عن الفتاة التي حالوا بيني وبينها ومنعوني من زواجِها!

عدد القراءات
673
عربي بوست
تم النشر: 2018/06/09 الساعة 07:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/09 الساعة 10:30 بتوقيت غرينتش
Illustration of different views on life

حَزَبَ الشابُ أمره مقرِّراً الزواج، طالباً العفة في زمنٍ سادت فيه الموبقات، وراجياً الحصانة في زمنٍ زلَّت فيه أقدام كثيرة بعد الثبوت. بدا الشاب متأثراً بحديث الدين والأخلاق وبأن المتفرِّدات ما زلن على قيد الحياة رغم شيوع العوام، بدا الشاب غير مكترثٍ بسواد المادة وطغيانها وتصدُّر المظاهر وإيثارها، طغى على وجدانه "إمامة المتقين" و"نصف الدين"، متأثِّراً بنماذج ما زالت مُلهِمة على مر السنين.. إلا أن ثمة ما لم يكن في الحسبان.

ذهبت أحلام الشاب سُدى فور اطلاعه على قائمة من المطالب مما لا طاقة له بها حتى يصبح لائقاً لأمر الزواج، بدا صهره حاسماً في عرض مطالبه أو بالأحرى شروطه، زاعماً أن ذلك من شأنه تعزيز الفتاة وأننا نستدعي الشرع فيما نراه ونُقصيه فيما لا نراه، لم يجُل بخاطر الشاب أن ما يملكه من رصيدٍ دينيٍّ وأخلاقيٍّ غير كافٍ لإتمام أمر الزواج، لم يعلم أنّ الزمن تغيَّر والأيام تبدّلت، وأن الزواج قد انتقل من طور "المؤسسة" إلى طور "الصفقة"، وأنّ الظفر بفتاته بات من دروب الخيال.

لم يأتهم حديث "خديجة" حين آثرت الكادح "محمد" على قريشٍ وأنسابها حين تيقَّنت أنّهُ طالب نفسٍ لا طالب مال، ولم يقرع آذانهم حديث "أبو طالب" حين صدح: "وإن كان في المال قلَّ، فإنما المال ظلٌ زائلٌ وعاريةٌ مستعربة"، منتقداً حداثتنا الزائفة في زمن الجاهلية.

"كلا، والله ما يخزيك الله أبداً؛ إنك لَتصِل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتُكسب المعدوم، وتُقري الضيف، وتُعين على نوائب الدهر".

قالتها خديجة مهدّئةً من روع الفزِع "محمد" حين هبطت عليه رسالة السماء، لم يخِب رهان "محمد" حين جعلها قِبلتهُ الأولى، مختصاً إياها بسرِّه الأعظم دون سائر العالمين، تجلّت في عين "محمد" حينئذ حقيقة الزواج وكونه ملجأً وحصناً يلوذ به الفرد حين تُطبِق عليه الأيام، أدركت خديجة بفطرتها أن زوجها صاحب رسالة وأن غبناً بالغاً من مجتمعه وقومه يتربصه، وأنه أحوج ما يكون إلى من يتعهد حياته بالإيناس والترفيه؛ لذا استحقت أن يُحييها رب العالمين، فجاهلية اليوم تحول دون أن تُروى وتُسرد قصصٌ كتلك.

جرثومة "المادة" تتسلل إلى أوساط "المتدينين" أنفسهم -ممن باتوا أسرى تقاليد مجتمعية بالية- دون ثمّة اعتبار لنداءات الدين التي تدفع في اتجاه تيسير الزواج، وإفساح الطريق أمام المتحابِّين، والحيلولة دون العواقب الوخيمة الناجمة عن مخالفة ذلك، في الوقت الذي ينبغي لهم فيه إعادة منظومة الزواج إلى مسارها الصحيح، وقيادة المجتمع إلى ما فيه صلاحه؛ بل المفارقة أن الفئات -الأقل تديناً- أكثر ملامسةً لفهم الإسلام ونهجه فيما يتعلق بأمر الزواج، فبحثهم عن "الرجل" ممن يأتمنون عليه "فَتاتهم"، ثم بعد ذلك لا شيء محل خلاف.

في مصر مثلاً، يتراوح متوسط سن الزواج لدى الذكور بين الـ30 والـ35 سنة وفقاً لإحصاءات رسمية، ما يقارب عشرين عاماً يُكابد فيها الشاب غريزته وينافح شهوته؛ خشية الوقوع في الزلل، مع إغلاق المنافذ الشرعية ممثّلة في الزواج، عشرون عاماً يقضيها الشاب متنقِّلاً بين أروقة العمل وأتون الحياة حتى يملك الحد الأدنى المؤهِّل للزواج، ثم بعد ذلك يُرجى منه انطلاق وإبداع وإضافة في الحياة.. تلك إذاً قسمةٌ ضيزى!

فالخطاب الديني "الزاعق" وسيف "الحرام" المسلَّط دوماً لن يجديا نفعاً في معالجة ظاهرةٍ اختلط فيها السياسي بالاقتصادي بالاجتماعي، والدعوة للعفة والزجر من الوقوع في الزلل لا يكفيان والشهوات تتدفق من كل جانب؛ بل التدليس كل التدليس أن يُعالج "" بعيداً عن أصل "المرض".

وكأن شبابنا بحاجة لمن ينغِّص عليهم أمر حياتهم مع اتساع رقعة الترف فيها، فما بين استبدادٍ جاثمٍ على الصدور وما بين ظروفٍ اقتصاديةٍ خانقة وما بين تقاليد اجتماعية جاهلية يُعاني شبابُنا الأمرَّين.

لن يكون من دروب المبالغة حين أقول إن زوال الاستبداد ليس فقط بالمعارضة القوية ولا الطروحات السياسية؛ بل فضلاً عن ذلك كله ببيوتٍ عمادها الرضا والتفاهم والانطلاق من واقع الحال، وإلا فالاستبداد أبديٌّ مع استبداد نفسٍ على نفسٍ تاقت إلى الحلال.. افعلوها كي لا يكون حرثاً في البحر.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عز نجاح
مهتم بالتحليل السياسي والاجتماعي
تحميل المزيد