في زمننا.. هل تحول الوعي إلى نقمة؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/11 الساعة 11:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/11 الساعة 11:01 بتوقيت غرينتش
Man holding a pencil, looking up and thinking. Stylized silhouette isolated on blue background.

منذ ولادتنا في هذه الحياة واكتساحنا العالم من أجمل أبوابه (بطون أمهاتنا)، منذ فتح أعيننا على الأشياء والمعاني، منذ تقصِّينا عن المفاهيم والمباني- دخلنا في طور الوعي طوعاً وكرهاً..

تمر السنون بجميلها وقبيحها، بتراكماتها ورواسبها.. يصمد الوعي بمفاهيمه الطيبة، بينما يُصدم من جهة أخرى بجروح الواقع وحوادثه الأليمة.

ينضج الإنسان وتقوى مداركه. تتماشى هذه الأخيرة مع محيطه وتغيُّرات حياته وظروفها.. تتالى الفرحات والخيبات، تصقل الحياةُ شخصيةَ الواحد منا في اليوم ألف مرة.

بيد أن هناك من يسقط في فخ الرفض قسراً، وهناك من يهوي إلى الجنون حتماً. بينما يتقلَّب آخر في محاولات بائسة ليطفئ حرائق الاكتئاب. ومنّا أيضاً عكس ذلك تماماً؛ منا من يقرر فجأةً أن يتلاشى، أن يترك الصراع، منهياً بذلك الإدراك.. فيموت انتحاراً.

كلٌّ يتغير، وكل يتخيَّر.. كلٌّ يرِد الفعل قهراً على نفسه كان أو على غيره. وتلك هي إجمالاً حقيقة البشر. هذا لو أزلنا عنها طبعاً مساحيق الزينة البلهاء.

فهل يؤثر الوعي حقيقة في ذواتنا؟ أم ذواتنا هي موطن التأثير فيه؟

السؤال في ذاته يحتاج شرحاً يخصه؛ [كيف؟] تخيَّل أنك تنظر إلى لوحة زيتية لفنان معروف.. يمكن أن ترى في هاته التحفة الفنية الجمال أو القبح، الشر أو الخير. سؤالنا هنا هو: هل حقيقةُ ذاتك أثَّرت فيما رأيته؟ أم أن ما رأيته أثَّر في ذاتك؟

هل مثلاً، إن كنت سعيداً فسترى الأشياء والصور والعلاقات والمفاهيم سعيدة؟ أم أنك عندما رأيت أشياء وأحداثاً حزينة أثَّرت فيك فحزنت؟

لقائلٍ أن يقول إن الاثنين صحيحان، فنحن نؤثر ونتأثر،

نغيِّر ونتغير..

لكن، ماذا لو عرفت إن فكرت وهلة في أن أغلب البشر [هذا إن لم نقُل كلهم] يريدون السعادة والفرحة مثلك أنت تماماً. لا يريدون ألماً ولا حروباً ولا تشريداً ولا تقتيلاً ولا وجعاً. فلماذا حقاً لا تؤثر نياتنا وحقيقتنا في وعينا؟ لماذا تأثير الوعي فينا أقوى من تأثيرنا فيه؟ كم شخصاً تعرفه هزم مداركه وألقى بنظرته الداكنة التعيسة في سلة المهملات؟ كم شخصاً غيَّر وعياً، غيَّر نظرة وأنتج فكراً سليماً كما يشاء ويشتهي، فكراً يطمئنه، وعياً يعيش به، سعادة لا يرى غيرها فيه؟

أليس ضعفنا معشر الإنسان ومحدودية تأثير ذواتنا في وعينا وإدراكنا سبب تعاسة أغلبنا؟

ألا يتحول الوعي إلى نقمة رعناء ها هنا في هذا الموضع؟

أليس من الأحسن لو كنا مخدَّرين محشِّشين وغائبين عن الوجود عقلاً وروحاً؟

ولكن، أليس العقل تكريماً من الله لمعشر البشر وبه خاطَبنا؟

ألا يدل هذا على أنه (الوعي) أحسن وأرقى وسيلة لإدراك الحق وتمييز الباطل؟

أليس العقل المميِّز المدرك الواعي لنعم الحياة وجمالها، أكمل الآلات التي تمنح المرء تفاصيل التفكر الرائع والنمو البديع؟

ويمكن أن يجعل من الجمال المجرد قصوراً وزينة وعوالم رائعة تسلب الأذهان؟

إن الوعي الناجح يستطيع أن يحوِّل الواقع القميء إلى جنة مزدانة بالإيجابية المطلقة، لا محالة.

ويستطيع بعث الأمل في أحلك الظروف مهما كانت، ويخرج الإنسان من كبرى الخيبات وأعتى المصائب.

لكن بين هذا الطرح وذاك، لا يمكن أن تكون ثمرة حديثنا هذا سوى أن الوعي أداة قوية فعالة نافذة. استعملناها في السلب أو الايجاب، أو دحضناها بتاتاً وخدَّرناها كما يخدِّر المدمن حواسه. فالإنسان هو الذي يتحكم في قراراته، في رؤاه، فيما يريد أن يرى أو ما يريد أن يغض عنه الطرف.

فخيار الحياة من عدمها أشبه بخيار السعادة والألم.

رغم أن معرفة أنفسنا واكتشاف خباياها، نقاط ضعفنا ونقاط قوتنا، ليس بالأمر الهين واليسير. لكن الإنسان يبقى مدعواً إلى اختيار التفاؤل والسعادة، اختيار الفرحة وترك آلام الماضي وهواجس المستقبل. ولذلك، كان لزاماً عليه تمرين ذاته على كل ما له علاقة بالإيجابية والأمل. حينها يستطيع التحكم في وعيه.. يستطيع أن يصم أذنيه على ما لا يَعنيه، يستطيع أن يفتح قلبه لما يُرضيه.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
جميل بوزيدي
كاتب ومدون
كاتب ومدون حاصل على الإجازة العليا في التحاليل البيولوجية الطبية. أحب الكتابات الإيجابية والبحث عن الأمل والتفاؤل في هذا العالم .
تحميل المزيد