حلّت ذكرى رحيل القائد الفذ خالد بن الوليد يوم 18 رمضان، وفي هذا المقال نكشف أسرار عبقريته العسكرية، وكيف أنه أعظم قائد حربي ظهر عبر كل عصور التاريخ، وليس التاريخ الإسلامي فحسب.
عندما نتحدث عن أبرع القادة الذين ظهروا عبر عصور التاريخ فهم معدودون، وإذا تحدثنا عن أبرعهم فهو بالنسبة لي واحد فقط!
هو الأسطورة خالد بن الوليد..
نعم لا تتصوروا أنني أبالغ أو أجامل فهو قائد آسطورة بكل معنى الكلمة، ليس لمجرد أنه خاض مائة معركة لم تكسر له راية فيها، بل لأسباب تتعلق بشخصيته القيادية وعبقريته القتالية ودهائه وموهبته في التكتيك والتخطيط العسكري، ومنها معارك ما زال يتم تدريسها حتى اليوم في الكليات العسكرية الغربية، على الرغم من أن خالد لم يدرس التكتيك وأساليب القتال في أية معاهد أو أكاديميات عسكرية.
النشأة:
ولننظر إلى نشأة خالد، فقد تكفّل به والده وربّاه وأنشأه نشأة عربية أصيلة، وربّاه على الخصال العربية كالرجولة والشجاعة والفروسية.
لقد تعلم خالد وهو صغير ركوب الخيل، وأصبح فارساً لا يُشق له غبار، فقد كان بني مخزوم قبيلة خالد من أمهر الفرسان في شبه الجزيرة العربية، وتعلم خالد أيضاً جميع مهارات القتال، تعلم استخدام السيف والرمح والقوس والنشاب، تعلم أن يقاتل على ظهر جواده، وأن يقاتل وهو مترجل، وهكذا نشأ خالد فارساً مغواراً.
معركة أُحد:
ولنذهب إلى معركة إحدى أولى المعارك التي أظهرت عبقرية خالد، ففي معركة أُحد التي انتصر المسلمون في مرحلتها الأولى، خالف الرماة الذين وضعهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- خلف جيش المسلمين التعليمات المعطاة لهم بعدم الحركة والاشتراك في القتال إلا بأمره، واندفعوا إلى المعركة، ولاحظ خالد بن الوليد الذي كان يحارب في صفوف قريش هذا الخطأ، كما لاحظ الضعف الذي انتاب ترتيب المسلمين الهجومي، فاستغل الفرصة والتفَّ على جيش المسلمين وهاجمهم من الخلف، فكانت هذه الحركة التكتيكية -التي ترقى إلى الخطة الاستراتيجية في إدارة المعركة- سبباً في اختلاط المسلمين وهزيمتهم.
يقول المؤرخ ليدل هارت عن خالد بن الوليد: خالد بن الوليد، الذي يعد واحداً من أبرز القادة العسكريين الذين أسسوا القواعد الاستراتيجية في العلوم والخطط العسكرية وطريقة إدارة الحروب، وكان هو الأسبق في تأسيس استراتيجية الهجوم غير المباشر على مرّ التاريخ العسكري الإنساني، فعبقرية بن الوليد لم تكن في تقسيم الجيوش لأول مرة إلى ميمنة وميسرة وقلب فقط، أو بالأساس، بل كانت عبقريته في بدء استراتيجية الهجوم غير المباشر كنمط لترتيب وتحضير الجيوش والخطط، وفي إدارة القتال بل وفي تحديد أهداف القتال، ويعد ما فعله خالد بن الوليد في معركة "أُحد" تطبيقاً رائعاً لاستراتيجية الهجوم غير المباشر التي أشاد بها ليدل هارت في كتابه، والتي تهدف إلى مفاجأة الخصم من ناحية غير متوقعة؛ حيث يعتبر هارت أن الإخلال بتوازن العدو قبل محاربته، نفسياً ومادياً، هو المقدمة التي لا غِنى عنها لتدميره والقضاء عليه.
معركة مؤتة:
والآن لنذهب إلى معركة مؤتة أولى المعارك التي خاضها خالد مع المسلمين، فقد ذهب خالد إلى المعركة جندياً عادياً في صفوف المسلمين، كان الرسول قد عيّن ثلاثة قادة على إمرة الجيش وهم بالترتيب: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، كان عدد جيش المسلمين لا يتعدى ثلاثة آلاف جندي، وفوجئ المسلمون بعدد جيش الروم من الكثرة بحيث تعدى المائتي ألف! ولكن صمم المسلمون على القتال، فاستشهد زيد ثم تبعه جعفر، فعبدالله بن رواحة، وبدأت الفوضى في صفوف المسلمين وأصبحوا بلا قائد، ولكن أخذ الراية ثابت بن أرقم، وتوجه بها نحو خالد، وقال له: تولّ القيادة يا أبا سليمان!
وأعلن باقي جيش المسلمين موافقتهم على أن يتولى خالد قيادتهم..
وتولى العبقري القيادة..
كان مصير المعركة قد تحدد مسبقاً قبل أن يتولى خالد القيادة، فقد كان المسلمون منهزمين منحدرين ولم يعد بوسع أي شيء أن يغير موازين المعركة فيجعل المهزوم منتصراً والمنتصر مهزوماً.
وكان العمل الوحيد الذي ينتظر عبقرياً لينجزه هو الانسحاب بالجيش والمحافظة على من تبقى من المسلمين.
ولكنّ خالد لم يوافق على أن يستخدم هذا الحل في بادئ الأمر، فقد فضّل أن يهاجم العدو ويقلب توازن صفوفه، وبهذا يكسب مزيداً من الوقت لدراسة الموقف ووضع خطة أفضل للعمل.
إلا أنه رأى أنه بهذا الحل فإن الموقف سينتصر العدو حتماً؛ نظراً لتفوقه الشديد في عدد الجنود والعتاد.
عندئذ قرر خالد أن ينسحب حتى يحافظ على البقية الباقية من جيش المسلمين، وتحت ستار الليل تمكن من تغيير ترتيب الجيش، فنقل الميسرة إلى الميمنة، والميمنة إلى الميسرة، ووضع المقدمة مكان المؤخرة، والمؤخرة محل المقدمة، ووضع خلف الجيش مجموعة من الجنود يثيرون الغبار ويُحدثون جلبة عند طلوع الصباح، وتمكن بذلك من خداع الروم والغساسنة وأمّن الانسحاب، وخشي الروم من اللحاق به خوفاً من الوقوع في كمين، وتبين هذه العملية كيف استطاع قائد محنك كخالد بن الوليد أن يخدع جيشاً أكبر منه بثمانين مرة، وأن يثبته وينسحب انسحاباً استراتيجياً رائعاً.
وعندما عاد الجيش إلى المدينة، خرج لاستقباله النبي والمسلمون، وهاجم المسلمون الجيش ووصفوهم بالفرار، إلا أن النبي هدأهم وقال: بل هم القرار بإذن الله، ثم أنعم على خالد بلقبه التاريخي.. لقب (سيف الله).
ومن العجيب أن هذا اللقب الذي منحه النبي لخالد وهو سيف الله، لم يظهر استحقاقه الكامل له إلا بعد وفاة الرسول، حينما قام خالد بدحر المرتدين وحطم القياصرة وذل الأكاسرة، والأعجب أن الرسول منح خالد هذا اللقب في وقت عاد فيه جيش المسلمين من مؤتة وفيهم خالد والناس يلومونهم ويقولون لهم: يا فرار!، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن النبي لم يكن كغيره من رؤساء الأمم الذين يقومون بوضع إكليل النصر على قادتهم ومنحهم الألقاب وهم عائدون منتصرون مظفرون، وإنما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يرى بعينه الملهمة وبُعد نظره معادن الناس على حقيقتهم في وقت رأى فيه المسلمون خالد مرتداً من غزوة مؤتة، فإن احتفاء الرسول بخالد وتقديره له ومنحه لقب سيف الله لم يكن على سبيل المجاملة، بل كان النبي يرى بعينيه معدن القيادة الأصيل لخالد وعبقريته الحربية التي ستتفوق مستقبلاً وتتخطى أي حاجز.
حروب الردة:
والآن ننتقل إلى أخطر مرحلة في حياة الإسلام والتي حسمها خالد بعبقرية منقطعة النظير وهي مرحلة حروب الردة.
قد كانت انتفاضات الردة بعد وفاة النبي بالغة الخطورة، على الرغم من أنها بدأت وكأنها تمرّد عارض، ونشبت نيران الفتننة في قبائل: أسد، وغطفان، وعبس، وطيء، وذبيان، ثم في قبائل: بني عامر، وهوازن، وسليم، وبني تميم.
ولم تكد المناوشات تبدأ حتى استحالت إلى جيوش جرّارة قوامها عشرات الألوف من المقاتلين.
واستجاب للمؤامرة الرهيبة أهل البحرين، وعمان، والمهرة، ارتدت جميع القبائل في شبه الجزيرة العربية باستثناء مكة والمدينة وثقيف بالطائف، وواجه الإسلام أخطر محنة، واشتعلت الأرض من حول المسلمين ناراً!
ولكن كان هناك خليفة للمسلمين لا يخشى في الله لومة لائم.. كان هناك أبو بكر.
وانتدب أبوبكر الجيوش لمواجهة انتفاضة الردة وخرج بنفسه على رأس أحدها في بادئ الأمر ولكنه ادخر لأخطر المعارك رجل الموقف.. العبقري الأسطورة خالد بن الوليد.
فبعد أن انتصر خالد على طليحة بن أسد مدعي النبوة في معركة بزاخة، أمره الخليفة بالسير لإخضاع أخطر المرتدين وهو مسيلمة بن حبيب.
فهناك باليمامة كان بنو حنيفة، ومن انحاز إليهم من القبائل، قد جيّشوا أخطر جيوش الردة قاطبة، يقوده مسيلمة الكذاب.
وكانت بعض القوات المسلمة مثل الجيش الذي يقوده عكرمة بن أبي جهل قد جرّبت حظها مع جيوش مسيلمة، فلم تبلغ منه منالاً.
وجاء أمر الخليفة إلى قائده المظفر أن سِر إلى بني حنيفة.. وسار خالد.
ولم يكد مسيلمة يعلم أن بن الوليد في الطريق إليه حتى أعاد تنظيم جيشه، وجعل منه خطراً حقيقياً، وخصماً رهيباً.
والتقى الجيشان، كان عدد جيش المسلمين 40 ألفاً، وكان عدد جيش مسيلمة 133 ألفاً، أي أن مسيلمة يتفوق بنسبة ثلاثة إلى واحد تقريباً، ولكن كان مع المسلمين قائد أسطورة كفيل بتغيير كل الموازين، كان مع المسلمين خالد.
وسلم خالد الألوية والرايات لقادة جيشه، والتحم الجيشان ودار القتال الرهيب، وسقط شهداء المسلمين تباعاً.
وأبصر خالد رجحان كفة الأعداء، فاعتلى بجواده ربوة قريبة وألقى على المعركة نظرة سريعة، ذكية وعميقة، ومن فوره أدرك نقاط الضعف في جيشه وأحصاها، وأعاد خالد تنظيم صفوف جيشه، ومضى المهاجرون تحت رايتهم والأنصار تحت رايتهم، ومضى خالد ينادي إليه فيالق جيشه وأجنحته، وأعاد تنسيق مواقعه على أرض المعركة، ثم صاح بصوته المنتصر:
"امتازوا، لنرى اليوم بلاء كل حيّ".
وامتازوا جميعاً، مضى المهاجرون تحت راياتهم، والأنصار تحت رايتهم، وخالد بين الحين والحين، يرسل تكبيرة أو تهليلة أو صيحة يلقي بها أمراً، فتتحوّل سيوف جيشه إلى مقادير لا رادّ لأمرها، ولا معوّق لغاياتها.
وفي دقائق معدودة تحوّل اتجاه المعركة وراح جنود مسيلمة يتساقطون بالعشرات، فالمئات فالألوف، كذباب خنقت أنفاس الحياة فيه نفثات مطهر صاعق مبيد!
لقد نقل خالد حماسته كالكهرباء إلى جنوده، وحلّت روحه في جيشه جميعاً.. وتلك كانت إحدى خصال عبقريّته الباهرة.
وهكذا سارت أخطر معارك الردة وأعنف حروبها، وقُتل مسيلمة، وملأت جثث رجاله وجيشه أرض القتال، وطويت تحت التراب إلى الأبد راية الدّعيّ الكذاب بفضل عبقرية سيف الله.
فتح العراق:
بعد ذلك انطلق خالد يفتح العراق ويخضع الفُرس وانتصر في معارك عديدة منها ذات السلاسل والحصيد وغيرها.
جحيم الولجة:
كانت معركة الولجة أشرس المعارك التي خاضها خالد ضد الفرس في العراق، في هذه المعركة كانت قوات الفرس ضعف قوات المسلمين، وهزم سيف الله خالد بن الوليد القوات الفارسية رغم تفوقها العددي بخطة عبقرية يمكن تسميتها بتكتيك الكماشة.
كان تكتيك خالد هو منع مقاتلي العدو من الهرب من خضم معركة وإعادة تنظيم صفوفهم والعودة لمواصلة القتال؛ لذلك، قرر إحاطة الجيش الفارسي، والانقضاض عليه من الخلف، وتدمير جيشهم في هذا الوقت، إحاطته من كل جانب والانقضاض عليه في تكتيك الكماشة.
قرر خالد أن يهاجم قوات الفرس من ثلاث جبهات لتنفيذ خطته وبعث بفرقتين لمهاجمة حشود الفرس من الخلف والجانبين.
في بداية اليوم التالي والجيشان جاهزان للمعركة خرج أحد أبطال الفرس العمالقة ويدعى "حضرمرد" يقال إنه يعادل ألف رجل طالباً المبارزة، فخرج القائد البطل خالد بن الوليد من بين صفوف المسلمين وبعد بضع دقائق من المبارزة الشديدة ضربه "خالد" بالسيف وقتله، فرفع هذا الحدث معنويات المسلمين، وقد كان أمر خالد ضرار بن الأزور في ليلة المعركة أن يأخذ جزءاً من خيالة المسلمين، ويلتف حول الهضبة من ميمنة وميسرة الجيش الفارسي في مسافة طويلة في طريق كان يعرفه العرب غير المسلمين ضد الفرس فلم يكن قائد الفرس يتوقع هذه الخطة فأطبق المسلمون الكماشة.
كانت معركة الولجة أطول وأشرس المعارك التي خاضها المسلمون في العراق؛ لذلك سعى خالد بن الوليد إلى ضمان أن تبقى معنويات المسلمين مرتفعة، تم تدمير جيش الفرس كلّه باستثناء بعض الجنود الذين تمكنوا من الهرب.
كانت هذه المعركة التي قادها خالد بعبقرية مذهلة، تشبه تماماً الخطة التي وضعها القائد القرطاجي هانيبال في معركة كانتي عام 216 قبل الميلاد ضد الرومان، ولكن خالد لم يكن قد سمع بهانيبال قط بل كانت خطة تلك المعركة نابعة من أفكاره ورؤيته المتفردة.
وبعد ذلك تلقى خالد بن الوليد رسالة من الخليفة للسير إلى الشام لمواجهة الروم، حيث عيّنه الخليفة قائداً عاماً لجيوش المسلمين هناك، الحاسمة التي كان لها دور حاسم في إنهاء وجود الروم بالشام ألا وهي معركة اليرموك.
اليرموك:
كان النصر الذي أحرزه الإسلام على الفرس في العراق بشيراً بنصر مثله على الروم في الشام، فجنّد الصدّيق أبو بكر جيوشاً عديدة، واختار لإمارتها نفراً من القادة المهرة: أبو عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان، ثم معاوية بن أبي سفيان.
وعندما نمت أخبار هذه الجيوش إلى إمبراطور الروم نصح وزراءه وقوّاده بمصالحة المسلمين، وعدم الدخول معهم في حرب خاسرة، إلا أن وزراءه وقوّاده أصرّوا على القتال وقالوا: "والله لنشغلنّ أبا بكر على أن يورد خيله إلى أرضنا"..
وأعدوا للقتال جيشاً بلغ قوامه مائتي ألف مقاتل تقريباً.
وأرسل قادة المسلمين إلى الخليفة بالصورة الرهيبة للموقف، فقال أبو بكر: "والله لأشفينّ وساوسهم بخالد"!
وتلقى ترياق الوساوس.. وساوس التمرّد والعدوان والشرك، تلقى أمر الخليفة بالزحف إلى الشام، ليكون أميراً على جيوش الإسلام التي سبقته إليها.
لقد أدرك الروم أن الزمن في مصلحة المسلمين، وأن كثرة المعارك تهيئ لهم النصر دائماً، من أجل ذلك قرروا أن يحشدوا كل قواهم في معركة واحدة يجهزون خلالها على المسلمين حيث لا يبقى لهم بعدها وجود، وما من شك أن المسلمين أحسّوا يوم ذاك من الرهبة والخطر ما ملأ نفوسهم المقدامة قلقاً!
ولكن مهما يكن بأس الروم وجيوشهم، فقد قال أبو بكر، وهو بالرجال جدّ خبير: "خالد لها".
وقال:" والله، لأشفينّ وساوسهم بخالد".
فليأتِ الروم بكل هولهم وجيوشهم وعتادههم، فمع المسلمين الأسطورة، مع المسلمين الترياق.
ولقد ظهرت عبقرية خالد العسكرية في اختيار الطريق إلى وادي اليرموك، فلقد اختار طريقاً وعراً صحراويًّا غير واضح المعالم، تَندُر فيه مصادر المياه؛ لأنه كان حريصاً على أن يرتاد الطريق الخالي من الحاميات الموالية للروم غير الآهل بالمارة أو السكان؛ وذلك من أجل الإبقاء على سرية المدد، واستخدام عنصر المباغتة من الخلف لجيش العدو ومحدِثاً لهم الهلع والارتباك، ولقد خطب خالد في جيشه ليهوِّن عليهم مصاعب الطريق قائلاً لهم: "أيها المسلمون، لا تسمحوا للضعف أن يَدُب فيكم، ولا للوَهْن أن يُسيطر عليكم، واعلموا أن المعونة تأتي من الله على قدْرِ النيَّة، وأن الأجر والثواب على قدر المشقة، وأن المسلم ينبغي له ألا يَكترِث بشيء مهما عَظُم ما دام الله في عونه".
وما أن وصلت جيوش خالد إلى أرض اليرموك، حتى اجتمع خالد بن الوليد في مكان اسمه أجنادين مع أركان حرب الجيش الإسلامي المرابط بالشام، وهم يزيد بن أبي سفيان وأبو عبيدة بن الجراح وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة، وعقَد معهم جلسة طارئة في غرفة العمليات العسكرية، قال فيها لإخوانه: إن عدد جنود العدو حوالي مائتين وأربعين ألفاً، وعدد جنودنا ستة وأربعون ألفاً، ولكن القرآن الكريم يقول: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 2499].
والنصر في الحروب لم يكن أبداً لمن كَثُر عدده، بل كان لمن آمن بما يُقاتِل من أجله، وصدق النية، وصمَّم على النصر، وأعدَّ للأمر عدته.
وبدأت المعركة، لاحظ خالد أن الروم يقسمون جيشهم فرقاً بطريقة غير معهودة لدى قتال العرب، فعدل خطته وقسم جيشه لمجموعات أو "كراديس" جعل على كل منها قائداً؛ ليسهل تعدد المناورات بها وتوجيهها.
– لقد غيّر خالد تكتيكه من الدفاع إلى الهجوم فى آخر أيام المعركة تبعاً لمقتضيات الظروف ومستجدات الأمور وجدوى الهجوم في هذا الوقت، لقد كانت مثالاً تاريخياً لمواجهة وانتصار قوة صغير تحت قيادة فذة فى مواجهة قوة تفوقها عدة مرات!
ومن عجب أن المعركة دارت كما رسم خالد وتوقع، خطوة خطوة، وحركة حركة، حتى ليبدو وكأنه لو تنبأ بعدد ضربات السيوف في المعركة، لما أخطأ التقدير والحساب!
كل مناورة توقعها من الروم صنعوها.. كل انسحاب تنبأ به فعلوه.. وانتصر المسلمون نصراً عزيزاً مؤزّراً.
نعم هناك في التاريخ بصفة عامة والتاريخ الإسلامي بصفة خاصة، قادة عظماء كثيرون.. ولكن بالنسبة لي يظل الأستاذ في التخطيط والقيادة والقتال، يظل الأسطورة هو واحد فقط.. سيف الله خالد بن الوليد.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.