يوم أن رقص إعلامنا العربي على “واحدة ونُص” عندما كانت الشعوب العربية بحاجة إليه!

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/06 الساعة 12:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/06 الساعة 12:18 بتوقيت غرينتش
http://csaimages.com/images/istockprofile/csa_vector_dsp.jpg

كم هي المرات التي نتابع فيها قنوات وإذاعات أجنبية ناطقة بالعربية حتى نعرف منها أخبار بلادنا العربية؟

سؤال مهم لو طرحناه على أنفسنا في لحظات حوار ذاتي صادقة فسنجدها كثيرة جداً تلك المرات التي تابعنا فيها أخباراً مهمة جداً تحدث في بلادنا، قد تكون في البلد المجاور لنا، أو حتى في المدينة الملاصقة لمدينتنا، ولكن على الرغم من ذلك نترك وسائل الإعلام العربية ونسلّم عقولنا إلى وسائل إعلام وأشخاص يصنعون الخبر فيها وهم على بُعد آلاف الأميال عنا، فما السبب؟

 قد تختلف الإجابة من شخص لآخر، بحسب بعض الأحاديث التي أجريتها مع مجموعة من المثقفين والكُتاب أو ما يسمى بالنخبة في مجتمعاتنا العربية، وكانت الإجابات مختلفة تماماً:

البعض أجاب بأن وسائل الإعلام الغربية تغطي الخبر بحيادية دون أي اعتبار لمصلحة هذا الطرف أو ذاك.

 والبعض الآخر كان رأيهم أن الإعلام الغربي يعرف من أين تُؤكل الكتف، وما هي المواضيع الشائكة التي تهم المجتمع الذي يخاطبه مهما كانت ثقافته.

وغيرها الكثير من الإجابات التي تدور جميعها في فلك واحد، وهو البحث عن مبرر نقنع فيه أنفسنا بأن ما نفعله هو الصحيح.

 ومن وجهة نظر شخصية قد أتفق مع الكثير من هذه الآراء، فمنذ أن كنت صغيراً كنت أستيقظ في السادسة صباحاً على ذلك الصوت الأجش الذي علق في ذاكرتي وتلك العبارة المميزة: "هنا لندن، نقدم لكم موجز الأخبار"، منذ تلك الأيام وأنا لا شعورياً أبحث عن تلك العبارة على شاشة التلفاز أو عبر موجات المذياع، عندما أريد أن أتابع الأخبار المهمة التي تهم بلدي بشكل خاص، والعالم أجمع بشكل عام.

 رغم كل التطور والتقدم البشري، فإعلامنا العربي إلى "الوراء دُر".

 على الجهة المقابلة ألا يحمل الإعلام الغربي أيديولوجيته الخاصة التي تخدم مصالح الدول التي ينتمي إليها؟

ألم يقف ذلك الإعلام أصم وأعمى أمام الكثير من القضايا في العالم وكأنه لم يسمع بها؟ وعلى سبيل المثال لا الحصر الكثير من المؤامرات والفضائح التي يتم كشفها لاحقاً، ويتضح أن الكثير من الوسائل الإعلامية العريقة كانت على علم بها، وتم إخفاؤها في أدراج أصحاب القرار.

 إذاً هناك الكثير من أوجه الشبه في الاستراتيجية المتبعة بين الإعلام الغربي والإعلام العربي، فما السبب الذي جعلنا نثق في الإعلام الغربي أكثر من إعلامنا العربي؟

فحتى الشماعة الدائمة التي يعلق عليها إعلامنا العربي فشله، وهي الضغوط الحكومية والرقابة الصارمة لم تعُد موجودة إلى حد ما، بل على العكس فقد تحولت تلك الضغوط إلى دعم في الكثير من الأحيان.

 لا أعرف إذا كان عدد الكلمات المسموح لي بها في هذا المقال سيسعفني في سرد بعض الأسباب في هذا الفشل الذريع للإعلام العربي على مدار السنوات، ولا أعمم طبعاً، فهناك العديد من الوسائل الإعلامية العربية المحترمة، ولكننا نتحدث عن السواد الأعظم من هذا الإعلام.

 * غياب الاستراتيجية الواضحة والأهداف البعيدة المدى:

غياب الاستراتيجية الواضحة والثابتة، والخط التحريري الحيادي هو من أهم أسباب فقدان الثقة في أي وسيلة إعلامية، فلا توجد ثوابت ولا خطوط حمراء لا يتم تبديلها، وقد تصل أحياناً تلك الثوابت إلى أن يتم تبديلها بشخبطة قلم من رئيس مجلس إدارة أو حتى من رئيس تحرير.

 * تغييب الكادر المهني المحترف في صياغة الحدث وتقديمه:

قد تكون هذه المشكلة هي الأخطر من بين كل الأسباب التي نذكرها، فما المقاييس التي يتم بها اختيار الكادر المهني في الوسائل الإعلامية؟

أعتقد أن الإجابة واضحة للجميع، وقلت كلمة تغييب وليس "غياب"؛ لأن الوطن العربي مليء بالكوادر المهنية المحترفة القادرة على صناعة إعلام مميز، ولكن قد لا يكون هناك مكان لها في الاستراتيجية المتبعة في الخط الإعلامي الحالي.

 فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك الكثير من البرامج التي يقدمها أشخاص لا يفقهون في الإعلام شيئاً سوى قراءة ما يُكتب لهم على ورق الإعداد، بل وتحويل تلك المهنة المقدسة التي تتطلب مواصفات خاصة إلى سجادة يدوسها كل مَن هبَّ ودبَّ مِن ممثلين وفنانين ومغنّين وحتى راقصات، مع احترامي للجميع وللفن الذي يقدمونه، ولكن هذا ليس مكانكم، فكرسي الإعلام لا يقل قدسية عن كرسي القضاء.

 * عدم بناء الثقة مع الجمهور:

الاعتذار.. تلك الكلمة الكبيرة جداً التي تدل على احترام الشخص المقابل لنا، وهذا بالضبط ما تفعله الوسائل الإعلامية العريقة للحفاظ على جمهورها، فكثيراً ما نشاهد في إحدى الصحف الغربية مساحة كبيرة بعنوان عريض مخصصة للاعتذار لجمهورها عن موضوع خاطئ نشرته أو تحقيق صحفي كاذب تم كشفه، فتلك المساحة الصغيرة تبني ثقة عمياء مع الجمهور المتلقي، وحتى أكبر الفضائح العالمية للكثير من وسائل الإعلام الغربية لم تؤثر على مستوى مبيعاتها أو جمهورها؛ لأنها قامت ببناء جسر من الثقة يصعب هدمه بين ليلة وضحاها.

 قد تكون هذه الأسباب التي ذكرتها كافية لإيصال الفكرة التي أقصدها، وكافية أيضاً حتى لا يتم فصلي من عملي.

وفي النهاية.. لا أقلل من قيمة العديد من وسائل الإعلام العربية المحترمة، ولكن نتحدث عن مشكلة أساسية في مجتمعنا، فلم تعد سياسة دفن رؤوسنا في الرمال تُجدي نفعاً في هذه العواصف الفكرية التي تضرب مجتمعاتنا العربية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
ناصر زهير
كاتب وباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي
كاتب وباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي
تحميل المزيد