كتبت كثيراً عن الطفل العصبي والطفل العنيد والطفل "اللي مطلّع عين أهله". كتبت عن أهمية الخروج للطبيعة والانطلاق والفسح والرياضة المنتظمة حتى تخرج طاقة الطفل.
كتبت عن أخطاء الأهل التي تدمر العلاقة بينهم وبين طفلهم وتحولها إلى صراع قوى مستمر وغير عادل! مع كل هذه الكتابات ما زلت أتلقى رسائل تستفسر عن الطفل العنيد! الطفل الذي يهوى استخدام كلمة "لا"! في مقال اليوم سوف أتحدث عن العند من جميع الجوانب.
الجانب الأول: هل هناك شيء اسمه طفل عنيد؟
في كتب التربية السلمية – Peaceful Parenting – لا يوجد وصف "الطفل العنيد"! يستخدم التربويون مصطلحات أكثر إيجابية وأكثر قدرة على التعبير عن هذه السمة في الأطفال مثل "الطفل ذو الشخصية القوية" أو "الطفل ذو الاحتياجات المُلِحة" أو "الطفل ذو الإرادة القوية" وغيرها من المسميات التي تزيل وصم "العند" عن الطفل.
مثل هذه المسميات تساعد الأهل على تقبّل واحتواء طفلهم والتعامل مع متطلبات شخصيته بصدر رحب وطول بال.
وفي نهاية كل كتاب يعدّ التربويون الأهل بالجائزة الكبرى عندما يتخطى طفلهم مرحلة الطفولة.. يعدوهم بطفل قائد يعتمد عليه، مستقل قادر على التفرقة بين الصواب والخطأ وليس عرضة للانجراف في تيارات سلبية أو مدمرة.
الجانب الثاني: مراحل نمو الطفل وقدرته على الطاعة في كل مرحلة
تقول ماريا مونتيسوري: إن الطفل أقل من سنتين غير قادر على الطاعة، ولا يجب غصبه على الطاعة باستخدام العنف اللفظي أو الجسدي، في هذه السن الصغيرة احتياج الطفل للاستكشاف والتجربة أقوى من أي توجيه أو قيد أو عقاب، فعقاب الطفل سوف يؤدي إلى توتر علاقته بأهله وفقدان الثقة و"العند" كعقاب لهم على اعتدائهم عليه، في هذه المرحلة دور الأهل مساعدة الطفل على الاستكشاف، مع تأمينه خلال محاولاته للتعرف على العالم من حوله.
في العام الثالث يطيع الطفل الأوامر وفقاً لأهوائه. وأكبر خطأ يقع فيه الأهل هو مكافأته على الطاعة؛ لأن هذا يجعل الصواب مقترناً بالمكافأة، ومع الوقت يكبر الطفل ويفقد حب اختيار الصواب، في هذا العام يجب على الأهل الإكثار من التوجيهات ووضع قواعد ثابتة للمنزل يلتزم بها كل مَن يعيش في هذا المنزل.
مثلاً: كل مَن في المنزل يغسل يديه قبل وبعد الأكل، أو كل مَن في المنزل يرتب سريره أو كل مَن في المنزل يرتب حجرته.. وهكذا.
ما بين ثلاثة وستة أعوام يبدأ الطفل التمييز بين الصواب والخطأ، ولكن قدرته على الالتزام بالصواب قد تخذله أحياناً.
هذه مرحلة طبيعية يجب أن يمر بها كل الأطفال، ويجب على الأهل استيعابها؛ لأن الهدف في النهاية ليس تربية طفل خاضع خانع مطيع لأوامر كل مَن هو أكبر منه سناً أو أعلى منه سلطة.. الهدف هو تنشئة طفل ملتزم يختار الصواب وقادر على مقاومة المغريات.
ما بين ستة وثمانية أعوام يطيع الطفل من يثق بهم، لا تفترض أن الطفل يثق بك لمجرد أنك أبوه أو أمه وتعرفان مصلحته! الثقة تكتسب من خلال المواقف خلال جميع سنوات الطفولة الماضية.
بعد ثمانية أعوام من التربية تجني ثمار ما زرعت.
الجانب الثالث: العند من منظور الطفل
إذا أردت أن تفهم الطفل يجب أن تضع نفسك مكانه! تخيّل نفسك في مكانه بالضبط، تخيّل كيف يراك وكيف يفسر تصرفاتك وكيف يُترجم أوامرك.
في أغلب الأحيان، الطفل "العنيد" يراك ديكتاتوراً أو سجاناً أو معتدياً على حريته وحقه. هذا سبب العند! يناطحك رأساً برأس دفاعاً عن طفولته وعن حقه في اللعب أو التسلية أو الاستكشاف.
قبل أن تلومه على خطأ ارتكبه حاسب نفسك أولاً على أخطائك في حقه! تركه فريسة للملل والزهق، حرمانه من الانطلاق واللعب والجري، تحميله مسؤوليات أكبر من عمره، استخدامه كمنفّث لغضبك وإحباطاتك.. إلخ.
ضع نفسك مكان الطفل وتخيّل ماذا أنت فاعل لو كنت مكانه!
الجانب الرابع: أضرار "كسر" العند
كسر العند في الطفل له طرق معروفة.. الضرب، الصياح، الحرمان، العزل، المعايرة، الذل، الحصار النفسي.
كم هي أساليب قاسية عندما نجردها من الزخرف اللفظي، فما هو ركن العقاب أو كرسي العقاب إلا عزل وذل وحرمان وحصار نفسي.
قد تنجح وتحصل على طفل يهابك ويطيعك ولكن انظر إلى باقي شخصيته لتعرف مدى خطئك في حقه.. طفل مهزوز الشخصية غير قادر على مقاومة الاعتداء عليه من أي شخص وفاقد الثقة في نفسه ويحتاج دائماً إلى من يتخذ له القرارات – حتى وإن كان صديقاً في مثل عمره.
قد تحصل على طفل متبلّد لا يهمه العقاب ولا يشعر بالخزي ويتعمد إحراجك في كل مكان.. هذا الطفل ينقل ما تعرض له من قهر في منزله إلى الحضانة والمدرسة والنادي ويتعمد إيذاء الآخرين؛ لأنه متألم.
الجانب الخامس: استراتيجيات لتفادي العند
في المقال القادم سوف أكتب عن هذه الاستراتيجيات.. انتظرونا
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.