كيف تغيرت أيديولوجية وهوية المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/31 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/31 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش
epa03694542 Egyptian men set the national flag of Israel on fire during a protest against Israel's decision to carry out air strikes in Syria, in Cairo, Egypt, 10 May 2013. Protesters gathered to condemn recent Israeli raid in Syria and the Israeli arrest of top Muslim cleric in Jerusalem. EPA/OLIVER WEIKEN

تشكّلت البنى الاجتماعية العربية تاريخياً كمحصلة لتفاعلات محلية وإقليمية وعالمية، تفاوت فيها حجم تأثير العوامل الداخلية النسبي قياساً للعوامل الخارجية بسبب العلاقة المعكوسة بين الدولة والمجتمع: فبينما شكَّل المجتمع الغربي دولته الحداثية وأيديولوجيتها وعقب تفاعلات محلية، شكَّلت الدولة العربية الحديثة مجتمعها، خاصة نظامه السياسي والاقتصادي وإعلامه وأيديولوجيته الرسمية، أي عبر قرار فوقي وهو ما سمح بتزايد دور العامل الخارجي/ الاستعماري في صناعة القرار العربي على حساب العامل الداخلي.

وقد أدت نهاية الحرب الباردة إلى تسارع نمو النظام الرأسمالي المعولم، والانتقال من بسط نفوذه عبر التفاوض إلى القهر الأيديولوجي ولو من خلال الاحتلال العسكري، كما حدث في حالة العراق.

 كما أدت التحولات العالمية مع خصوصية العلاقة التاريخية بين المجتمع والدولة في منطقتنا إلى تراكم أزماتها وهو ما أدى لتسارع التغيرات بها مؤخراً:

وبينما اتسقت بعض تلك التحولات مع العوامل التاريخية المؤثرة على منطقتنا (اتسقت مع الخصائص الاجتماعية للسيرورة التاريخية في منطقتنا)، أفرزت تحولات جديدة غير مسبوقة تاريخياً:

حيث استمر التأثير الاستعماري على المنطقة من تفكيك المنطقة وإعادة تشكيلها على مستوى الجغرافيا السياسية والسياسة والاقتصاد والاجتماع، كما حدث في السابق عبر اتفاقية سايكس – بيكو عام 1916 التي تم فيها إنهاء نظام الخلافة العثمانية وإعادة تقسيم المنطقة العربية بين فرنسا وبريطانيا مع تفاهمات مع روسيا القيصرية، لتقسيم المصالح، والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط.

كما أفضت التحولات الأخيرة لإنهاء النظام الإقليمي العربي مقابل زيادة النفوذ الإقليمي والعالمي لسد الفراغ السياسي (الإقليمي متمثلاً في الإيراني بشكل رئيسي يليه التركي بشكل أقل)، فقد اختفت الدولة في سوريا وليبيا واليمن، كما تواجدت اسماً بالعراق الذي يقع تحت تأثير النفوذ الإيراني الأميركي الغربي، كما أضعفت الدولة في السودان بعد أن انقسمت لدولتين، وتجذير الصراع في الدولتين على أساس عرقي وديني واجتماعي.

 وتتمثل أبرز التحولات غير المسبوقة تاريخياً:

1- الاتجاه المتزايد لأسرلة (الدعم باتجاه المصالح والأيديولوجيا الاستعمارية الإسرائيلية) العلاقات الإقليمية العربية أيديولوجياً وسياسياً واقتصادياً في مقابل التقليص المتزايد للمصالح التاريخية للعرب وتمييع وتشكيك متزايد في الهويات الحضارية الاجتماعية للمنطقة، التي شكلت تاريخياً ركائز التماسك العربي:-

– حيث يتصاعد الدور الاستعماري الإسرائيلي كوكيل حصري لمصالح النظام العالمي (الأميركية خاصة) في المنطقة العربية؛ كي تتولى قيادتها في الفترة التاريخية الراهنة؛ حيث تتفوق إسرائيل وبفارق مطرد في التأثير السياسي وعسكرياً وتقنياً وتتبني أيديولوجيات النظام العالمي/ الرأسمالي المهيمن، في مقابل غياب أي تأثير إقليمي للعمل العربي الرسمي المشترك، ومن ثم أي تعاون عربي – إسرئيلي سياسياً أو اقتصادياً.

– فرض إحدى أبرز الآليات الأيديولوجية للنظام العالمي على المستوى الفكري والرسمي العربي والمتمثلة في (الحرب على الإرهاب) وإحلالها محل مفاهيم (الاحتلال الإسرائيلي – الصراع العربي الإسرائيلي – المصطلح الأكثر حداثة الأرض مقابل السلام – مشاريع السوق العربية المشتركة – العمل العربي المشترك – الدفاع العربي المشترك – التنمية – الاستقلال – التصنيع – المقاومة – الاستعمار…..).

– السعي الصهيو – أميركي إلى محو إحدى أبرز ركائز الهوية الإسلامية والمسيحية الحضارية والتاريخية عبر صهينة القدس وفلسطين (شرعنة الاحتلال الإسرائيلي عليهما) في مقابل (كإحدى مفارقات التاريخ) السعي العربي الرسمي المتزايد للشرعنة السياسية والاقتصادية والأيديولوجية لدور إقليمي رئيسي إسرائيلي في المنطقة، والعمل على تصعيد التصور الاستعماري/ الصهيوني حول أولوية محاربة الإرهاب، والتعاون الإقليمي الاقتصادي على حساب قضايا يفرضها منطق التاريخ والجغرافيا ومصالح الواقع الاجتماعي العربي.

 2- ظهور حركات احتجاجية شعبية كانعكاس لأزمة العلاقة التاريخية المعكوسة بين (المجتمع والدولة)، وتراكم المشكلات الناتجة عن الاستغلال التاريخي للنظام العالمي سرعان ما تم احتواؤها أو القضاء عليها أو تأزيم الوضع الاجتماعي الوطني للحفاظ على تحالف المصالح العالمية والإقليمية والمحلية.

 3- تصنيف دول عربية رئيسية كمجتمعات مخاطر risk society بعد تبنيها لأيديولوجيا الليبرالية الجديدة؛ حيث أوشكت أن تتحول مخاطرها الاجتماعية لأزمات تفكّك كيانها الاجتماعي؛ حيث تفشل النظم الاجتماعية في تحقيق أدوارها الرئيسية أو تحققها بكفاءة محدودة، بالإضافة لعدم معالجة مشاكلها المتوارثة تاريخياً، وعجزها عن التعامل مع مخاطر حديثة، مثل شح موارد المياه، وتركز متزايد للقوة مقابل انكماش المجتمع المدني، واتساع الفجوة التقنية محلياً وعالمياً، وضعف الإنتاج، وتغلغل وتوسع ظاهرة المجتمع الاستهلاكي، وتصاعد الدين العام، واعتماد متزايد لاقتصادياتها على الاستيراد، وظهور أنماط جديدة غير مسبوقة للتفكك الاجتماعي.

أو دول فرضت بشكل فوقي مؤخراً أنماطاً شكلية مستوردة للحداثة وبشكل متسارع تتعارض مع إرثها الحضاري والتاريخي ويقوض أسس تماسكها الاجتماعي.

 وفي إطار ما سبق:

فلا مناص من إعادة بناء المجتمعات العربية علي أساس موضوعي يرتكز على الإرث الحضاري من ناحية، ووسائط التقدم الحضاري الراهن من ناحية أخرى، بحيث يقوم على توزيع اجتماعي عادل للقوة وللفرص الاجتماعية، ويبني علاقات تعاقدية سليمة بين المجتمع والدولة، ومن ثَم نستطيع قيادة أنفسنا وفق مصالحنا ونبني تنميتنا بأسلوبنا، وكما نحب أن نعيش بدلاً أن نقاد، ونتحول من أمة مستهلكة حالياً؛ لنصير بلا ملامح أو كيان.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
علي الشافعي
باحث ماجستير في علم الاجتماع
تحميل المزيد