منذ ظهورها في أثناء الحقبة الاستعمارية (قبل الاستقلال 1962)، عرفت السينما الجزائرية العديد من التحولات، فمن أفلام قصيرة تصوِّر المعارك التي خاضها جيش التحرير الوطني ضد الاستعمار الفرنسي وحياة المجاهدين بالجبال، أفلام تم تصويرها وتركيبها بمعدات بسيطة من طرف أصدقاء القضية الجزائرية آنذاك من إيطاليين وفرنسيين التحقوا بالثورة على غرار الفرنسي روني فوتييه، إلى فيلم "الوهراني" للمخرج الشاب لياس سالم 2014 الذي تطرق إلى الثورة وما بعدها، بعيداً عما اعتدناه من تقديس وتبجيل، أو فيلم "مصطفى بن بولعيد" لمخرجه أحمد راشدي في 2008 الذي تطرق للصراع بين جبهة التحرير الوطني والمصاليين، الصراع الذي تعمد الجميع السكوت عنه، هذا إن اكتفينا بالأفلام الثورية، مروراً بفيلم "معركة الجزائر" عام 1966 لمخرجه الإيطالي جيلو بونتوكورفو، الذي وإضافة للتتويجات في مختلف المهرجانات السينمائية الدولية، صنفته المجلة البريطانية "سايت آند ساوند" ضمن أفضل 50 فيلماً لكل الأوقات. هذا إضافة للعديد من الأعمال السينمائية التي بقيت خالدة في تاريخ الفن السابع.
لعل السينما بالجزائر وفي تطورها مرت بـ4 مراحل مهمة، وذلك من حيث المحتوى والتشريعات التي وُضعت لتسيير هذه الصناعة.
المرحلة الأولى تعود للحقبة الاستعمارية، حيث حاولت جبهة التحرير الوطني إنتاج بعض الأفلام لمجابهة الدعاية الفرنسية، رغم انعدام التكوين والإمكانات والوضع الأمني، فإن جبهة التحرير الوطني رفعت التحدي وبمساعدة أصدقاء القضية الجزائرية آنذاك من فرنسيين من أمثال روني فوتييه، الذي كُلف تأسيس أول مدرسة سينمائية في جبال الولاية الأولى عام 1957. من بين ما أنتج في هذه المرحلة، فيلم "الجزائر تحترق" الثورة التحريرية لروني فوتييه عام 1959، تلاه "5 رجال وشعب" لنفس المخرج عام 1962.
بعد الاستقلال بتاريخ 5 يوليو/تموز 1962 وإلى غاية 1988، دخلت السينما الجزائرية في المرحلة الثانية من تاريخها، فبعد الاستقلال واستعادة السيادة الوطنية، بدأت الجزائر بالتشريع وتنظيم القطاع الثقافي ومن بينه السينما، فقامت بنص القوانين وتأميم قاعات السينما التي كانت في أغلبها ملكاً للأقدام السوداء التي تجاوزت الـ400 قاعة، كذلك تشجيع الإنتاج السينمائي.
على الرغم من كونها سينما فتيّة في أثناء هذه المرحلة، فإنه يمكن اعتبار هذه الفترة الفترة الذهبية للسينما الجزائرية، فبين 1962 و1970 تم إنتاج نحو 198 فيلماً. وقد تميز أحمد لخضر حامينا بفيلمه "وقائع سنوات الجمر" الذي يعتبر أول فيلم إفريقي يحوز السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي الدولي بفرنسا عام 1975، دون أن ننسى رائعة "معركة الجزائر" الفيلم الذي أنتج عام 1966. كون الجزائر بلداً حديث الاستقلال واشتراكي التوجه في هذه المرحلة جعل أغلب الأفلام المنتجة في هذه المرحلة تتناول الثورة أو تكرس الأفكار الاشتراكية.
بتاريخ 8 أكتوبر/تشرين الأول 1988 وبسبب الأزمة الاقتصادية التي لحقت بالجزائر بسبب انهيار أسعار البترول، عرفت الجزائر مظاهرات وأحداثاً دفعت الحكومة لفتح المجال للتعددية الحزبية، بعد أن كان حزب جبهة التحرير الوطني الحزب الوحيد والأوحد، كذلك فتح المجال في ميدان الإعلام.
عام 1991، تم توقيف المسار الانتخابي ودخلت بعد ذلك الجزائر في دوامة عنف أدت إلى وفاة أكثر من 200 ألف جزائري والآلاف من المفقودين. في هذه المرحلة وحتى عام 2002 تقريباً، وعكس الإعلام فإن الحكومة أهملت القطاع السينمائي، فتوقفت عن تمويل الأعمال السينمائية وأغلقت دور العرض، خصوصاً بعد الإعلان عن حالة الطوارئ عام 1992 بدعوى أن دور السينما مستهدفة من طرف الأعمال الإرهابية. هذه المرحلة كانت الأسوأ بالنسبة للسينما الجزائرية، باستثناء بعض الأعمال التي تناولت مواضيع الإرهاب، والهجرة والوضعية الاقتصادية والاجتماعية للجزائر آنذاك.
هذه المرحلة كذلك عرفت إنتاج أول فيلم سينمائي بالأمازيغية ألا وهو فيلم "الهضبة المنسية" عام 1997 لمخرجه عبد الرحمن بوقرموح، الذي وعلى الرغم من كل ما لاقاه من عراقيل، فإنه عرف النور ومهد الطريق للسينما الأمازيغية، وتلاه بعد ذلك العديد من الأعمال السينمائية الناطقة باللغة الأمازيغية. كان المخرج عبد الرحمن بوقرموح الذي باع حتى سيارته لإنتاج الفيلم يقول: "سيأتي يوم ينتج فيه أبناء منطقة القبائل أفلاماً سينمائية، أما الآن فإننا سننتج أفلاماً مناضلة". فيلم "الربوة المنسية" تم إنجازه بمساعدات المجلس الشعبي الوطني لتيزي وزو والمجلس الشعبي الولائي لبجاية، إضافة إلى تبرعات ومساهمات المواطنين، و"عبد الرحمن بوقرموح مات ولم يقبض ولو ديناراً واحدا كحقوق المؤلف ولم يملك حتى شريط الفيلم عنده"، يقول علي موزاوي مخرج فيلم "صديقي توأمي" الذي هو بورتري لبوقرموح.
عام 2002 وبعد تحسن الوضعية الأمنية والاقتصادية بالبلاد، عادت الدولة للاهتمام بالقطاع الثقافي وتخصيص ميزانيات معتبرة للقطاع وصلت إلى 561.3 مليون دولار عام 2012.
في هذه المرحلة كذلك، تم تعيين السيدة خليدة تومي على رأس وزارة الثقافة، المنصب الذي شغلته إلى غاية عام 2014، ورغم انتقاد البعض لسياستها واتهامها بالفلكلورية وكونها ليست سوى تبديد للمال العام، فإن قطاع الثقافة عرف انتعاشاً في هذه المرحلة، فتم فتح قاعات سينما، ومسارح، ودور ثقافة وتنظيم العديد من المهرجانات والتظاهرات الثقافية، منها: سنة الجزائر بفرنسا، تلمسان عاصمة الثقافة العربية، خمسينية استقلال الجزائر، الجزائر عاصمة الثقافة العربية عام 2007 حيث أنتج في إطار هذه التظاهرة أكثر من 82 فيلماً.
في هذه المرحلة، عرفت الصناعة السينمائية بالجزائر توجهاً آخر في المواضيع وفي المحتوى، فالأفلام الثورية تطرقت لقضايا لم تُكشف من قبل؛ كالصراع بين جبهة التحرير والمصاليين، القضية التي ظهرت في فيلم "مصطفى بن بولعيد" للمخرج أحمد راشدي عام 2008، وفيلم "الوهراني" عام 2014 لمخرجه لياس سالم الذي تناول بجرأة الثورة وما بعدها، الشيء الذي أدى إلى تعرض فيلمه للكثير من الانتقاد من طرف المحافظين والإسلاميين حتى قبل مشاهدته.
من بين أهم المواضيع التي تطرقت إليها الأفلام التي أنتجت في هذه المرحلة أيضاً، ما عاشه الشعب الجزائري في أثناء العشرية السوداء وما تبعها، فنجد مثلاً فيلم "رشيدة" ليمينة شويخ عام 2003، وفيلم "السطوح" لمرزاق علواش عام 2013، إضافة إلى أفلام عن شخصيات ثورية خصصت لها ميزانيات ضخمة مثل فيلم عن الأمير عبدالقادر، وفيلم عن مصطفى بن بولعيد، ومؤخراً فيلم عن أسد الجبال وموقع اتفاقيات إيفيان كريم بلقاسم.
من الجانب التنظيمي للسينما، فهذه المرحلة عرفت إصدار القانون رقم 11 – 03 الخاص بالسينما بتاريخ 2011، القانون الذي عرف انتقاداً من الوسط السينمائي، خصوصاً ما تعلق بفرض طلب ترخيص من وزارة الثقافة للإنتاج، والتصوير، والتوزيع أو الاستغلال والمادة 5 منه التي تمنع تمويل، أو إنتاج أو استغلال أي عمل سينمائي يمس الدين الإسلامي أو الثورة التحريرية ورموزها، كذلك المادة 6 منه التي تفرض أن أي فيلم يتحدث عن الثورة أو رموزها يجب أن يخضع لموافقة الحكومة.
في الأخير، يمكن القول إن قطاع السينما بالجزائر عاش اللااستقرار من الناحية التنظيمية، فغياب استراتيجية واضحة المعالم جعله يتخبط في المشاكل. كذلك، المنافسة القوية التي تعرفها السينما الجزائرية من طرف السينما الهوليوودية والبوليوودية والعربية، خصوصاً مع انتشار القنوات الفضائية وإمكانية الاطلاع على مختلف الأفلام العالمية على شبكة الإنترنت. لهذه الظروف وأخرى كغياب قاعات العرض، ونقص التكوين، وغياب نقاد مختصين ومهتمين بالسينما وتطويرها أدى مؤخراً لتراجع الإنتاج السينمائي بالجزائر.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.