لو خسر أردوغان الانتخابات الرئاسية القادمة.. هل ستصبح تركيا عضواً بالاتحاد الأوروبي أخيراً؟

عدد القراءات
3,926
عربي بوست
تم النشر: 2018/05/28 الساعة 14:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/29 الساعة 08:24 بتوقيت غرينتش

شهدت العلاقة التركية الأوروبية توتراً ملحوظاً، منذ محاولة الانقلاب في 15 يونيو/حزيران 2016، وتمثلت بأزمات دبلوماسية متتالية، لعل أبرزها الأزمة الدبلوماسي مع هولندا وألمانيا، ثم النمسا والدنمارك.

الجدير بالذكر أن سلسلة الأزمات الحاصلة بين الجانبين التركي والأوروبي ليست طارئة أو عابرة، بل هي أزمات عميقة، منشؤها عدم الرضا عن السياسة الخارجية التركية التي تجاوزت الحد الذي رُسم لها خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى اعتبار الاقتصاد التركي مؤخراً اقتصاداً منافساً يهدد الاقتصادات الأوروبية، إذا ما أخذنا، على سبيل المثال، المطار الثالث أحد أوجه ذلك الاقتصاد المقلق لأوروبا، وكذلك الخلفية الدينية والثقافية للأمة التركية، لاسيما إذا ارتكزت على عاملي التاريخ وحجم السكان.

لم تكن تلك الأسباب التاريخية هي ما تبرر به الدول الأوروبية تأخير قبول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وإن كان بعضها يتحدث عن مستوى خطاب الرئيس أردوغان  ولغته الحادة، بل كانت تبرره بعدم استيفاء تركيا المعايير المطلوبة للانضمام.

يقول أستاذ مادة الاتحاد الأوروبي في جامعة إسطنبول آيدن ووزير الاتحاد الأوروبي السابق الدكتور Egemen Bağış:  بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، كانت أهم الانتقادات التي وجهتها المؤسسات الأوروبية لتركيا متعلقةً بملف الديمقراطية والإصلاحات السياسية، إلى جانب انتقادات متعلقة بحرية التعبير وحقوق الإنسان؛ حيث طالبت دول الاتحاد الأوروبي تركيا بإجراء إصلاحات ديمقراطية.

العجيب في الأمر أن أوروبا التي تطالب تركيا بإصلاحات ديمقراطية كانت قد اتخذت موقفاً سلبياً من محاولة الانقلاب الأخيرة، وهي المحاولة التي تعد انقلاباً على الديمقراطية، فكلنا يعلم أن الرئيس أردوغان لم يأت بانقلاب عسكري، بل بإرادة شعبية من خلال صندوق انتخابي، لم يفز فيه بـ99.99  من الأصوات، كما هو الحال في الدول التي تدعي الديمقراطية، والتي ربما تحظى بدعم بعض دول الاتحاد الأوروبي نفسه، ولم يتوقف الأمر عند تلك السلبية، بل وصل لحد انتقاد اعتقال بعض المتورطين بمحاولة الانقلاب بشكل حاد، إلى المستوى الذي حدا بوزير الخارجية مولود جاويش أوغلو ليصفه بأنه انتقاد وصل لمستوى دعمهم.

يكشف هذا التناقض في الموقف الأوروبي عن ازدواجية المعايير لدى دول الاتحاد، ما يجعل الأزمة في مقامها الأول أزمة ثقة ومصداقية، ويجعل الغضب التركي الرسمي مبرراً ونتيجة منطقية إزاء هذه الازدواجية والتناقض، كان كل ذلك يحصل في الوقت الذي كانت تؤكد فيه تركيا للاتحاد الأوروبي أن ما يجمع الجانبين أكثر مما يفرقهما، وتبدي فيه حسن النية مؤكدة  على المصالح المشتركة والعلاقات الاستراتيجية بين الجانبين.

في خضم هذه الأحداث المتسلسلة والأزمات المتعاقبة، والمشاكل الاقتصادية المتوالية، أعلن أردوغان عن إجراء انتخابات مبكرة، وهو إجراء يقع ضمن صلاحياته الدستورية، هذه الانتخابات تأتي في مرحلة حساسة، تشهد فيها تركيا منعطفاً مهماً، ويتم تصدير المشهد فيها بشكل مختلف، إذ تسعى تركيا للخلاص من القيود التي فرضتها عليه اتفاقية "لوزان" المئوية، والتي ستنتهي في العام 2023، أي في المدة الواقعة ضمن الفترة الانتخابية القادمة، كما ستشهد المرحلة تحديات كبيرة في إجراءاتها لإيقاف اليد التي تعبث بالاقتصاد التركي.

بعد الانتخابات الرئاسية القادمة، أعتقد أن هناك عدة أحداث ستعمل على إعادة صياغة علاقة تركيا بالمنطقة إجمالاً، وليس مع الاتحاد الأوروبي فحسب، أبرز تلك الأحداث ما يتعلق بالملفين الإسرائيلي والإيراني،  لكنّ هناك مشهدين أساسيين يتعلقان بما ستفرزهما الانتخابات من نتائج، هما اللذان سيحددان طبيعة تلك العلاقة ومسارها؛ ففي حال فوز حزب العدالة والتنمية الحاكم، فإن هذا سيعزز من موقفه تجاه القضايا المشتركة مع الاتحاد الأوروبي، ويجعله أقوى من أي فترة مضت، وعلى الاتحاد الأوروبي حينها أن يتعامل بجدية أكثر ومصداقية أكبر من ذي قبل، ويعيد تعريف العلاقة مع تركيا، ويدرك طبيعة المصالح المشتركة التي تربط الجانبين، ما لم يتم فإن الأزمة ستشهد تطوراً أكبر، وآثارها السلبية لن تقتصر على جانب واحد، وخاصة تلك التي تتعلق بأزمة توافد اللاجئين والملف الأمني.

أما المشهد الثاني، فهو في حال فوز حزب آخر، ولعله حزب الشعب الجمهوري الكمالي، ثاني أبرز الأحزاب المنافسة، حينها ستأخذ المفاوضات التركية – الأوروبية منحى مختلفاً، ويضع الاتحاد الأوروبي شروطه، ويخشى ألا تقتصر مطالبات الاتحاد الأوروبي من الحزب الحاكم الجديد على تقديم تنازلات تتعلق بمستوى الخطاب، بل تصل إلى درجة المطالبة الضمنية بتغيير طبيعة العلاقة التركية – الأوروبية، لتتحول من علاقة "ندية" إلى "تبعية".

إلا أن ذلك، في تقديري، وإن وصل لحد إملاء شروط التبعية، وبالشكل الذي تريده دول الاتحاد الأوروبي، فإنه لن يسهم بنجاح عملية الانضمام الكامل للاتحاد الأوروبي، ربما يتم منح تركيا بعض الامتيازات الاقتصادية والجمركية بالإضافة إلى تأشيرة الشنغن، وفق صيغة معينة، في أفضل الأحوال، لكن الانضمام الكامل لن يحصل على الأرجح؛ لأن الأسباب الكامنة وراء عرقلة عملية الانضمام هي أسباب تاريخية تتعلق بهوية البلد ودينه وثقافته وتاريخه، وليس بطبيعة النظام الحاكم فحسب، كما أن عدد السكان في تركيا سيضاعف من حجم تمثيل تركيا في البرلمان الأوروبي، فيما لو أصبحت عضواً في الاتحاد الأوروبي، إذ ينبغي أن تكون عدد المقاعد في البرلمان الأوروبي متناسبة مع حجم السكان في كل دولة من الدول الأعضاء، حينها ستكون تركيا ثاني أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا، من حيث حجم التمثيل في البرلمان، وهذا يضاعف من فرصها في التصويت، ويشكل تهديداً على البنية التشريعية الأوروبية.

تلك الأسباب بالإضافة إلى قضايا جوهرية عالقة كانت سبباً رئيسياً في عرقلة عملية الانضمام، سواء كانت إشكالات قديمة كقضية جزيرة قبرص، التي سيشكل حلها، وفقاً لوجهة النظر الأوروبية، تهديداً استراتيجياً لتركيا، أو قضايا حديثة كقضية توافد اللاجئين إلى أوروبا عبر الحدود التركية.

بالطبع لا يستطيع أحد القطع باستحالة الانضمام، وإن كان ذلك غير مرجح؛ لأن متغيرات جديدة تتعلق ببنية الاتحاد الأوروبي قد تطرأ في المستقبل، وتظهر بنى جديدة تعيد رسم الخارطة الاقتصادية والسياسية أو على الأقل الأمنية للاتحاد الأوروبي نفسه، بشكل يجعل الاتحاد الأوروبي يعيد النظر في مسألة انضمام تركيا، ويتعامل معها بشكل جدي.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
ياسر عامر
كاتب وباحث في العلاقات الدولية
تحميل المزيد