صار القلب معلَّقاً في صالات انتظار، فارقونا الأحباب رغماً عنهم، فارقوا أبناءهم ووالديهم وشركاء حياتهم ونصف روحهم، تركوا منشأ ذكرياتهم وطموحاتهم وبداية كل جديد تعلَّموه على مَرِّ الزمان.
تخبطت مشاعرهم نحو الفقد والاشتياق إلى الرجوع.
فماذا بعد؟! سنظل هكذا؟! لا؛ أظن لا.
نتوقف برهة لنساعد مشاعرنا على البوحِ بما داخلها، تمرُّ السنون في أذهاننا؛ فتدمع لها الأعين ويشتاق القلب إلى الأمان بالقرب أكثر من رؤية العين، نشتاق إلى الماضي، إلى الطفولة، إلى الأهل، إلى الأقارب، إلى الأحباب، نشتاق إلى حرارة استقبالنا لهم، وإلى رؤية المحبة بأعينهم.
يا الله! إنّنا نشعر بأشياء لا نستطيع التعبير عنها وتوضيح ما يجري بداخلنا، نعم تلعثمت الكلمات وتعسّر اللسان عن البوح؛ فالكل مُتلعثم، قلِق، مترقب في صمت.
تجمَّدت الحروف فحاول كلٌّ منا أن يعافر ليستطيع إطلاق الكلمات من داخله؛ فمنا من يكتب في مذكراته اليومية، ومنا من يقف أمام المرآه وينطلق بالكلِم كأنه يُحدِّث شخصاً آخر، ومنّا من يبوح دمع أعينه في صمتٍ، وآخرون ينتظرون الليل بفارغ الصَّبر لمقابلة وسائدهم"صديقتهم الصدوقة" لِيُخرجوا لها شَجَنهم وحبهم وحرارة شوقهم المُخبّأ من مُدَّة، ومنهم من يترك نفسه في السجود فيُغمض ويفيضُ الدمع ولا ينطق لسانه إلا بكلمة واحدة "يا رب"، وقتها نفسه تُحدِّثه بأنه لا داعي لذِكر ما يحدث فالله يعلم كل شيء، يعلم ثقل القلب فيكتفي بـ"يا رب، فأنت تعلم وهم لا يعلمون".
هؤلاء مِن فضْل الله عليهم وجدوا طريقة لخروج الأحرف، جميعهم مفطور القلب، لكن الأكثر وجعاً -من وجهة نظري- من لا يستطيع البوح، فلا يكتب ولا يشكو ولا يتحدث مع وسادته، ولا حتى يطلق العنان للدمع في سجدةٍ ويفضِّل السكون والصمت التام.
وللإنصاف، كلُّ واحد من هؤلاء ليسوا معترضين على قضاء لله ويعلمون جيداً أن الدنيا دار بلاء واختبارات؛ لتهيئتنا للحياة الأبدية الأسعد على الإطلاق، ولكن من دون إرادتهم يخضعون لفطرة الله بهم، فطرته بالبشر الضعف، "وخُلق الإنسان ضعيفاً"، يسقطون فيساندهم الله للنهوض مرة أخرى وهكذا إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
أحببنا الله على منعه وعطائه، ففي كلٍّ منهما أجر ولكلٍ منهما سبب.
قد لا نستطيع التفسير في حينها، ولكن بداخلنا ثقة بأن الخير فيما اختاره الله.
أعلم أن كلماتي ليست مُتناسقة، وليست مُرتَّبة، وليست مُبدِعة في ذاتها، ولكن هذا يُمثل شعور وانفعالات وأفكار البعض، كلها مشوشة فوضوية من كثرة العثرات، والتفكير وعدم التوصل لحلٍ مُرضٍ لذاتهم على الأقل.
فمن أصعب اللحظات التي نمر بها هي عندما نعجز عن وصف إحساسنا، عندما يصعُب علينا أن نصِف ما يدور بداخلنا، عندما نشعر بأن كل من حولنا لا يفهموننا، كلماتنا في هذا الوقت تعجز تماماً عن وصف ما بداخلنا؛ فنلجأ إلى الصمت.
وهذا ما يُحيط بشباب في عقدهم الثاني، فمشاعرنا مضطربة وعيوننا زائغة وقلوبنا تائهة، فاللهم اجمع شتات أمرنا وأرواحنا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.