ما بين مثالية عادل إمام والوجه القبيح لشيرين رضا وواقع الصحافة الفلسطينية

عدد القراءات
6,059
عربي بوست
تم النشر: 2018/06/11 الساعة 11:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/11 الساعة 06:04 بتوقيت غرينتش

مسلسل عوالم خفية لعادل إمام هو الأفضل حتى الآن، المسلسل الوحيد الذي أتابعه بعشرين دقيقة لا خمسة، وبالرغم من بساطته إلا أنه يعطيني بعض الأمل. فعادل إمام (هلال) يقوم بدور الصحفي الحر. يعمل في صحيفة معارضة تبين فيما بعد أنها مملوكة لجهات مشبوهة بالخارج تروج لأفكار غير سليمة (المثلية)، ثم تقوم الحكومة بالاستيلاء على هذه الصحيفة.

هناك سم بالعسل طبعاً، تحديد المثلية كآفة اجتماعية مستوردة، واستيلاء الأمن الوطني على الحصيفة يظهر وكأنه إنقاذ وتخليص، ومع هذا يقوم هلال بكتابة كلمته الحرة.

الحقيقة أن هناك ما يجعلني أتابع ببعض الأمل، بأن الكلمة الحرة تنتصر بالنهاية، وتصبح مدرسة بحد ذاتها. وفي هذه الحالة تسقط التفاصيل، فلا يهم إن كان الممول معارضة أو حكومة، لطالما أنك تكتب بحرية وما تريد.

هل هذا صحيح؟

كلنا نقنع أنفسنا بهذا حتى نقع في تضارب المصالح. ولكل حقيقة وجهان، وكل يرى وجه حقيقته هو الحقيقي والصواب.

في فلسطين، إن حرية الكلمة مقموعة وأسيرة وفي كثير من الأحيان مرتبطة بلقمة العيش للمساكين وبالمصالح للهاوين المحترفين. ولا يمكن بطبيعة الحال تسمية الإعلام في فلسطين إعلاماً، ولا الصحافة صحافة. فالمتغيرات في عالم الصحافة والإعلام كبيرة، ولا نزال هنا نراوح في مفاهيم الصحافة كما يعكسها لنا مسلسل عادل إمام.

في بلاد لا يوجد فيها حرية للحركة وقمع الحريات وارتباط لقمة العيش بالممولين والبنوك، لا يمكن إلا التغني بشعارات، كما حالنا العام، خطابية ومدوية، كقرع الطبول.

قبل أشهر كانت الحملات لحرية التعبير والنداءات لرفض الفصل التعسفي للصحفيين إثر قضية صحافيي تلفزيون النجاح، تبدو وكأنها مهمة. ولكنها انتهت ولا نعرف ما الذي حل بالإعلاميين المفصولين؛ تغريدة، فهاشتاغ، فحملة، فمؤتمر صحفي، فارتدادات، فسكوت محكم..

ونحن الجمهور نصفق أو نلطم.. المهم أننا نستخدم كفّينا للتعبير عن مصابنا أو انتصارنا.

في المقابل، مسلسل يسرا "لدينا أقوال أخرى" وهناك نموذج مرعب للحقيقة، وهو يد شيرين رضا التي تقوم بدو إعلامية شهيرة وصاحبة نفوذ كبير، بالظاهر تقوم بأعمال إنسانية ببرامجها الشهيرة ومحطتها التلفزيونية، وفي الداخل تقوم بأعمال جرائمية تفوق الجريمة المنظمة، وكأنها شبكة إجرام منظم متعدد بحد ذاتها.

خفايا حياتنا وما يظهر منها، تجعلنا نعيش هذه الحالة من الرياء والغش والاستبداد.

موضوع الصحفي مثنى النجار الذي تمت إقالته تعسفياً، وسحب الإقالة يؤكد أن أهم ما يحصل في قضايانا ينتهي بمصلحة ذاتية. استوقفني منشور لصحفي بغزة، عامر بعلوشة يقول فيه : "عدنا كما كنا قبل انطلاق الثورة الفلسطينية، طوابير من المتسولين".

وقد تكون الثورة في وعي هذا الشاب لا تتعدى ما عاشه من عمره اليافع؛ لأن ثوراتنا كثيرة كمصائبنا الأكثر. كيف تحولت شهادة رزان النجار إلى مادة استهلاكية من كل الاتجاهات، لا تقتصر المأساة على الفصائل، ولكن كل من يتعلق على حبل يصبو فيه شهرة، تحولت الشهيدة إلى مادة استهلاكية من قبل كل من يمكن أن يقرن اسمه بها.

بين مسعفة أخرى تريد كعك القدس كأمنية حياة، وبين صحفي قريب للشهيدة نقل الجنازة مباشرة على صفحته وليس على صفحة الجريدة التي يعمل بها، فكلفه هذا وظيفته، ورجوعه للوظيفة، تبقى الحقيقة مائعة، وتضيع فيها قضايانا المحقة والمستحقة.

تبقى الحقيقة حقيقتين في واقع أغلى ما فيه لقمة العيش ومصلحة لا تتعدى الفرد تكون هو الوطن.

ولا يمكن لوم أحد هنا.. فعندما يصبح العيش مقروناً باللقمة، تسقط كل الحجج، وتذوب المبادئ، ويبقى وجودنا بين مصفق ولاطم هو فصل المقال لأصحاب المقامات.

 رمضان كريم!

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
نادية حرحش
كاتبة وباحثة
تحميل المزيد