شكّل شهر رمضان هذه السنة تحدياً للمهاجرين الذين يعيشون في ظروف صعبة داخل مخيم تينغ خالي بكوكس بازار في بنغلاديش، في حين أن بعض المؤسسات الإغاثية وعلى رأسها "منظمة الإغاثة الإسلامية الدولية" (IRI) توزع بعض المساعدات الإنسانية ولو بكمية قليلة وتبذل ما في وُسعها لتأمين ظروف أفضل للصائمين، ولكنها لا تكفي لعدد كبير من المهاجرين.
فهذا أول رمضان بعد بداية أزمتهم، ورغم شدة أزمتهم وقلة طعامهم وشرابهم وكثرة مصاعبهم يصومون في رمضان، ومع حلول شهر رمضان ازدادت مأساتهم؛ حيث يعيشون على المعونات المقدمة من الجمعيات الخيرية في مخيم للاجئين بمحافظة كوكس بازار في بنغلاديش.
يحكي هاشم البالغ من العمر 12 عاماً وهو من أطفال الروهينغا عن أيامهم في رمضان التي قضوها في بلادهم ميانمار التي تركوها، بل يحسن بنا أن نقول: "اضطروا أن يتركوها".
كيف كان رمضانكم في ولاية راخين في ميانمار؟ قال لنا هاشم: "قضينا أيام رمضان الماضية في البيئة الجميلة، قضينا أكثر أوقاتنا الفارغة في الجلوس مع الأصدقاء والعائلة، وكنا نستلم هدايا جميلة بمناسبة رمضان من الأصدقاء والأقارب، ونصلى جميع الصلوات في المسجد، وفي الحقيقة كانت هذه الأوقات أفضل أوقات حياتنا".
وردّ هاشم على سؤال كيف أنتم الآن؟ حيث قال: "كيف نكون بخير؟ فهذه ليست بلادنا، لا نجد ما نحتاج إليه، الطعام غير متوفر والمياه غير متوفرة، لا نستطيع الاغتسال أياماً طويلة بسبب عدم توفر المياه، نقضي أيامنا ببؤس وحزن شديد، وقد قضينا أيامنا الماضية في أطباق اللحوم والأسماك والملابس الجديدة في رمضان، والآن أيام رمضان صعبة جداً، لا يمكننا هكذا القيام هنا؛ لأننا لا نملك المال والأرض ولسنا في أرضنا ووطننا، ولا يمكننا كسب المال لأننا لا نملك الإذن".
"وقد مُنعنا من العمل، وأحاطتنا أكثر من 20 من نقاط التفتيش العسكرية لمنعنا من مغادرة المعسكر الذي أصبح أكبر مخيم للاجئين في العالم، نعتمد فقط على الجمعيات الخيرية بشكل أساسي من أجل الحصول على الغذاء والدواء والملابس ومواد الإسكان، نعيش على مسافة بعيدة من المصالح الإنسانية؛ حيث نضطر أن نمشي أكثر من ساعة في جو حارق للوصول إلى أقرب سوق".
وأضاف أن العديد من الشباب الروهينغا قلقون أيضاً بشأن عدم تناول الطعام والمياه وسط ارتفاع درجات الحرارة في المخيم، مشيراً إلى أنه وأصدقاءه كانوا يشعرون بالسعادة في الماضي بحلول رمضان؛ حيث كانوا قادرين على الراحة في الظل بين الأشجار في أثناء الصيام.
وأضاف قائلاً: "نرغب في الذهاب إلى بلادنا، ولكن كيف نذهب؟ فهناك فظائع ومذابح، وعندما أفكر في التعذيب الذي تعرض له إخواننا الصغار أترك رغبة الذهاب، أتذكر الآن أيضاً أن بوذياً عذب طفلاً صغيراً للروهينغا بصاعق كهربائي، فبكى بكاء شديداً يدمي كل القلوب، ويظهر مقدار الحقد والكراهية ضدنا نحن المسلمين في ولاية راخين، هكذا الأطفال يتعلمون الاستقامة أمام الظروف القاسية الصعبة للحياة، فهم يستيقظون بالاستماع إلى بكاء المولود الجديد، وينامون أيضاً بهذا البكاء".
وهكذا كثير من الأطفال في سن هاشم يحلمون بقضاء شهر رمضان في قريتهم ولكنهم يخافون العودة إلى بلادهم، بل يتذكرون حوادث تقشعر لها جلودهم، فرمضانهم هذا بمثابة تذكير مريع بكل ما فقدوه منذ نزوحهم من ميانمار؛ حيث قال أحد الأطفال: "هنا لا نستطيع أن نتحمل تكلفة شراء الهدايا ولا نملك طعاماً جيداً؛ لأنها ليست بلادنا".
وعلى الرغم من كل هذه الصعوبات، فإن هاشم يعد من المحظوظين الذين تمكنوا من الاحتفال برمضان مع أسرتهم، فهناك العديد من الأطفال الروهينغا الذين يقضون رمضان ليس فقط بعيداً عن المنزل، ولكن وحدهم أيضاً، حيث عبر الآلاف من الأطفال إلى بنغلاديش دون أبوين أو انفصلوا عن عائلتهم في الفوضى أو تيتموا بسبب العنف والمرض الذي أحاط بعملية النزوح الجماعي من ميانمار، فهم لسوء حظهم سيكون هذا أول رمضان يحمل ذكريات سيئة، وهم لا يعرفون إلا التراب والطين والغبار فقط، وسيحتفلون بعيداً عن منازلهم ودون آبائهم أو أصدقائهم".
ربيع الإسلام، أحد المهاجرين يعيش في مخيم تنيغ خالي، تكلمنا معه عن رمضان فقال: "إننا نكمل الآن صلاة التراويح تحت الأمطار بعد أن هدمت وحرقت مساجدنا"، وأضاف: "إننا نحن شعب الروهينغا ما زلنا نتذوق مرارة المظالم والاضطهاد عبر الزمان بسبب أننا مسلمون"، وأضاف: "لا يمكننا الصيام هنا كما كنا نفعل في بورما؛ لأن الجو حار جداً ولا توجد أشجار، فقماش الخيم يزيد من حرارة الجو، سيكون الأمر صعباً للغاية، وعلى الرغم من هذه المصاعب، فإننا لن نتخلى عن تقاليد ديننا"، وصرح لنا: "الصيام صعب تحت هذه الشمس الحارقة، ولكننا نصوم".
وتقول فاطمة البالغة 25 سنة وتنتظر ولادة ولدها في غضون بضعة أشهر: "الطعام الذي يقدم إلينا كل يوم لا يمكننا تناوله، كيف يمكننا صوم رمضان مع هذا الطعام؟ الأكل ليس جيداً خصوصاً للنساء والأطفال والحوامل، ومع هذا نصوم، ولكننا قلقون بشأن مصير مئات الآلاف من أطفالنا، نحن نواجه المشاكل أكثر من الرجال في قضاء حاجاتنا واغتسالنا؛ حيث نضطر للحصول على مياه الشرب إلى الانتظار في طابور أمام حنفية الحمام في المخيم".
وشكا العديد من الصائمين من شدة الحرارة، فيقولون إن في شمس الصيف الحارة تصبح الخيام ساخنة جداً ما يجعل البقاء بداخلها أمراً صعباً؛ لأنهم يعيشون في أكواخ الخيزران والقماش المشمع على المنحدرات الترابية، وفي الوقت الذي يعترفون فيه بأنهم محظوظون بالهرب، إلا أن العديد منهم يشعرون بالقلق مع حلول شهر رمضان، بسبب نقص الغذاء والأموال وارتفاع درجات الحرارة.
والجدير بالذكر أن 700 ألف من الروهينغا فروا من بلادهم إلى بنغلاديش في مواجهة العنف الشديد من جيش ميانمار منذ 25 من أغسطس/آب الماضي، جميعهم يعيشون في مخيمات مختلفة في كوكس بازار في الكثير من المتاعب، ووصفت الأمم المتحدة حملة الجيش ضد الأقلية المضطهدة بأنها تطهير عرقي، وتعتقد أن الآلاف من مسلمي الروهينغا ذبحوا في هذه الحملة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.