في اليوم الخامس من الاحتجاجات الأردنية الساخنة، نزل ولي العهد الأمير حسين بن عبدالله إلى الشارع ليلاً، وطلب من قوات الأمن حماية المتظاهرين، والمحافظة على حقهم في التعبير عن أنفسهم.
كانت هذه رسالةً ملكية واضحة، تُشير إلى أنَّ النظام والملك قد وافقا على إطاحة الحكومة ورئيسها المُثير للجدل، الذي كان لا يزال يحاول فرض المزيد من الضرائب على الأردنيين.
أدرك الملك، ومُستشاروه، وأجهزة الأمن، وحتى الحكومة والبرلمان أنَّ الأردنيين كانوا يغلون من الغضب بسبب ارتفاع الأسعار وانخفاض الرواتب إلى مستوياتٍ خطرة وغير مسبوقة.
رفض التراجع
هذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها الأردن، من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، مثل هذه الاحتجاجات. ففي عام 1996، اندلعت احتجاجاتٌ ضد ارتفاع أسعار الخبز في المدن الجنوبية الفقيرة، وفي عام 1989، اقتصرت الاحتجاجات على مدينة معان، وتمكن الملك حسين من احتوائها.
بدأت الاحتجاجات الأخيرة بدعوةٍ إلى إضراب عام من قِبل النقابات المهنية يوم الأربعاء الماضي 30 مايو/أيار، وطالب المُتظاهرون بسحب مشروع قانون من شأنه أن يزيد من عبء ضرائب الدخل. رفضت الحكومة التراجع، إذ كان ذلك أحد الشروط التي طلب صندوق النقد الدولي تنفيذها للاستمرار في تقديم الدعم والقروض للأردن.
وسُرعان ما تحولت مطالب المتظاهرين إلى دعوةٍ لإقالة الحكومة. وذهب البعض إلى أبعد من ذلك، داعين الملك إلى إقالة الحكومة، وحل البرلمان، وإصلاح النظام السياسي لمحاربة الفساد. وقال رئيس نقابة المهندسين إنَّ الجولة الثانية من الإضراب ستجري الأربعاء المقبل، سواءٌ استقالت الحكومة أم لا، لأنَّ "المطلوب هو تغيير النهج وليس الأشخاص".
هذه التطورات تعني أنَّ إقالة الحكومة وإلغاء مشروع قانون ضريبة الدخل لن تُهدئ الشعب الأردني، لأنَّ الأزمة أصبحت كبيرةً للغاية. هناك أزمةٌ اقتصادية، وأزمةٌ سياسية موازية، والتغلب عليهما وإنقاذ البلاد يتطلب مجموعةً من الإجراءات الأكبر والأعمق.
غضبٌ شعبي
ستكون الخطوة الأولى هي تشكيل حكومةٍ جديدة بأعضاءٍ جُدد، وحل البرلمان، والدعوة إلى انتخاباتٍ جديدة، إذ إنَّ الغضب الشعبي موجَّه ضد الحكومة والبرلمان معاً. وليس من المعقول تعيين أحد وزراء الحكومة المُقالة التي تسببت في الأزمة لتشكيلٍ حكومة جديدة. وإذا كان عمر الرزاز لديه حلٌّ للأزمة الاقتصادية والسياسية، كان سيعرضه على الحكومة السابقة التي كان جزءاً منها قبل أن تصل إلى مرحلة الانهيار.
ثانياً، كان أحد الأسباب الرئيسية للأزمة الاقتصادية في الأردن وقف الدعم المالي من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى نقص التمويل من وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، والمساعدة في استضافة اللاجئين السوريين المتدفقين على الأردن.
ويكمن الحل جزئياً في استعادة العلاقات مع قطر. فالوقوف في موضعٍ بين الجنة والجحيم لا يمكن أن يكون مُريحاً، ولم تكن الإجراءات التي اتخذها الأردن ضد قطر في أزمة الخليج كافيةً لاسترضاء الرياض وأبو ظبي، مما دفع الأردن إلى خسارة دعم الجانبين.
والضغوط الاقتصادية والسياسية التي تُمارس على الأردن ربما تدفعه للبحث عن تحالفٍ مع إيران أيضاً. لا يمكن للأردن أن يظل محايداً في المنطقة، وأن يدفع تكاليف هذا الحياد وحده. ومجرد التلميح إلى تحالفٍ مع طهران، أو تحسين العلاقات، يمكن أن يُعيد لاعبين آخرين إلى الجانب الأردني.
العلاقات الخارجية
باختصار، الأزمة الداخلية الحالية في الأردن قد تدفعه إلى إعادة النظر في علاقاته مع الدول الأجنبية. وبالنظر إلى التناقضات الحالية في المنطقة، قد يجد الأردن نفسه مضطراً للدخول في تحالفٍ بسرعة مع قطر، وإيران، وتركيا. وقد يفسر هذا المصافحة الدافئة بين الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني حسن روحاني في إسطنبول، عاصمة تركيا، خلال القمة الإسلامية الأخيرة. ويمكن أن يفسر أيضاً سبب عودة شبكة الجزيرة القطرية للعمل بحُرية في الأردن، على الرغم من إغلاق مكاتبها هناك.
يحتاج الأردن أيضاً إلى دعمٍ دولي للمساعدة في تحمل عبء اللاجئين السوريين والفلسطينيين. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إنَّها بحاجة إلى 5.6 مليار دولار لدعم اللاجئين السوريين في المنطقة، لكنَّها حتى الآن جمعت أقل من ربع هذا المبلغ.
وما لم يتم إجراء تغييراتٍ جوهرية فيما يتعلق بالدعم الخارجي، فسوف يلتزم الأردن بمواصلة فرض المزيد من الضرائب وزيادة الأسعار. وستستجيب الطبقات الفقيرة والوسطى بمزيدٍ من الاحتجاجات، وسيبدو أنَّ رئيس الوزراء الجديد، وهو عالم اقتصاد درس في جامعة هارفارد الأميركية، قد فشل في إدارة البلاد أثناء أزمتها.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.