"1"
جاءت إلىّ باكية، يمتلئ صوتها بالخوف، وتمتلئ عيناها بالرهبة، هدّأت من روعها، وطلبت منها أن تكفّ عن البكاء قليلاً؛ لأستطيع أن أفهم ما الذي حدث، قالت لي إنها قد فسخت خِطبتها منه بسبب سوء معاملته لها، يُعنفها دائماً، يضربها أحياناً، ويجبرها بالابتزاز العاطفي على أشياء لم تحب قط أن تفعلها، فإذا رفضت يخبرها أنها لا تحبه بما يكفي، وأنها لا تعبأ بمشاعره، وأنه سيتركها ويرحل؛ لأنه لم يعد يتحمل عدم اهتمامها به، فتقبل صاغرة، فقط لتُثبِت أنها ما زالت تحبه، في صراع دائم مع محاولة إثبات حبها له، وكأن تحمّلها لعنفه لا يكفي لإثبات هذا، حتى لم تعد قادرة على التحمل، وطلبت منه "الخروج" بالمعروف، لكنه لم يكن ليقبل أن تتركه، ليس حباً فيها، وإنما لأن غروره الذكوري قد صوّر له نفسه عادل إمام في فيلم "سلام يا صاحبي"، حين قال: "أنا مفيش مرة ما بتحبنيش"؛ ليرى أنه ليس ثمة امرأة على وجه البسيطة تستطيع رفضه، وأنه ليس مخولاً لامرأة أن تقول له لا، فدفعه تفكيره إلى استخدام الابتزاز هذه المرة أيضاً، لكنه ليس عاطفياً بالمرة!
قام خطيب صديقتي بتهديدها بصور لها على هاتفه الذكي بدون حجاب، وأخبرها أنه إن لم تكن له سيفضحها ويُشهّر بها على الإنترنت؛ ليقوم بحساب وهمي باسمها على الفيسبوك، ويضع عليه صورها التي لديه، وهي المنحدرة من أسرة صعيدية تقليدية ومحافظة جداً، بها أب غير متفهم بالمرة، لن يقف بجانب ابنته، وإنما سيذبحها ذبح البعير، وهذا ما دفعها للجوء إليّ؛ لتستفتيني فيما هي فيه؛ لأنها لم تعرف لمن تذهب بما سمّته "مصيبتها الكبرى".
تعثرت في فمي الكلمات من هول الموقف، لم أعرف بما أخبرها فعلاً، لكني كنت أعرف شيئاً واحداً، أن رجلاً مثل هذا لا يصلح البتة لأن يكون زوجاً!
"2"
نسج خيوط المحبة حولها كعنكبوت متمرسة جداً في نسج خيوطها حول ضحاياها، أخبرها كل كلمات العشق والوَلَه، ووعدها بالتقدم لخطبتها، لكن الوقت الآن ليس مناسباً، فهو لا يملك من المال ما يكفيه لأن يتزوج، وهو بحاجة إلى أن يعد نفسه لطلبات أهلها، فصبرت عليه، لكنه لم يصبر عليها.
كان يخبرها دائماً أنها زوجته أمام الله؛ لأن قلبه لا يدق لغيرها، كان يخبرها أنها الوحيدة والأولى، مثلما هو الأول في حياتها، كان يخبرها الكثير من الأسطوانات التي تعرفها الفتيات ويحفظنها عن ظهر قلب من كلام أغلب الرجال الباحثين عن شيء بعينه في علاقاتهم العاطفية (الجنس)، لكن الحب مرآته مُكسرة إلى قطع كثيرة جداً قد تجرح من يحاول لملمة أجزائها، فلم ترَ حقيقته أبداً، حتى فاجأها في يوم بجملة تشبه الأفلام العربي إلى حد كبير، قائلاً: "لم يعد يكفيني قلبك، أريد أكثر"، وحين رفضت، هددها بصور لها بملابس غير محتشمة بعض الشيء، قائلاً إنه سيضعها على الإنترنت؛ لتنتشر كما النار في الهشيم، ذلك إن لم تستجِب لطلباته بالطبع!
ظلت تبحث عن حل، إلى أن أهداها أولاد الحلال إلى فكرة "مباحث الإنترنت"، التي تُعنى بالبحث والقبض عن الجناة الذين يستخدمون الإنترنت للتشهير أو التحرش، وبالفعل حررت له محضراً، بـ"سكرين شوتس" من محادثاتهما التي تتضمن تهديداته، ليُقبَض عليه بالفعل، ولكن تحت ضغط من أهلها وتوسّلات من أهله، تنازلت عن المحضر، معتبرةً هذا نصراً ولو صغيراً لها، وقرصة أذن سيتذكرها قبل أن يفكر في ابتزاز أخرى.
"3"
تستيقظ صباحاً كما كل يوم، تُعد كوباً من النسكافيه لكي تستطيع أن تذهب إلى عملها الذي لا تحبه كثيراً، لكنها تحتاج إليه باعتبارها مستقلة مادياً عن أسرتها، تتصفح الفيسبوك بينما تشرب قهوتها، لتتفاجأ برسالة غريبة من فتاة لا تعرفها تخبرها فيها أنها تريد الحديث معها لأمر جلَل وضروري، وما لبثت أن ردت بـ"خيراً إن شاء الله"، حتى جاء لها الرد في وقتها، "سكرين شوتس" لمحادثة جنسية مع شاب على رسائل الفيسبوك باسمها، تتضمن ألفاظاً وأشياء وأفعالاً جنسية صريحة جداً، فثار هلعها وانخلع قلبها، لكنها حاولت أن تحافظ على رباطة جأشها، ردت بأن هذه المحادثة مُفبرَكة وغير حقيقية، وأنها لم تفعل شيئاً من هذا، وأنها ستقوم بحظر من يكلمها؛ لأن مثل هذا لا يجوز، ليطالبها المتحدث غير معلوم الهوية بأنه ليس فتاة، وأنها لن تقوم بحظره، وسوف تقوم بتنفيذ كلامه بحذافيره وإلا سيبعث بهذه الصورة من المحادثة كرسالة إلى أصدقائها وأهلها الموجودين لديها على الفيسبوك، وأنها يجب أن تبعث له بصور عارية لها، وتنخرط معه في محادثة جنسية حقيقية غير هذه المُفبرَكة، والتي لن يصدق أغلب الأصدقاء لديها على الفيسبوك أنها مُفبركة بالفعل، وحتى تستطيع أن تثبت هذا تكون سمعتها قد تدمرت بالفعل.
ردّت صديقتي بأنه يجب أن يترك لها مهلة لتفكر، فترك لها ساعتين فقط، فحملت صديقتي هاتفها وتوجهت إلى مباحث الإنترنت لتريهم ما حدث، وحررت محضراً بالواقعة، ليتم اتخاذ الإجراءات المناسبة حول الأمر، ثم صوّرت المحضر صورة بهاتفها، وقامت بعمل "سكرين شوتس" للمحادثة، واعتبرت نصيحة الكاتب السوري فادي عزّام لابنته نبراساً يجب أن تسير عليه كل فتاة؛ حيث قال: "إذا تعرضت للتهديد أو الابتزاز لا تسكتي بحجة الفضيحة… افضحي الفضيحة!"، ونشرتها على الفيسبوك في منشور؛ لتقول إنها تتعرض للتهديد بشيء لم تفعله، وإنها تقدمت لمباحث الإنترنت بمحضر عن الواقعة، وإن كل من سيصله رسالة عن جزء من محادثة جنسية باسمها يجب ألا يصدق هذا بالمرة.
اختفى الحساب الذي بعث إليها بالرسائل في المقام الأول من الوجود، ولم يعاود التواصل معها أبداً!
"4"
كل هذه الوقائع وغيرها مما تتعرض له النساء في بلادي يومياً بسبب "الإنترنت"، ذلك الذي استطاع أن ينقل نفوس البشر المريضة من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي، وقائع تصل إلى حد تهديد الرجل بالتشهير بزوجته وفضحها بصور عارية لها على هاتفه بسبب اختلافهما حول تقسيم الممتلكات أو حضانة الأطفال أثناء الطلاق، أو تصل إلى حد استغلال ضابط شرطة لنفوذه من أجل التحرش بفتيات على الإنترنت، وإن رفضن يهددهن بمعرفته بكافة التفاصيل والمعلومات عن حياتهن، وأنه سيعيشهن في جحيم لم يحلمن به يوماً في أسوأ كوابيسهن، أو إلى حد حبس فتاة بالمنزل ومنعها من الخروج للدراسة وحلق شعرها بسبب فضيحة على الفيسبوك لم تكن سبباً فيها من الأساس!
كل هذه الوقائع تشير وبقوة إلى انتشار الابتزاز والتحرش الجنسى الإلكتروني في بلادي بمختلف أشكاله وأنواعه، وهو ما يجب أن يتوقف، وإن لم نكن نستطيع منعه، فيجب علينا أن ننوّه بأن دور الأسرة في الموضوع مهم للغاية، فمهما كانت ابنتكم في أنظاركم مخطئة يجب أن تحتضنوها، وأن تقفوا بجانبها، لمعالجة الخطأ الصغير الذي قامت به، حتى لا يتطور ليصبح خطأ أكبر وأشد خطورة، فلا تجعلوها تخشى اللجوء إليكم، حتى لا تنساق وراء التهديدات؛ لتصلح مشكلة بمشكلة أكبر منها، يجب أن تكونوا سنداً لبناتكم يستطعن الاستناد إليه.
وقد دفعت مثل هذه الوقائع إلى نشاط مباحث الإنترنت بشكل كبير، فهي تنجح بالفعل في القبض على الكثير من المتحرشين والمبتزين، لكن لبعض المشاكل التقنية، يختفي بعضهم من على الإنترنت بدون قدرة على تعقّبه أو الوصول لما يُعرَف بالـ"آي بي" الخاص بالحواسيب، والذي يمكن من خلاله معرفة موقع ومكان المتحرش، كما دفعت إلى ظهور حركات مدنية لحماية الفتيات، مثل صفحة "مبروك انت متحرش إلكتروني مشهور" على الفيسبوك، والتي تلجأ إليها أغلب الفتيات لينشرن مشاكلهن بدون أسماء إذا خشين من الفضيحة؛ ليُنشَر عليها أسماء المتحرشين وحساباتهم الشخصية وسكرين شوتس من محادثاتهم الممتلئة بالتهديد بالتشهير والابتزاز الجنسي، هدف من خلالها فضح المتحرش وإغلاق حسابه باستخدام خاصية "الريبورت" من أكبر عدد ممكن من متابعي الصفحة، التي تلقى متابعة شديدة ومشاركات عالية من الكثيرين.
ومع كل هذا، يبقى الأمر منتشراً بشكل يجعل قلوبنا تدق إذا رأينا رسالة من شخص غير معلوم في رسائل فئة "آخرون" بالفيسبوك، وتجعلنا نتساءل يومياً: لماذا جسدنا كنساء دائماً محل مساومة وفضيحة، في حين لم يتهدد رجل أعرفه من قبل بنشر صوره عارية على الفيسبوك؟!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.