إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون. هذا ما نقوله كمسلمين عندما يموت الناس. هذه العبارة تُساعد على تخفيف آلام الخسارة بإدراك أنَّ هذا العالم عابر، وذلك الشعور بالخسارة يتضخم اليوم مع حزن العالم على وفاة أنطوني بورداين.
قابلتُ توني في عام 2008 عندما جاء لتصوير حلقة من برنامج "No Reservations"، وهو برنامجه المُمتع عن السفر والطهي، في مسقط رأسي في السعودية. كان مختلفاً تماماً عن شخصيته التليفزيونية، كان مضحكاً، ولكنَّه كان أيضاً جذاباً، وطيباً، وخجولاً. أتذكر أنَّه قال لي إنَّه كان خائفاً مني، وما زلتُ غير متأكدة من السبب وراء ذلك، وعندما سألته عن الأمر، نظر إلى أسفل بخجل، وأكد أنَّه كان كذلك. لم يكن هذا الرجل مغروراً كما يُصوَّر على شاشة التلفزيون.
كانت الحلقة التي صورها جزءاً من منافسة للمُعجبين ببرنامجه فُزت بها، ودعوته إلى المجيء إلى جدة حتى آخذه في جولةٍ بالمدينة. كانت ابنته آريان قد وُلدت مؤخراً، وكان متردداً للغاية في مغادرة ولاية نيويورك الأميركية لأنَّه لم يكن يريد أن يُفوت لحظةً واحدة معها. لكنَّه قرَّر أن يأتي في النهاية، واستقبلته عائلتي وأصدقائي بحب.
ولم تكن السعودية تحظى بأفضل سمعة في ذلك الوقت. كانت الأخبار الوحيدة هي عن الإرهاب، أو حقيقة أنَّ النساء لا يستطعن قيادة السيارة، أو بعض القصص الأخرى ذات البعد الواحد لا تمثل البلد بدقة. وبصفتي صانعة أفلام، فإنَّ رواية القصص أمرٌ مُهم للغاية بالنسبةِ لي، وكنت متحمسةً لأنَّني سأتمكن من أن أُظهر لتوني رؤيةً أكثر واقعية عن وطني.
قضيتُ حوالي أسبوع مع توني نتجول ليرى جدة ومعالمها. ضحكنا كثيراً، وبالطبع أكلنا. كان دائماً متفتحاً وودوداً للغاية. شارك خبراته حول حياته، وأسفاره، وإدمانه، وعائلته. وتحدثنا حتى عن حيواناتنا الأليفة، بينما كنا نقود السيارة إلى مواقع مختلفة أو في انتظار تجهيز الكاميرات.
أعتقد أنَّه على الرغم من جميع رحلاته، كان لا يزال مُتفاجئاً بعض الشيء بما يراه هنا في السعودية. وعندما قال زوج شقيقتي مزحةً حول كون أحد الأطباق هو حساء أصابع قدم الجمل، نظر توني حوله وهو غير مُتأكدٍ مما إذا ما يقوله حقيقي أم مُزحة، حتى رآني وأنا أُبدي امتعاضي وبدأ الجميع يضحكون. لقد عاش كل شيء بعقلٍ وقلب متفتحين، ونقل رحلته بشكلٍ جميل للغاية في الحلقة.
أتذكر عندما طلب مني عدم قراءة التعليقات عند بث البرنامج، فقد شعر بأنَّ الناس يتسمون بالقسوة عادةً وهم يعلقون في مأمنٍ من وراء شاشة الكمبيوتر. ولكن عندما بدأت الحلقة، كانت ردة الفعل إيجابية للغاية. كان الناس من جميع أنحاء العالم يعرفونني بسبب صوتي، وضحكتي، والطريقة التي استعملتُ بها يدي لتناول الطعام. وكانوا يأتون ليلقوا عليّ التحية كثيراً عندما كنتُ أسافر، وكان هناك أناسٌ يشكرونني لأنَّني أظهرت جانباً من السعودية لا يتسنى لمعظم الناس رؤيته. وحتى هذا اليوم، بعد 10 سنوات، ما زال بعض الناس الذين أقابلهم يخبرونني أنَّ الشيء الجيد الوحيد الذي يشاهدونه على الإنترنت حول السعودية هو حلقة برنامج "No Reservations". وبلغني بأنَّها كانت الحلقة الأكثر مُشاهدة من بين أي برنامج على قناة السفر التلفزيونية في ذلك الوقت. كان الناس مُتعطشين لقصصٍ حقيقية من السعودية، عن السعوديين الحقيقيين، وأعطانا توني صوتاً أخيراً.
لم يكن السعوديون الوحيدين الذين أعطاهم توني منصةً ليتحدثوا من خلالها. خلال حلقاته الـ142 من برنامج "No Reservations"، و 89 حلقةً من برنامجه "Parts Unknown"، اقترب توني من رواية القصص بتقديرٍ للبشرية وتعاطفٍ لا حدود له، وهو أمرٌ نادر في عالمنا الذي يزداد انقساماً. وتشارك الناس من مُختلف البلدان والخلفيات، وبعضهم كانوا على خلافٍ كبير لقُرون، الاحترام المُتبادل لتصويره الصادق للثقافات التي أحبوها. كان قادراً على الانتقال ما بين التوقير والاستخفاف في جملةٍ واحدة، وكان خبيراً في تحديد ما هو مهم، وما لم يكن. كان يعرف أنَّ الطعام يتمحور حول رواية قصة، وكان يترك الطعام، والأشخاص الذين صنعوه، يتحدثون عن أنفسهم.
لقد أنعم الله عليّ بإمضاء هذا الوقت مع توني. وأنا مُمتنةٌ له أكثر مما سيعرف على الإطلاق لأنَّه شارك قصتنا مع العالم.
– هذا الموضوع مترجم عن مجلة Elle.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.