من عمارات على الطراز الفرنسي إلى بيوت المقابر والعشوائيات.. كيف أدت سياسة “الإسكان المصرية” إلى التشوه العمراني لمصر؟

عدد القراءات
1,017
تم النشر: 2018/06/02 الساعة 07:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/01 الساعة 13:35 بتوقيت غرينتش

لقد مرّت سياسة الإسكان المصرية بالعديد من المراحل المختلفة والمتقلبة خلال فترات زمنية متباينة، برزت بعد التحول من الملكية إلى الجمهورية، خلال حكم أربعة رؤساء بحكوماتهم المتخلفة.

اعقاب أحداث 1952 إلى الآن شهد الإسكان إصدار عدة قوانين لتحديد العلاقة بين المالك والمستأجر، تم إصدار سلسلة قوانين لتخفيض الإيجار وسحب حق المالك في طرد الساكن مع نهاية العقد:

 قانون رقم 99 لسنة 52: تخفيض الإيجار بنسبة 15% على العقارات المنشأة من 1/1/1944 حتى 18/9/1952.

 قانون رقم 55 لسنة 58: تخفيض الإيجار بنسبة 20% على العقارات المنشأة من 18/9/1952 حتى 11/6/1958.

 قانون رقم 168 لسنة 61: تخفيض الإيجار بنسبة 10% على العقارات المنشأة من 11/6/1958 حتى 5/11/1961.

 بناء المساكن ذات التكلفة المنخفضة بشكل واسع.

 إنشاء الأحياء السكنية للعمال والموظفين بجوار المراكز الصناعية الجديدة.

 التوسع في الإسكان الحكومي المتوسط.

الأمر الذي أدى إلى العزوف عن بناء المساكن بسبب القيمة الإيجارية المنخفضة، وعام 1961 تم تأميم الشركات الخاصة، وآلت إدارتها إلى وزارة الإسكان وسيطرة الدولة على الإسكان وتدخلت فيه بشكل مباشر وأنشأت في كل محافظة "إدارة شؤون الإسكان" تختص بالتراخيص ومراقبة إقامة المباني ومخالفاتها، دون المساس بالمنشآت التي تقيمها القوات المسلحة.

ونتيجة للتحول إلى الاشتراكية أصبح كل رؤساء الشركات موظفين لدى الدولة، مما أدى إلى فقدان قيمة المنافسة أو الجودة المطلوبة، أصبحت الوزارات مع التأميمات هي القابضة على إدارة الشركات التي أممت، توفرت للدولة آلاف العمارات المؤممة، وكان منح هذه الشقق والقصور من قضايا المحسوبية واستخدام السلطة.

ظلت القوانين كما هي لتمتد إلى فترة حكم السادات حتى أصدر القانون 136 لعام 81، لمصادرة الملكية وامتداد عقود إيجار العقارات إلى مدى الحياة، وأصدر قراراً جمهورياً سنة 1996 بتنظيم وزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية حيث تم تحديد اختصاصات الوزارة.

رسم سياسة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية، ودراسة وإعداد خطط وبرامج التنمية العمرانية والتنسيق بينها وبين برامج الإنتاج والخدمات، والإشراف على مشروعات تخطيط المدن والقرى والإسكان ودراسة وإعداد خطط المشروعات والبرامج التنفيذية لمياه الشرب والصرف الصحي والإشراف على تنفيذها وإعداد التخطيط للمناطق ذات الأولويات الاقتصادية والاجتماعية، والاستفادة من إمكانيات الموقع الجغرافي وإمكانيات البيئة ومتابعتها، وإعداد الأبحاث الفنية والتطبيقية في مجالات أنشطة الوزارة، ووضع المعايير والنماذج والمعدلات، ووضع التصميمات اللازمة لمشروعات المباني العامة ومباني الإسكان والإشراف على تنفيذها، وإجراء الدراسات اللازمة لاستثمار المال العربي والأجنبي الداخلة في مجال اختصاص الوزارة وفقاً للقواعد المقررة قانوناً، ووضع برامج التدريب في مجالات اختصاص الوزارة، وتنظيم الاشتراك في المؤتمرات والاجتماعات والحلقات الدراسية، وتقديم العون بمختلف صوره للجمعيات التعاونية، وتوجيه وتطوير وتشجيع نشاط القطاع الخاص في مجالات الإسكان المختلفة.

وبدأ في السبعينات عصر الانفتاح، والسوق الخاصة، والقطاعات الخاصة، والاعتماد على الاستثمارات الخارجية، وأهمل أصحاب الدخل المحدود، وارتفعت أسعار الأراضي وتكلفة المباني، وظهرت الهجرة للدول العربية التي أثّرت على تقليل العمالة بمصر، وظهرت ما يعرف بمقدمات الشقق والخلو، وتوقف بناء المساكن منخفضة التكلفة من قِبَل الدولة، وظهر الإسكان العشوائي بكثافة بديلاً لتلك المساكن.

ومع تولّي مبارك زمام الحكم حرّر العلاقة بين المالك والمستأجر، عندما أصدر قانون رقم 4 في 30 يناير/كانون الثاني عام 1996، الخاص بالإيجارات الجديدة، الأمر الذي فتح الباب أمام أصحاب المصالح والمستثمرين في استغلال المؤجر والتحكم في أسعار الوحدات والقيمة الإيجارية لها حسب أماكن تواجدها، فازداد الإسكان العشوائي بشكل كبير واستمر في التضخم وازداد إسكان المقابر.

مع تقلص مناطق الإسكان الرسمي بالدولة اتجه أفراد من الشعب ممن لا يملكون أراضي، أو قادرون على تكاليف السكن مع ارتفاع أسعارها ومحدودية دخلهم؛ إلى وضع اليد على بعض الأماكن المتلاحمة بالمدن وإقامة مساكن بسيطة عليها تفتقر إلى الخدمات الأساسية، وأصبح الإسكان العشوائي معضلة كبرى تواجه المجتمع المصري محدثاً تشوّهاً عمرانياً كبيراً.

ويرجع ذلك إلى عدة عوامل أهمها:

– زيادة النمو السكاني.

– هجرة سكان الريف إلى المدن.

– الزحف العمراني على الرقعة الزراعية.

– ارتفاع أسعار الأراضي المخصصة للبناء.

– زيادة القيمة الإيجارية للمباني السكنية.

– العلاقات الأسرية ورغبة الأهالي في سكن أبنائهم إلى جوارهم.

– خلل في علاقات العرض والطلب على المباني والشقق السكنية.

– تباطؤ الحكومة في تنفيذ القانون.

– خطأ تقديرات الحكومة للزيادة السكانية المتوقعة.

– قصور شمول المخطط الاستراتيجي في توفير أراضٍ للزيادة المتوقعة سنة الهدف.

– عدم التخطيط لمدن جديدة بالأراضي الصحراوية وتوفير الخدمات لها.

– إهمال تطوير البنية التحتية لبعض المناطق داخل المدن.

– اهتمام الدولة لسنوات طويلة بتنمية بعض المناطق الحضرية وإهمال الريف.

 ووفق إحصاء الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2006 فإن حجم المناطق العشوائية بمصر بلغ نحو 1221 منطقة؛ حيث جاءت محافظة القاهرة في المركز الاول في عدد المناطق العشوائية بنحو 81 منطقة، منها 12 منطقة مطلوب إزالتها، و67 منطقة تحتاج لإعادة تطويرها، وجاءت محافظة الإسكندرية في المركز الثاني بنحو 41 منطقة عشوائية، منها 8 مناطق تحتاج إلى الإزالة، و33 منطقة تحتاج إلى إعادة التطوير، وجاءت محافظة الجيزة في المركز الثالث؛ حيث بلغ عدد المناطق العشوائية بها نحو 32 منطقة، منها 4 مناطق مطلوب إزالتها، و28 منطقة مطلوب إعادة تطويرها والباقي يتوزع على المحافظات الأخرى.

منذ 2006 إلى الآن لم يتم إحصاء المناطق العشوائية الأخرى التي ظهرت؛ حيث إن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يجري مسوحاته الميدانية كل 10 سنوات، وهو الآن بصدد إجراء المسح الميداني لعام 2016، ووفقاً لتصريح اللواء أبوبكر الجندي رئيس الجهاز في 2016 فإن التقديرات تشير إلى زيادة المناطق العشوائية نحو 1020 منطقة أخرى.

 فيما نتج عن إهمال التنمية بالقرى المصرية وزيادة الاهتمام بالعاصمة والإسكندرية هجرة أهالي الريف لتلك المدن بحثاً عن العمل، مما نتج عنه زيادة العبء السكاني على المدن الكبرى، مما أدى لتضخم مشكلة الإسكان، في حين عجزت الحكومات المتعاقبة عن حل تلك المشكلة لاقتصار تلك الحلول على حيز الدلتا ووادي النيل، في ظل النداءات المطالبة بالخروج إلى المناطق الصحراوية، ومع التطورات الاقتصادية لجأت الحكومات إلى إنشاء المدن والتجمعات العمرانية الجديدة من خلال توفير مستلزمات المسكن من مرافق وخدمات، وفي بعض الأحيان أنظمة الإسكان الاجتماعي، الأمر الذي أدى إلى زيادة التكلفة، وبالتالي عدم مقدرة الفئات المستهدفة على الحصول على الوحدات السكنية المنشأة لهم، وظهور ما يعرف بنظام المضاربة على الوحدات السكنية من جانب الفئات الأكثر مقدرة، والقيام –من جانب الحكومات- بتوفير الأراضي المرفقة (كبديل رسمي للامتدادات العشوائية)، وما يطلق عليه مشروعات المسكن النواة مما أدى لوجود الفرصة لتوفير فرص المسكن بطريقة مناسبة لمقدرة الفئات محدودي الدخل، إلا أنها لم تمنع الاستمرار في نظام المضاربة من جانب الفئات الأكثر مقدرة، وبدأت الحكومة بإنشاء المدن الجديدة بهدف تخفيف الكثافة السكانية عن العاصمة، فأقامت الحكومات المتعاقبة 30 مدينة جديدة، بالإضافة إلى العاصمة الإدارية الجديدة الجاري العمل في تنفيذها.

لكن لم تنجح تلك المحاولة أيضاً بسبب القصور في فكر تخطيط المجتمعات العمرانية الجديدة، وعدم وضع المحددات التي تمنع من نموها تجاه العاصمة ونموها؛ حيث ما كانت مخططة له في اتجاه الصحراء، بالتالي ازدادت الكثافة السكانية على العاصمة، ويرجع ذلك لعدة أسباب منها:

 الافتقاد إلى عملية المشاركة المجتمعية في التخطيط.

 عدم ملاءمة عملية التخطيط لمنهجية التخطيط Master Plane، فيتعذر تقدير المتغيرات المستقبلية وحجم السكان.

 المبالغة في تقدير أحجام السكان، بالتالي يتم إهدار الكثير من الاستثمارات الحكومية.

ولم تنجح المدن الجديدة في استيعاب الزيادة السكانية الموجودة في القاهرة والإسكندرية وجذب الهجرة من الريف إلى الحضر بسبب:

 عدم ملاءمة الموقع.

 عدم توفير الخدمات بشكل كامل.

 فرص العمل غير المتوفرة للسكان بها.

 العوامل الاجتماعية، فإنها تكون أكثر عزلة من المناطق القائمة نفسها.

فبالتالي وُجد نمو عمراني على أطراف المدن تجاه المحاور التي تربطها بالمدينة الأم عكس المخطط لها مثل:

* اتجاه نمـو مدينة 6 أكتوبر نحو محور القاهرة/الإسكندرية ومحور الواحات/الفيوم وكان مفترضاً نموها شمالاً تجاه الأراضي الصحراوية.

* نمو مدينة برج العرب تجاه مطار غرب الإسكندرية بدلاً من اتجاها غرباً في الأراضي الصحراوية.

 في المقالة القادمة سنحاول التعرض لبعض مشاريع الإسكان المنشأة من قِبل الحكومات المصرية المتعاقبة ومدء ملاءمة تلك المشاريع لمعاهدات مصر الدولية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
إبراهيم عز الدين
مهندس معماري وباحث بقضايا العمران
تحميل المزيد