المقاطعة.. صرخة المغاربة المسموعة أخيراً ‎

عدد القراءات
588
عربي بوست
تم النشر: 2018/05/30 الساعة 10:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/30 الساعة 10:33 بتوقيت غرينتش

بعد أسابيع قليلة من مقاطعة المغاربة لمجموعة من المواد الاستهلاكية، ظهرت مؤشرات نصر تاريخي قد يحققه المغاربة في معركة الدفاع عن قدرتهم الشرائية، التي باتت مهددة أكثر من أي وقت مضى، فما الأسباب التي دفعت الشعب المغربي للمقاطعة؟ ولماذا تمت مقاطعة منتوجات دون غيرها؟ وما المآلات المرتقبة بعد المقاطعة؟

لعل الأسباب التي أدت للمقاطعة كانت نتاجاً لتراكمات سنين عديدة، حيث جنحت شركات استهلاكية منذ سنوات لرفع أسعار سلعها بشكل دوري، وحيث إن الأمر كان يمر دون استنكار أو امتعاض حتى، فقد أصبح الأمر إدماناً بالنسبة لتلك الشركات الجشعة، والغريب في الأمر أن بعض تلك الشركات تبيع نفس المنتوج في دول أوروبية بأثمان أقل رغم فارق القدرة الشرائية بين أوروبا والمغرب، الأمر الآخر هو الفارق الكبير بين مصاريف الإنتاج المنخفضة وثمن البيع المرتفع، هذا الفارق الذي يجعل من الممكن خفض الثمن بشكل قياسي، أضف إلى كل هذا رغبة المغاربة في تغيير واقعهم بأيديهم بعد يأسهم من إمكانية أن تقوم الدولة بحمايتهم من جشع رجال الأعمال.

ومن الملاحظ أن المقاطعة شملت مواد وشركات بعينها دون غيرها، و هي شركة سنترال الفرنسية التي تعمل بمجال تعبئة الحليب ومشتقاته، وتستحوذ على حصة الأسد من السوق المغربية، وشركة مياه مغربية هي الأكبر على المستوى الوطني، وشركة لبيع البترول ومشتقاته تابعة لرجل أعمال مغربي نافذ، وتلاحقه شبهات استغلال نفوذه في السيطرة على سوق المحروقات في المغرب.

ولعل القاسم المشترك بين هؤلاء جميعاً، هو حجم حصة كل واحد منهم من السوق ضمن مجال تخصصه، وهم جميعاً يحوزون الصدارة، فكان لمقاطعتهم رمزية خاصة كونهم كانوا إلى وقت قريب رموزاً لجشع رجال الأعمال عند المغاربة.

ولأنهم كانوا رموزاً للجشع عند شريحة واسعة من الشعب المغربي، كان من السهل الإجماع على مقاطعتهم، لقد كانت سنوات من الزيادة في الأسعار دون رقيب كفيلة باستجلاب سخط ملايين المغاربة، والذين رأوا فيها مناسبة لرد الصاع صاعين لشركات كان همها طوال سنوات إفراغ جيوبهم.

لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في إيصال صوت المقاطعة رغم التعتيم الإعلامي الذي مارسته القنوات العمومية، لكن السبب الرئيسي في انتشارها كان هو عدم ارتباطها بأي أجندة سياسية، ودون أن تكون تابعة لأي تيار حزبي، مما جعل جميع أطياف الشعب تلتف حولها

لكن على الرغم من انتشارها الواسع، فإن نجاحها رهين بالحفاظ على زخمها، وقد بدأت بالفعل محاولات لتثبيط همم المقاطعين، من خلال نشر معلومات كاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي، من قبيل اعتزام الشركات تخفيض الأثمنة في تواريخ معينة، أو الخرجات الإعلامية لبعض المسؤولين التي هددت المقاطعين وتوعدتهم بالعقوبة.

في حالة نجاح حملة المقاطعة فإن الشعب المغربي سيتمكن بطريقة سلمية من تخفيض أثمان مجموعة من المواد الاستهلاكية الأساسية، والأهم من هذا توجيه رسالة لبقية الشركات التي تعد أصغر من الشركات التي تعرضت للمقاطعة، أو لا يمتلك أصحابها نفوذاً كافياً لتقليل وقع تعرضهم لأمر مماثل، هذه الرسالة مفادها أن المغاربة ضاقوا ذرعاً بالتلاعب بقدرتهم الشرائية، وأنهم أصبحوا قادرين على مجابهة الزيادات في الأسعار بالمقاطعة.

لكن رغم كل هذا لا يزال احتمال فشل هذا التحرك قائماً، وقد يكون ثمن هذا الفشل في حال حدوثه كارثياً، بل حتى أصحاب القرار في تلك الشركات يعولون وبشكل كبير على فشل المقاطعة، يساندهم في ذلك حتى أصحاب شركات أخرى لم يطلها ذراع السخط الشعبي، لكنها تخشى من إجبارها فيما بعد على مراجعة أسعار سلعها تحت ضغط تراجع أثمان سلع شركات منافسة.

ثمن الفشل قد يكون يأس الشارع من إمكانية مجابهة جشع رأس المال، ومن تم الاستسلام لشباك رجال الأعمال ولأسعار سلعهم التي تكوي ظهور الفقراء، وسيكون أيضاً بضياع فرصة توحد نادرة بين أطياف الشعب ككل، كانت كفيلة بخلق توازن بشكل ما بين المستهلك الذي لا حول له ولا قوة وبين شركات استغلت ضعف رقابة الدولة والتسيب للاستفراد بالمواطن.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
يوسف بلكحل
مهتم بالعمل المجتمعي بالمغرب
تحميل المزيد