقيئي كل ما أكلتيه لتقلدي عارضات الأزياء المصابات بـAnorexia وتحافظي على مظهرك ووزنك، أن تضعي Tatoo عِوَض شعر حواجبك الطبيعية، لتبدو أكثر بروزاً، أن تدفعي عشرات آلاف الدولارات لتحصلي على بسمة هوليوود المزيفة وتبدو أسنانك ناصعة البياض لامعة كالجوهر.
أن تصوري رِجليك منغمستين في حوض السباحة أو البحر، أن تأخذي صوراً كثيرة وأنت تفرضين على شفتيك وضع Duckface، أن تكلفي نفسك وتنفخي شفتيك بالبوتوكس لتبدو أكثر امتلاء وأنت لم تتجاوزي الأربعين من عمرك بعد، أن تقشري وجهك بالليزر في كل مرة، وأن تحقني كلاثيمك لتبدو أكثر نتوءاً، أن تضعي Permanent Make up لتظهري دائماً جميلة، أن تضعي وشماً على معصمك على شكل دلفين أو فراشة، أن يكون لك BFF خاصتك كما تفعل النجمات.
أن تقومي بالتسوق كل أسبوع وتلتقطي الصور مع مقتنياتك، أن تُطيلي أظافرك بطريقة مرضية وتسهري على جمالها كما لم تسهري قط على نظافة بيتك، ألا ترضي أبداً عن شكلك؛ لأنه لا يشبه جسد عارضات Victoria's Secret، أن تُشيري في كل مرة أنك تتناولين وجبة العشاء أو الغذاء في هذا المطعم الفاخر أو ذاك، أو أنك تقضين عطلتك في Palace كذا، أن تلبسي أنت وزوجك وطفلك نفس الملابس والألوان وتضحكوا أمام الكاميرا؛ لتكونوا بذلك تلك الأسرة المثالية التي تنتهي بسمتها مع الضغط على زر الكاميرا، أن تفعلي الكثير من الأشياء لتظهري مكتملة الأركان خالية من العيوب والأخطاء أمام الصديقات والأهل وكل مَن تظنين أنهم سيحترمونك؛ لأنك تعتنين بشكلك "زيادة".
أعطِ لنفسك حق الخطأ، وحق الفوضى، وحق عدم وضع الماكياج كل يوم، أريحي بشرتك ومسامها من طبقات الماكياج الثقيلة وعينيك من العدسات اللاصقة الملونة، وأصابعك من الأظافر الاصطناعية، أحبّي نفسك بهالاتك السوداء وبثور بشرتك.
عيشي الفوضى من حين لآخر ليترتب داخلك، الفوضى مريحة أحياناً تساعد على مراجعة النفس ووضع النقاط على الحروف، الحياة ليست بالضرورة دالّة خطية معاملها موجب، الحياة دالة مثلثية فيها صعود ونزول، فيها جمال وفوضى، فيها قمة وسفح، أبيض وأسود، فراشات وديدان.
لا تنغمسي حتى الأذنين في عالم المظاهر ولا تدمني أشياء زائلة لن تغيًر فيك شيئاً غير مظهرك، لا تجعلي أغلى شيء فيك ملابسك، هناك أشياء أعظم لا تُشترى بمال.
لا تنجرفي وراء تيار يظهر لك أن الحياة بسيطة بساطة أحمر شفاه على شفتين وصعبة صعوبة Eyeliner فوق العينين.. لا تصدقي مجانية المواقع الاجتماعية التي تجعل في نظرك كل شيء سهلاً وجميلاً ومجانياً.
تأكدي سيدتي.. إن كانت الخدمة مجانية فاعلمي أنك السلعة.
تحدّي نفسك وتخطيها واجعلي لها تحديات تتخطى جدران الإنستغرام وسنابشات، اقرئي كتباً غير "أحببتك أكثر مما ينبغي" و"في قلبي أنثى عبرية"، اكتشفي خبايا نفسك وكوني مستقلة، تخلَّي عن وسائل التواصل الاجتماعي متى شئت وعودي لها متى أردت إن كان لك غرض النهل من منافعها، ابحثي عن العمق وكوني عميقة المعنى والغاية، سافري دون أن تنشريها، لا تجعلي من نفسك عبدة لأشياء زائلة، عيشي اللحظة وركّزي على عيشها أكثر من السهر على توثيقها وأخبار الآخرين بذلك.
كوني أنت كما أنت، وُلِدتِ فريدة الجينوم والبصمات، فلا تصيري نسخة، لا تشبهي أحداً أو موتي وأنت تحاولين.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.