الإعلام العراقي.. إذ لا يجد سوى السياسي يعطيه قُبلة “الحياة”

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/29 الساعة 10:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/29 الساعة 10:48 بتوقيت غرينتش

على مرور أعوام كثيرة، بدايتها منذ الغزو الأميركي ونهايتها لم تُحبَك بعد، تروى قصة الإعلام في العراق بشكل مثير تارةً للعجب وتارةً للاشمئزاز، فعشرات الطامحين من الشباب الذين يسعون لخلق مستقبل مهني زاهر دائماً ما يصطدمون ببابٍ ما إن يفتحوه حتى يحطمهم هول الواقع من الوهلة الأولى.

سير الإعلام العراقي تغير منذ الغزو الأميركي للبلاد، شكلياً، بدا كل شيء ممنوعاً في زمن النظام السابق مسموحاً حالياً، لكن التغيير الجوهري الذي لم يلحظه المتلقي العراقي، هو أن من أعطى قُبلة الحياة لقطاع الإعلام هم رجال التجارة أو ما يعرفون بسياسيي الصدفة، المارقون في تاريخ الدولة التي نشأت مطلع القرن الماضي.

وفي ظل السحابة السوداء التي اجتاحت ثلث العراق في 2014، ومع تصاعد الخطاب الطائفي والتوتر المتزايد داخل البيت الرافديني، أشرقت في الأفق سحابة زرقاء، ظن العراقيون أنها محملة بالغيث، عسى ولعل تجلي ما أصابهم من جفاف في شعورهم بالمسؤولية تجاه مجتمعهم وبلدهم.

انطلقت قناة ناطقة بالعربية كنسخة ثانية لأختها الناطقة بالكردية، بدعم من أحد أكثر الشباب تأثيراً في إقليم كردستان والعراق، وتعهد بحماية طريقها، فملكيته هذه ليست كالأخريات، واستطاعت أن تؤسس لمفهوم إعلامي جديد داخل العراق.

عمل الفريق في هذه المؤسسة هدفاً لنشر السلام الذي فارق بلادهم ولم يروه مجدداً، أنتج الفريق سعياً لإنعاش الروح بعد أن عادت الحياة إلى الجسد. لكن بعد مرور عامين استيقظ الفريق على أزمة مالية تعصف بمنزلهم الذي يتقدم يوماً بعد يوم، محققاً ما لم تقدر عليه القنوات الأخرى.

واجهوا الكدر في الأشهر التي تلت، رواتبهم التي يعتاشون منها تعد تصلهم، لكن تحقيق الهدف جعلهم يمضون قدماً وهم يتضورون جوعا أحياناً.

وفي الأيام الماضية، أعلن مالكها رجل الأعمال الشاب نهاية مشوار هذه القناة بعد تمكن حزبه السياسي الناشئ من الحصول على 4 مقاعد برلمانية في مجلس النواب العراقي، وهو ما خلق وباء الانهيار الذي تفشّى سريعاً بين عاملي القناة، أدركوا أخيراً أن قُبلة الحياة هذه كانت أيضاً من فمِ سياسي، جعلها أسيرة لأهوائه، لا يختلف عن كثير ممن قبله، وحتى طاقم الإدارة في القناة خذلوا فريقهم بعد ما امتلأت جيوبهم من أموال الانتخابات؛ ليتبين أن المشاهد تتكرر، وأن حقوق الطامحين تدوسها نزوات السياسيين.

اليوم هذه القناة، وغيرها العديد من المشاريع الإعلامية التي تغلق بدون سابق إنذار، ويتم تسريح موظفيها بشكل مذل وغير لائق، وهو منظر غير جديد على القنوات والمحطات الإعلامية العراقية، ويتكرر بشكل مستمر لعدم وجود رادع قانوني أو أخلاقي يدفع "المستثمر السياسي" في قطاع الإعلام، لتقدير موظفيه وتوفير "نهاية محترمة" لهم في حال أراد إغلاق مشروعه الإعلامي.

يبدو أن مالك القناة، وصاحب المشروع السياسي المنادي بتغيير الوجوه القديمة واستبدالها بأخرى جديدة، لا يريد لموظفيه أن يعيشوا "صدمة" إغلاق مصدر أرزاقهم وأرزاق عوائلهم، فقام بتسويق نظرية جديدة على الساحة الإعلامية في العراق، وهي نظرية "الصيانة والتأهيل"، لغرض تسويف عملية تسريح العاملين، واعداً بأن تعود خلال فترة من الزمن.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
صبرائيل الشاهر
مدير مركز الحقوق لحماية الصحفيين
تحميل المزيد