واحد من الأفلام التي عوّلت عليها أن ترسم الحدث في 2018 وأدرجتها ضمن قائمة أكثر الأفلام انتظاراً هذه السنة بسبب ثلاثة أشياء، أولها المخرج دونكان جونز Duncan Jones الذي قدم فيلمين يُعتبران النخبة في الخيال العلمي والدراما؛ فيلم Moon من سنة 2009 الذي يُعتبر من أفضل الأفلام التي ناقشت موضوع السفر إلى الفضاء، والثاني Source Code من سنة 2011 الذي يُعتبر من أذكى الأفلام في الآونة الأخيرة التي تتحدى المشاهد على فهمها.
السبب الثاني الذي جعلني نتوق لهذا الفيلم، هو طريقة تصويره والجانب المرئي الجذاب من خلال مشاهدتنا للتريلر منذ إصداره قبل ثلاثة أسابيع من طرف نتفليكس؛ الشركة الموزعة للفيلم، والذي يشبه كثيراً أفلام Blade Runner. ثم أذهب إلى السبب الثالث الذي يكمن في ملخص قصته الفريد؛ حيث أصابتنا التخمة من أغلب القصص الهوليوودية المستهلكة التي أصبحت تُنتج في السنين الأخيرة، مما جعلنا نتحمس بشكل كبير لفيلم Mute هذا، لكن.. أتعرف ذلك الإحساس الذي تشعر به بعد خيبة أمل من شخص ما؟ بالظبط هذا هو ما سيجعلك هذا الفيلم تشعر به، خصوصاً إن كنت من الذين كانوا ينتظرونه بشوق هذه السنة.
لكن قبل ذلك، ما هو هذا الملخص الفريد الذي يَعِد به الفيلم المُشاهد؟ تدور الأحداث في مدينة برلين في زمن مستقبلي حول نادل في حانة، يسمع ولا يتكلم (أبكم) بسبب حادثة تعرض لها عندما كان صغيراً؛ حيث سيثور ضد أفراد عصابات مدينته باحثاً ومحاولاً معرفة ما الذي جعل حبيبته تختفي فجأة رغم أن علاقتهما كانت جد قوية.
هذا الملخص قد يبدو للبعض كقصة جدّ فريدة ستناقش الأمور من منظور مُغاير، لكن للأسف، لا يوجد هناك أي شيء ليتم مناقشته! الفيلم بأكمله؛ بكل معالمه ومؤثراته البراقة وزمنه المستقبلي، يدور حول موضوع الحب والانتقام! لا شيء أكثر. الموضوع المُستهلك الذي رأينا مثله في جميع الأزمنة وفي جميع الأماكن؛ في السينما، في الواقع… لو كان الفيلم سيناقش هذا الموضوع بمفهوم مختلف وفريد كان سيكون مقبولاً، لكن المخرج وكاتب السيناريو أخذ موضوع الحب والانتقام وقام بحشوههما في زمنٍ مستقبلي بمؤثرات ومناظر مثيرة لا علاقة لها بالموضوع. لو أخذنا هذا الفيلم وحذفنا منه هذا الطابع المستقبلي وتلك المنظار التكنولوجية الخلابة، لن يُشكل الأمر أي فرق! ما الذي أضافته هذه اللمسة المستقبلية إذا؟ لا شيء!
أذهب لشيء آخر جعلني فعلاً أكره الفيلم؛ كثرة الدعارة والشواذ وبائعات الهوى بدون معنى أو صلة وثيقة بقصة الفيلم، ينتابك شعور وكأن المخرج أراد أن ينشر شاذاً هنا وبائعة هوى هناك… فقط من أجل أن يملأ قصته الفارغة! كما تشعر أيضاً وكأن النساء لا قيمة لهن في هذا الفيلم!
أضف لذلك، لماذا بطل الفيلم أبكم؟ هل من معانٍ عميقة وراء هذا الاختيار؟ هل إذا قمنا بتغيير شخصية الأبكم بواحدة أخرى تسمع بشكل عادي سيكون هناك فرق؟ لا، لن يكون هناك أي فرق؛ لأن القصة أصلاً ليست بالعميقة في أفكارها ومعانيها؛ لكي تحملك إلى مستوى آخر من المشاهدة.
الشيء الوحيد الذي يُحسب للفيلم هو أداء الممثلين الرئيسيين الذين كانوا في المستوى وحاولوا إنقاذ السفينة، لكنها سفينة غارقة لا محالة؛ لأنها مليئة بالثقوب، ثقوب لن يستطيعوا إغلاقها بأداءاتهم الجيدة؛ لأنه إن غابت القصة غاب كل شيء، فهذه الأخيرة تُعتبر الركيزة الأساسية التي يستند عليها الفن السابع، حتى ولو كانت باقي العوامل مثالية.
أظن أن نتفليكس تُعتبر جيدة في مجال المسلسلات؛ حيث إنها قدمت لنا إنتاجات تلفزية معتبرة وكثيرة، لكن في مجال الأفلام ليست لها رؤية مُحدَّدَة حول الجودة، فقط العديد من الأعمال الفاشلة والتي تُعتبر من أكبر إنتاجاتها مادياً، على سبيل المثال: فيلم Bright صاحب الميزانية الضخمة التي وصلت لـ90 مليون دولار لكنه كان عملاً سيئاً.
فيلم The Cloverfield Paradox الذي كان لا بأس به إلى سيء نوعا ما، حيث اشترته من شركة Paramount Pictures بأكثر من 50 مليون دولار!
شركة نتفليكس تعتبر منصة واعدة في مجال مشاهدة وإنتاج الأعمال السينمائية والتلفزية، لكن يجب أن يغيروا فلسفتهم التي تدور حول توزيع الأموال بدون مراقبة للجودة، فقط لأنهم يحصلون على أرباح طائلة من خلال المشتركين في موقعهم لا يعني معاقبة عشاق الفن السابع بأعمال ضعيفة المستوى.
تقييمنا للفيلم: 5/10
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.