لأول مرة كأصدقاء نتقابل بعيداً عن جروب الواتساب، وبدأنا نُعرّف أنفسنا وعائلاتنا، وجاء وقتها لتعرف نفسها، وإذا بها تقول: (أنا مطلقة)، نطقتها بصوت مليء بالتردد، وعين تحاول أن تزوغ بعيداً عن النظرات الموجهة إليها، مع محاولات مستميتة لتظهر قوية، وأنها لم تتأثر بذلك اللقب، وبأنها متحررة من جميع القيود، ولا ينقصها أي شيء.
لاحظت بعدها أن الوجوه تبدَّلت ابتسامتها ما بين الحذر والشفقة، وانتهى اليوم، وما أحزنني أنه عندما حددنا موعداً آخر لنتقابل كان رأي بعضهم: (بلاش تخرج معانا فلانة، المطلقة)، فقررت أن أكتب عنها.
لكن بدايةً.. هذه المقالة ليست أبداً للتشجيع على الطلاق، ولكنها دراسة لواقع مرير، ودراسة لحالات من البشر بعضهم ليس له أي ذنب غير أن القدر كتبَ عليهم ذلك اللقب.
هذه المقالة أطلق منها صرخة (كفانا دفن رؤوسنا في التراب، أو معالجة الأمر بشكل خاطئ)، فنحن لم نجنِ من دفن رؤوسنا غير خلق قنابل موقوتة.
ثانياً: رسالتي موجهة للسيدات؛ لأنهن أكثر تضرراً نفسياً واجتماعياً، وقريباً سأقدم مقالاً -إن شاء الله- للرجل المطلق؛ لأنه أيضاً يجد بعض المعاناة.
ثالثاً: هناك حقيقة لا نستطيع إنكارها وهي أن هناك نساء البعد عنهن غنيمة، وفعلاً سيئات المعشر، ويقع منهن ظلم كبير على الرجال، لكن ليس هذا مجال حديثي في هذا المقال، مقالي للحالات الطبيعية التي تحدث عامة في مجتمعاتنا.
فأرجو وضع هذه الملاحظات في الاعتبار عزيزي القارئ.
أما أنتِ صديقتي المطلقة، أعلم أنك دفعت ثمناً باهظاً حينما قررتِ الحصول على هذا اللقب، وأعلم أن نهارك همّ وحزن، وليلك يخيّم بسواده على نفسك وروحك.
وأعلم أنك في مجتمعات مهما تظاهرت بالتقدم، فهي ما زالت تنظر إلى المطلقة على أنها وصمة عار والمذنب الأول والأخير فيها هي المرأة، حتى ولو لم تكوني تتحملين أي ذنب، وحتى لو تعاطف البعض معكِ في البداية، ففي النهاية سيتهرب منك الجميع إلا مَن يشبهك في ظروفك، مجتمعات تتعامل بالمعنى ونقيضه، وعلمك بذلك يُحتم عليك أن تنحّي نظرة المجتمع جانباً، وتجعلي جلّ تركيزك عليك أنتِ فقط، وفي النهاية شخصيتك واحترامك لقيمك ودينك هي من تفرض نفسها على تلك النظرة المجتمعية.
أعلم أنك أحياناً تعيشين في عذاب الضمير عندما يوجه إليكِ سؤال: (لماذا لم نصبر فالجميع يعاني في صمت؟)، مما يزيد من معاناتك.
وأعلم أيضاً أنكِ فقدت إحساسك كأنثى، بسبب كل هذه الضغوط التي تضغط على روحك فشيّبتها، وقلبك إلى أن وصل من العمر أرذله.
ولكن.. بما أن الطلاق حدث، سواء كان قراراً خاطئاً أو كان هو ملاذكِ الأخير، برغم عدم توقعكِ لتلك النهاية، تحتاجين الآن إلى أن تدركي بماذا ستمرّين من مشاعر إذا كنتِ حديثة الطلاق، أو بماذا شعرتِ لو كنت ذات تجربة قديمة، وما هو الحل الأمثل للخروج من أزمتك النفسية؟
المطلقة يا سيدتي تمر بعدة مراحل:-
1- الصدمة ورفض الواقع، إذا كانت غير متوقعة هذا الحدث، أو لم يكن له مقدمات.
أو الفرحة والإحساس بالانطلاق، إذا كانت تعيش في جحيم أو تكره زوجها.
2- مرحلة التوتر والقلق والإحساس بالعجز، مع قليل من الحساسية من مقابلة الناس؛ لكي لا تسمع تلك الكلمات أو ترى تلك النظرات، مع إحساس بالوحدة والخوف من القادم، إلى أن تصل لفقد الثقة بالنفس، ومن ثم مرحلة اكتئاب، وإذا تماديتِ في تلك المشاعر السلبية فستصلين إلى الاكتئاب المزمن.
أما لو كانت السيدة ذات وعي كامل بمعطيات واقعها الجديد، فستقف المشاعر السلبية عند مرحلة الحزن والعزلة، ومن ثم التأقلم على الوضع، والمحاولة بكل الطرق للوصول لمرحلة توافق نفسي.
أما عن الحلول:
1- خسرتِ شيئاً بداخلك، نعم خسرتِ، ولكن ماذا بعد؟ ألم تكتفي من الحزن والوحدة والضجر؟ أتريدين أن تستمري في الخسارة؟ هل وجدتِ منها أي مكسب؟ اعتبري خسارتك حاجزاً بُني في طريقك وأنت تسيرين، وتحتاجين الآن لمعدات وآلات لتساعدك على هدم ذلك الحاجز، ولن يتم هدمه إلا بواسطتكِ أولاً.
2- خذي الوقت الذي تحتاجينه لمداواة جروحك، وحذارِ أن تبدئي في أي تجربة جديدة وأنت لستِ متأكدة أن ما مر أصبح مجرد ذكرى.
3- الفاشل الحقيقي هو مَن يصر على العيش في إخفاقاته، أما الناجح هو من يأخذ وقته في الحزن؛ لأنه إنسان، لكنه يأخذ قرار تجاوزها والتعلم منها، فقرري أي الطريقين تريدين؟
4- لو قررتِ أن تكوني من النوع الثاني، قومي بكتابة ما ترينه يميزك داخلياً وخارجياً، ابذلي مجهوداً في ذلك حتى لو وجدت صفتين فقط.
5- اعملي على تلك المميزات بشكل صحي ونمّيها، ومن ثَم حدّدي أدوارك الجديدة، وضعي خطة لكل دور، وخُذي من مميزاتك التي اكتشفتيها طاقة لتنفذي خطتك؛ لأني أعلم أنكِ في الوقت الحالي لا تملكين أي طاقة، ولكن صدّقيني عندما ترين إنجازاتك ستجتازين الأزمة بسرعة.
6- تجنّبي الوحدة قدر المستطاع حتى وإن وجدت فيها راحة، وأحيطي نفسك بأصدقاء صالحين.
7- اجعلي ما يبرد نفسك قراءة القرآن، والصدقة بنية الشفاء من الآلام النفسية التي تمرين بها، والذكر، وقيام الليل؛ لأنها زادك الحقيقي في الرحلة الجديدة.
8- من النقاط السابقة قومي بعمل جدول يومي لكِ، وتخلّصي فيه من أوقات الفراغ واستغليها كما ينبغي.
وأخيراً لديّ ثلاث رسائل:
الرسالة الأولى لكِ أنت صديقتي:
لو هناك أمل بينك وبين طليقك، فاجلسا على طاولة الحوار، وأعيدا ترتيب نفسيكما من جديد، ومن ثم علاقتكما، واجعلا ما حدث درساً تعلمتما منه، خاصة لو كان بينكما أطفال.
أما لو لم يكن، فأرجو منكما أن تعلما أن الطلاق ليس نهاية المطاف، فلا تفقدا ثقافة الخلاف، فلم نكن أعداء من البداية، فهل يعقل أن نتحول كذلك وبيننا الوصل الدائم وهم أبناؤنا؟
أما الرسالة الثانية فهي إلى صديقتي المقدمة على تلك الخطوة:
تريّثي جداً جداً، واحسبي لقرارك ألف حساب، فالطلاق لا بد أن يكون لسبب مهم جداً، سبب ينتج عنه استحالة العيش مع الشريك.
لا تقارني حياتك بحياة غيرك على مواقع التواصل الاجتماعي، والمسلسلات، فتخلقي بداخلك حالة من عدم الرضا، فتختلقي المشاكل.
الرسالة الثالثة للمجتمع:
أرجوكم لا تُعمّموا أحكامكم على الناس بسبب خطأ فردي؛ لأن تعميمكم هذا يجعل الناس تُفضل العيش في غياهب الهم والحزن، ودفن أنفسهم في القهر أفضل من التعرض لألسنتكم، فلا بد من تنمية ثقافة (خلّينا في حالنا)، (وأنا مالي)، في عدم التدخل في حياة الآخرين.
الرجل بشر مثلنا، مُعرّض للخطأ عادي جداً والله، وممكن أن يكون سبباً في الطلاق عادي بردو.
لو رأيتم في أنفسكم المؤهلات التي تجعل منكم حكماً عدلاً في إنهاء الخلافات، تفضلوا فوراً لحلها، ونكون شاكرين جداً لمجهودكم.
أما لو كنتم فاقدين لها، فانصرفوا فوراً لكي لا تظلموا طرفاً على حساب طرف فلن تتحملوا دعوة مظلوم.
وفي النهاية.. أتمنى أن تكون المقالة نقطة تحوّل في حياتكم، وأراكم الأسبوع المقبل في مقال جديد، مقال يجعلنا سنداً لبعض في دنيا مليئة بالأعباء.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.