بعد مُسلسل هوانم جاردن سيتي، وجراند أوتيل يُطل ليالي أوجيني لينضم إلى قائمة المُسلسلات المُفضلة إلى قلبي، حيث الكلاسيكيات وكُل ما هو بسيط وراقٍ وقريب من القلب، والزمن الجميل الذي لن يتكرر أبداً.
مُسلسل ليالي أوجيني هو من تأليف سما عبد الخالق، وإنجي القاسم، تخرجا في مدرسة السيناريست تامر حبيب، وهو من كتب أعمالاً حققت نجاحاً ما زال يحصده إلى يومنا هذا، في كُل مرة تعرض أعماله على القنوات أشاهدها كأنها أول مرة، فهو من الكُتاب الذين أشعر أنهم يجلسون داخل عقلي، ويكتبون ما لا أقدر أنا على البوح به، وأتفاجأ أثناء عرض المُسلسل بحوار أو جملة، إذا كان معي وقتها لن يكتبها بهذا الشكل!
وعندما علمتُ أن إنجي القاسم وسما عبد الخالق هُما مَن كتبن المسلسل والحوار زاد شغفي لرؤيته؛ لأنني من عُشاق أعمال تامر حبيب كُلها حتى لو أنه لم يُشارك في العمل، لكن روحه كانت طاغية عليه.
مسلسل ليالي أوجيني هو مقتبس من فورمات إسباني، تدور أحداثه كلها ما بين بورسعيد والقاهرة، ما بين الفُندق وتياترو أوجيني؛ حيث ينقل صورة عن الحياة في الأربعينات، بطل القصة ظافر العابدين "فريد" طبيب لديه أخ توفّي، وحسب الأعراف في هذه الحقبة الزمنية يتزوج زوجة أخيه وهي كارمن بصيص "عايدة" من لبنان، ويرعى ابنة أخيه التي ما زالت صُغيرة لا تدري حجم الفجيعة.. ويكون الزواج على الورق فقط، بدون مشاعر، فقط زوجان يقيمان في نفس المنزل، لكن قلوبهما تحلق في مكانٍ آخر.
تُطل بعد ذلك أمينة خليل وهي تلعب في المسلسل دور" كاريمان" متزوجة، لديها ابنة تدعى ليلى، لكن زوجها لا يحسن معاملتها، فيقوم بضربها وإهانتها؛ لأنها تتمنع عنه، ولا تريده أن يقترب منها، فيزيد من الإهانة عندما يتأكد من شكوكه، وأنها لا تريده، وتقوم هي في النهاية بقتله عندما يأخذ ابنتها ويخرجها تماماً من البلاد بعيداً عنها، وهي لم تتحمل حجم هذا الأذى وانهالت على رأسه بحديدة حتَّى فقد حياته، وهربت من القاهرة إلى بورسعيد، وقامت بتغيير اسمها إلى كريمة دون أن تخبر أحداً عن حقيقتها، وتذهب بالصدفة إلى تياترو أوجيني، وفي تلك اللحظة يراها د. فريد بعد أن أصيبت بإغماءة وأنقذتها جليلة التي تلعب دور أسماء أبواليزيد، وتعتني بها بعد ذلك، وينشأ بينهما نوع من الود والصداقة، أو كما قالت جليلة في حلقة من حلقات المسلسل: "بتونسيني".
وهُناك أيضاً عزيز وهو صديق د. فريد المفضل، كان بينه وبين صوفيا "إنجي المقدم" علاقة حُب بدأت من الصغر، لكنها لم تستمر بسبب رفض والدته لتلك الزيجة، وتزوجت بعدها صوفيا وانتقلت إلي الاسكندرية، وعندما عادت رأت أن عزيز لم ينسي، وهي أيضاً لم تنسي أبداً..
اسم المسلسل مقتبس من اسم إمبراطورة "أوجيني دي مونيتو كوتيسة"، وهي إمبراطورة فرنسا، وزوجة الإمبراطور نابليون الثالث.
لكن ما الذي يجعل المُسلسل مختلفاً؟
المسلسل لفت الأنظار من الحلقة الأولى، ليس بسبب القصة التي لم أشاهدها من قبل بهذه الطريقة وهذا الإتقان، بل بسبب حرص طاقم العمل كُله على نقل صورة حية عن تلك الحقبة من خلال الملابس، والديكور، وطريقة الكلام.. حرصهم على نقل التفاصيل حتّى تتمنى أن تولد في تلك الفترة.
– تتر المسلسل بصوت الجميلة نسمة محجوب، صوتها لا يمكن أن تستمع إليه غير وقلبك يريد أن يصفق ليس يدك فقط!
الموسيقى أيضاً للمُلحن العظيم هشام نزيه وله أعمال كثيرة مثل: نيران صديقة، والسبع وصايا، وأفراح القُبة وشربات لوز، ومن الأفلام أيضاً فيلم تيتو.
عندما أستمع إلى أعماله تلقائياً أجد نفسي أبحث عنها في الـSound cloud حتى أحتفظ بها، وأستمع إليها مراراً وتكراراً دون ملل.
جعلني المسلسل أتمنى أن أكون في تلك الحقبة الزمنية؛ لأنني أراها مناسبة لِي جداً، قمتُ بمشاركة متابعيّ على تويتر برأيي عن المُسلسل؛ حيث كتبت لهم:
"أنا عايزة أعيش في ليالي أوجيني، حد يصبح علينا ويقول لي سعيدة، ولما حد يطلب منّي حاجة يقول لي ممنون لك، ولما أزعل أروح أقعد على البحر وأكتب زي فريد، وأكتب جوابات مش هتتقري زي كاريمان، وأحب واحد زي عزيز، ويبقى عندي صاحبة زي صوفيا أشرب عندها القهوة وآكل كيكة بالقرفة وبالفانيليا، ويبقى عندي حد في جدعنة جليلة".
الملابس.. في كُل حلقة من المسلسل تطل علينا بطلات العمل بإطلالات مختلفة تخطف القلب، ومن أبرزها إطلالات كاريمان بالفُستان الأخضر في سهرتها الأخيرة مع زوجها إسماعيل، ونبيلة "مريم الخشت" التي لا يسعني سوى أن أقول: إن هذا الدور سيكون بمثابة نقلة لها، فهي أثبتت في هذا المسلسل أنها قادرة على تمثيل أي شخصية حتى لو كانت بعيدة عنها تماماً مليئة بالتناقضات.
ومن الأغاني التي استمتعت بها كثيراً هي "يا وردة قولي ما تخافيش" بصوت الجميلة أسماء أبواليزيد، الجمال الأسمر، فهي لفتت الأنظار بدلالها، وطريقة إلقائها للأغنية وقد ظننت في أول الأمر أن الأغنية بصوت شخصٍ آخر وهي تؤدي فقط! لكن المفاجأة أن الأغنية بصوتها! وهذا ما جعلني أقع في حبها أكثر، فهي هذا الموسم فاكهة رمضان، وكان أول ظهور لأسماء أبواليزيد في مسلسل "أنا عشقت" سنة 2014، وتفوقت على نفسها في مُسلسل هذا المساء، عندما أتقنت دور الشابة التي تعرضت للابتزاز من قبَل شاب كانت على علاقة به، وتفوقت على نفسها أكثر عندما قامت بدور الفتاة المسيحية الصعيدية التي تدمرت علاقتها بأهلها بسبب رغبتها في تحقيق أحلامها بالغناء في التياترو ببورسعيد وتنشأ علاقة بينها وبين أمين، عامل في التياترو وتقع في مأزق الاختيار ما بين تحقيق أحلامها أو استكمال ما تبقى من عمرها مع أمين، بدون غناء، أو تمثيل.
وفي رأي أسماء أبواليزيد حتى لو قامت بالتمثيل الصامت فوجهها يمكن أن تجد فيه ألف كلمة وألف تعبير، معجونة فن!
أما بالنسبة لأمينة خليل، فأنا أرى أن هذا المسلسل هو ردّ على كل منتقديها، في هذا العمل تفوقت على نفسها في تأدية دور الفتاة المغلوبة على أمرها، التي تريد العمل فقط حتَّى تكسب بعض المال يساعدها في السفر لاستعادة ابنتها.
أقربهم لقلبي، ومن تسعدني مشاهدتها كثيراً إنجي المُقدم، تفوقت على نفسها في مسلسل "حكايات بنات"، عندما أدت شخصية ديچا، تعلقت بها كثيراً وبقيت شخصية ديچا لفترة كبيرة مؤثرة على جانب كبير من شخصيتي وأفكاري! وفي هذا الموسم تعود لنا كالصاروخ المُنطلق تؤدي دور فتاة إيطالية للمرة الأولى؛ حيث تقول إنها تعلمت الإيطالية في شهرين فقط، وأصبحت تتحدث بها بتلك الطلاقة كما لو أنها إيطالية حقاً!
المسلسل هو أول تعاون بين أمينة خليل وظافر العابدين وقد ظهرا في ثُنائي رائع بعد أن قام ظافر العابدين بتكوين ثنائي مع هند صبري في حلاوة الدنيا في الموسم الماضي، وأمينة خليل مع عمرو يوسف في جراند أوتيل.
المسلسل يعكس وجهاً حضارياً لمصر تمنيت أن يعود كثيراً حيث الحُرية والبساطة والرقي، في زمن اختفت فيه أخلاق مثل التي نراها في المُسلسل، لا يوجد مَن يقول سعيدة وأورڤوار أو يشكر أحداً عندما يقوم بخدمة له نادراً ما نرى أشخاصاً يتبعون تلك الذوقيات، لا يوجد بيت مصنوع من الخشب ديكوراته بسيطة أو كما يطلقوا عليه vintage، لا توجد حُرية في المشي كُل فتاة تخرج وهي تعلم كمّ المضايقات التي ستتعرض لها حتى تصل إلى غرفتها.. الأصدقاء مثل صوفيا وجليلة وعزيز عُملة نادرة لا نجدهم بسهولة في هذا الزمن.. لا يوجد أوتومبيل أو حنطور.. اختفى الغرامافون والأسطوانات القديمة وحل محلها sound cloud وanghami وهذا جعل الموسيقى تفقد متعتها.
عندما تنتهي حلقة المُسلسل أتمنى في كُل مرة أن أغمض عيني وأجد نفسي في مكان مثل هذا، لكن ليس كُل ما نتمناه يتحقق ولا يسعني سوى أن أقول: شكراً للمخرج هاني خليفة على اهتمامه بنقل هذه الصور وحرصه على التفاصيل، وأجمل ساعة إلا رُبع في يومي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.