هذا حديث من مجموعة أحاديث أجريتها في زيارتي الأخيرة في العاصمة الأميركية واشنطن، حرصت على نقل الحديث كما تم حرفياً وحفاظاً على الخصوصية عدّلت بعض الأسماء، وأيضاً أضعت تحديد بعض المعلومات وأيضاً إتماماً للأمانة لم أضمن الحديث بأي وصف أو تفسير منّي أو أردفه بأي تعليق، فكنت حريص جداً على نقل الرأي، كما قاله صاحبه بلا زيادة أو نقصان، أو حتى توضيح حتى يكون صافياً رائقاً كما أراده.
تعريف:
اسمها أسماء تلك الفتاة المصرية التي هرعت إلى مساعدتي عندما لاحظت حيرتي في محطة المترو في أولى ساعات وصولي لواشنطن. فتاة عشرينية ذات وجه أسمر ممتلئ ترتدي الحجاب الإسلامي بحدة واضحة، وتتحرك بنشاط ولا تحاول إخفاء ابتسامة ودودة حانية.. جلست بجانبي في المترو.
حديث:
أنا: أشكرك جداً لمساعدتي فيما يبدو الشهامة لا تفارق المصريين في كل مكان هل أنت هنا للدراسة؟
أسماء: لقد أنهيت دراستي منذ أكثر من عامين، وأنا الآن أستعد لمرحلة الدراسات العليا متخصصة في الاقتصاد، تحديداً في التنمية الاقتصادية، وأقيم مع أسرتي والدي يعمل كبير طباخين أهم فندق في واشنطن، ولم أرَ القاهرة منذ قرابة العشر سنوات.
أنا: التنمية الاقتصادية تخصص رائع أراكِ خلال سنوات نجمة في سماء الأعمال.
أسماء: لا أريد مكاناً هنا أود العودة إلى بلدي مصر لأعمل هناك وأخدم بلدي.
أنا: لا أرى ذلك قريباً فنحن الآن لا نهتم إطلاقاً بالتنمية والاقتصاد وتلك العلوم.
أسماء: كيف هذا والمشاريع القومية الكبرى التى تتم وما يصلنا من أخبار إنجازات عملاقة أنا أتابع جيداً ما يحدث العمل مهول عندكم والإنجاز إعجاز.
أنا: لا يا أسماء ليس هذا بصحيح، إنهم الآن أبعد ما يكونون عن المنطق والعلم أن جميع المشروعات التي تحدث تتم تحت وطأة حاجة مُلحّة إلى الإعلان والإعلام، ولا تسألي عن النتائج.
أسماء: المشروعات القومية الكبرى هل يمكن أن تتم بدون تخطيط ودراسة هذا غير ممكن.
أنا: هذا ما يحدث بالفعل فلا دراسات جدوى ولا رؤية متطورة، وبالتالي لا نتائج، فقط مشاكل وأزمات متتالية.
أسماء: وأين الدين مما يفعلون؟ أين إسلامنا الجميل؟
أنا: وما دخل الدين فيما أقول؟ عزيزتي أنا أتحدث عن العلم والمنطق والرؤية.
أسماء: إن الإسلام به حلول لكل أزماتنا لكننا نبعده، لقد ربتني أمي على أن ألجأ للدين كلما واجهتني مشكلة.
أنا: لماذا تقحمين الدين فيما أقول؟ أولاً إن العلم والمنطق مثلهما مثل القيم الإنسانية ملك للجميع لجميع الأديان، وحتى من لا دين له، إنني بحثت مسبقاً عن أصل مقولة الإسلام دين ودولة، فلم أجد لها أصلاً عقائدياً معتبراً، إن الفصل بين المعتقد الديني والشأن الدنيوي بات أمراً محسوماً، بل إن الإسلام مثله مثل المسيحية مثل كثير من الأديان كان في بعض أوجهه دعوة تغيير وتطوير تحولت بمرور الأيام إلى دعوة جمود وركود، إن كل الأديان قاطبة تحث على القيم الإنسانية، وهذا ما يجعل بالتبعية القيم الإنسانية العليا فوق كل الأديان وأصل كل المعتقدات.
أسماء: إن اتباع التعاليم الدينية لكفيل بأن نكون أهلاً لرحمة الخالق، وتذكّر يا أستاذي وما كان عطاء ربك محظوراً.
أنا: لا يا أسماء لا تقتصّي الآية… "كُلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً"، رحمة الخالق أوسع بكثير من أتباع دين واحد، وعطاء الكريم لا يعجز أمام كل خلقه، وإن شرد بعضهم، وراجعي من فضلك أن الله ليقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة، لا أستطيع بحال أن أستسيغ طلب الفتوى في العلم، ولا أرضى بحال عن هؤلاء الذين يتفننون في ليّ الآيات القرآنية وتفسيرها وتأويلها بتعسف ظالم حتى تناسب الاكتشافات العلمية الحديثة، بل إنني لا أعتقد في إعجاز علمي لكتاب سماوي، ولا في طب نبوي، فالرسول الكريم كان هادياً ولم يكن مسعفاً، ولم يأتهِ الوحي يوماً باستشارة طبية، وكان الرسول المعلم يقول: أنتم أعلم بشؤون دنياكم.
أسماء: إذن ما دور الدين في حياتك؟
هنا انتهى الحديث، وقفزت أسماء مسرعة فقد توقف المترو بمحطة وصولها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.