"ما بعد محمود عباس أو مَن هو خليفة عباس في رئاسة السلطة؟ أو ما هي السيناريوهات بعد رحيل عباس؟" لم تكن الأسئلة السابقة وليدة الوعكة الصحية الأخيرة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، 83 عاماً، فقد سمعنا هذه الأسئلة خلال العامين الماضيين وقبلهما، ولكن هذه المرة تزداد أهمية الموضوع؛ لأن القضية الفلسطينية تمر بحالة غير مسبوقة إضافة إلى أن صحة عباس قد تدهورت مؤخراً؛ حيث أجرى فحوصات طبية لأكثر من 3 مرات خلال عشرة أيام في ظل حالة من التعتيم والإشاعات ما بين تحسن صحته وتراجعها.
هناك العديد من الحقائق التي ينبغي التوقف عندها أمام هذه القضية وأولها أنه ما من شك أن القضية الفلسطينية تعد محدداً أساسياً من محددات الاستقرار في المنطقة برمتها ولهذا فإن أي تحول جوهري فيها يعد مؤثراً على المنطقة بأكملها وليس داخل الحدود التاريخية لفلسطين فحسب، ولهذا فإن الحسابات لمرحلة ما بعد عباس لا تقتصر على الطرف الفلسطيني بكافة تنوعاته، ولا تقتصر على قيادة حكومة الاحتلال الإسرائيلي التي شكلت منذ عام 2016 طاقماً خاصاً لمناقشة السيناريوهات بمستوياتها الأمنية والسياسية، بل تتجاوز ذلك لتطال الإقليم، بل والقوى المؤثرة في العالم مثل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي.
ولما سبق وفي ظل أن العديد من الجهات تدرس وتتابع وتراقب وتتحضر لمرحلة ما بعد عباس فإن الطرف الذي يمكن أن يقال عنه أنه أكثر طرف متحضر لهذه المرحلة هو الطرف الإسرائيلي للأسف وخاصة في العمل على تجنب أي تداعيات سلبية للفراغ الذي سيتولد عن رحيل محمود عباس حيث أن سيناريو انهيار السلطة وانقسامها إلى جيوب وحالة من الفوضى يشكل هاجساً لدى العديد من الأوساط القيادية داخل الكيان وتتزايد هذه المخاوف في ظل وجود صراعات داخل حركة فتح تقلل فرص التوافق على مرشح واحد، كما أن حالة التنافس على خلافة عباس أيضاً داخل حركة فتح تخلق نوعاً من التحضيرات والمبادرات.
وقد شهدت فترة رئاسة عباس حالة غير مسبوقة من التنسيق الأمني مع الاحتلال ومنع المقاومة المسلحة ومعارضتها بشدة وذلك بالرغم من تدهور عملية التسوية وتزايد الاستيطان. ولم تكن فترة عباس أيضاً مرضية للشعب الفلسطيني خاصة بسبب مواقفه المتعلقة بالتنسيق الأمني وفرضه العقوبات على قطاع غزة ولم يقتصر الانقسام على حركتي فتح وحماس بل داخل حركة فتح نفسها حدث انقسام أو ما يسمى بالتجنح الذي يقوده محمد دحلان.
ومن الحقائق التي يمكن الإشارة إليها أنه لا يوجد خليفة واضح لمحمود عباس في داخل حركة فتح وهو ما قد يخلق حالة كبيرة من التنافس والصراع داخل الحركة في ظل وجود أكثر من قائد يرى في نفسه أنه الأنسب وفيما يلي نستعرض بعض السيناريوهات والأسماء المحتملة المرشحة لخلافة عباس:
هناك عدة سيناريوهات نظرية محتملة يتعلق إحداها بانهيار السلطة وحدوث حالة من الفوضى وهذه سيكون هناك إجراءات للتعامل معها ومن الإجراءات المطروحة موضوع الإدارات المحلية أو عودة الاحتلال لكن هذا السيناريو ليس مرجحاً وفق المعطيات الحالية، كما أن سيناريو استمرار الوضع القائم مع تعيين خليفة لعباس يحتوي سيناريوهات فرعية يمكن أن تكون حاضرة في فترة ما بعد عباس ولكن يوجد أمام بعضها العديد من العقبات وأول هذه السيناريوهات سيناريو القانون الأساسي فبحسب المادة 34 من الباب الثالث من القانون الأساسي "ينتخب الرئيس بالانتخاب المباشر من الشعب وفقاً لقانون الانتخابات ولمدة أربع سنوت"، وفي الوقت الذي يصبح فيه منصب الرئيس شاغراً في حالة الوفاة أو في حالة الاستقالة المقدمة إلى المجلس التشريعي الفلسطيني إذا قبلت بأغلبية ثلثي أعضائه وفي حالة شغور مركز رئيس السلطة الوطنية في كلتا الحالتين المذكورتين يتولى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مهام رئاسته للسلطة الوطنية مؤقتاً لمدة لا تزيد عن ستين يوماً تجري خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد حسب قانون الانتخابات ويمارس رئيس السلطة الوطنية مهامه التنفيذية على الوجه المبين في هذا القانون" ووفق هذا السيناريو فإن القيادي في حركة حماس ورئيس المجلس التشريعي عزيز دويك يعتبر مرشحاً لتولي الرئاسة لفترة مؤقتة ولعل هذا السيناريو قد يعتبر مفيداً لحركة حماس ظاهرياً أو نظرياً ولكنه ليس سيناريو سهلاً حيث عبرت حركة فتح أنها لا تقبل هذا الأمر ولا تعتبر المجلس التشريعي فعالاً وغير مستعدة للموافقة على هذا الأمر ولهذا فإن هذا الخيار إن حدث إصرار عليه من الطرفين سيكون مدخلاً لأزمة جديدة في حالة الانقسام الفلسطيني الموجودة أصلاً.
ويتعلق بهذا الأمر أو يعتبر قطعاً للطريق عليه ما تراه حركة فتح وما صرح به القيادي فيها ونائب رئيس الحركة محمود العالول (عينه عباس نائباً له في حركة فتح في 2017 ضمن ترتيبات داخلية لخلافته في الحركة) أن المجلس الوطني هو المرجعية الأكبر للسلطة وليس المجلس التشريعي وأن المجلس الوطني له صلاحية تعيين من يخلف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأن الحديث الآن عن دولة وليس عن سلطة حيث أن المجلس بايع عباس في اجتماعه الأخير على أنه رئيس لدولة فلسطين وليس رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية. وقد طرح أيضاً موضوع تعيين عباس لنائب له في رئاسة السلطة لكن ذلك لم يتحقق حتى الآن بسبب عدم وجود رغبة لذلك من عدة أطراف كالولايات المتحدة ومن عباس نفسه.
أما فيما يخص بالأسماء المطروحة لخلافة عباس فهناك عدة أسماء مطروحة ولكن بالنظر إلى ما يرأسه عباس فهو يرأس السلطة ومنظمة التحرير وحركة فتح وهذا يجعلنا أمام سيناريو متفرع وهو هل سيرأس خليفته هذه المؤسسات الثلاث أم ستتوزع هذه المؤسسات بين 3 أشخاص مختلفين، وقد ذكرت بعض المصادر الإعلامية معلومات ليست مؤكدة عن التوزيعات بالأسماء على قيادة فتح والمنظمة والسلطة.
أما في إطار الأسماء التي كان يتم تداولها فقد كان حاضراً اسم القيادي الأسير مروان البرغوثي والذي يقضي حكماً طويلاً داخل السجون إلا أن خطوة تعيين محمود العالول نائباً لرئيس الحركة قللت من فرص البرغوثي. كما أن اسم اللواء جبريل الرجوب حاضر أيضاً إلا أن بعض الأوساط ترى أن علاقته غير الجيدة مع مصر تقلل من فرصه بحكم الدور المصري التاريخي في القضية الفلسطينية، كما كان حاضراً اسم وزير الخارجية الأسبق ناصر القدوة الذي ربما يحظى بقبول بعض الأطراف الإقليمية إلا أنه لا يعد من مراكز القوى داخل حركة فتح حالياً. ومن الأسماء المطروحة اسم محمد دحلان الذي يقود تياراً في حركة فتح ويلقى دعماً من أطراف إقليمية مثل مصر والإمارات لكنه لا يلقى إجماعاً داخل حركة فتح فضلاً عن الشعب الفلسطيني وتشير بعض التقارير إلى اسم رئيس الوزراء الحالي رامي الحمد الله ورئيس المخابرات ماجد فرج.. ولكن يبدو أن أكثر الأسماء حضوراً ورغبة في المنافسة على خلافة عباس تأتي من كل من محمود العالول وجبريل الرجوب.
وحسب مصادر اسرائيلية أكاديمية مختصة بالشأن الفلسطيني فإن اسم رئيس المخابرات ماجد فرج يعد خياراً مرجحاً لأنه شخص أدار عملية التنسيق الأمني وهو الشخص الذي يمكنه أن يدير أجهزة السلطة في اليوم التالي لغياب عباس. لكن مشكلة فرج أنه ليس لديه شرعية في الشارع الفلسطيني، كما أن صحيفة هآرتس الإسرائيلية قد نشرت أن الوزير أفيغدور ليبرمان يدعم القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان لكن الفرص الحالية لدحلان لا تبدو قوية بالرغم من محاولاته المستمرة لتصدر المشهد الفتحاوي لكن ربما يكون المجال أسهل له في فترة ما بعد عباس خاصة بما يحظى به من دعم إقليمي.
وكما نرى فإن هناك احتمالاً كبيراً للخلاف على اسم خليفة عباس داخل فتح نفسها وخلافاً مع حركة حماس ( التي ما زالت ليست متدخلة بشكل واضح في موضوع خلافة عباس) في ظل غموض كبير حول مستقبل السلطة التي لا يوجد رغبة من أغلب الأطراف بانهيارها لكننا سنجد أن جميع الأطراف ستعمل على تحقيق أكبر فائدة وأقل ضرر في العملية التي ستسفر عن خلافة محمود عباس.
أما التأثير على القضية الفلسطينية فإن الأمر مع أهميته فلا يتعلق بالدرجة الأولى بشخص الرئيس القادم ولكن كما ذكرنا فإن الخلافات على من سيكون الرئيس القادم سوف تكون سلبية على القضية الفلسطينية وهذا بالإضافة إلى أن النظام الفلسطيني يعيش العديد من الأزمات التي تعصف به منذ سنوات.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.